رأى

أخصائي تغذية يلغي الصحة والطب!!

أحمد إبراهيم

بقلم: أحمد إبراهيم

إذاعي وكاتب صحفي

شاب مريض بالأعصاب ذهب إلى أخصائى التغذية الذى تملأ إعلاناته جميع الفضائيات ليلاً ونهاراً، الشاب دفع 6000 جنيها فى كيس أعشاب وحالته تزداد سوءاً.

سألته: لماذا اخترته؟ أجاب: إعلاناته تطاردنا فى التليفزيون، وحتى فى الثلاجة والبوتاجاز والغسالة، ويدّعى أنه يعالج كل الأمراض وحاصل على ترخيص من وزارة الصحة.

أخصائى التغذية احتكر القنوات الفضائية ويبيع الوهم للمواطنين مع الكركمين والأعشاب على الهواء مباشرة، وتليفوناته وعناوينه معروفة، ويطلب وكلاء له فى المحافظات، والأخطر أنه يستضيف بعض البسطاء للترويج لمنتجاته بكلام يسىء لمنظومة الطب والصحة، حيث يقولون إن حالتهم ساءت من مستشفيات الدولة والشفاء جاء من أخصائى التغذية. وللأمانة ليس هو فقط الذى يفعل ذلك، بل الموضوع أصبح تجارة رابحة وأسهل طريق للثراء الفاحش السريع باستغلال المرضى البسطاء الذين يصدقون كل ما يذاع فى التليفزيون باعتبار أن ذلك بضمان الدولة.

الأمر وصل إلى انتشار إعلانات عن أخصائيين روحانيين لعلاج السحر والشعوذة وجلب الرزق والحبيب والصديق ورد المطلقة، وبيع الأدوية والأعشاب التى تعالج كل الأمراض وتوصيلها للمنازل، حتى إن مفسرى الأحلام والطباخين يعالجون المواطنين على الهواء مباشرة، وكل من يملك أموالاً يشترى وقتاً فى التليفزيون ويفتى فى الطب والصحة، حتى لو كان غير متعلم. إنها فوضى غير مسبوقة ضحيتها المواطن، كانت هناك قواعد وشروط قاسية لظهور الأطباء على الشاشة، منها مثلاً أن يكون الطبيب أستاذاً أو استشارياً، وكانت لجنة الصحة فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون يرأسها وزير الصحة أو من ينوب عنه، ووظيفتها مراقبة البرامج الطبية ووضع قواعد صارمة لضيوفها، أما اليوم فأصبحت صحة المواطن حقل تجارب لمن لا مهنة له من مُدعى الطب والإعلام.

هذه مأساة نشاهدها يومياً بكثافة فى كل القنوات الفضائية على مرأى ومسمع من جميع المسئولين فى الدولة وأيضاً المجلس الأعلى للإعلام، الذى اتخذ قراراً منذ عامين ولم يُنفذ بشأن ضوابط البرامج الطبية تضمّن عدم قبول برامج مهداة أو بنظام تأجير الوقت، وعدم الإعلان عن مستشفيات أو مراكز علاجية إلا بعد التأكد من تسجيلها بـوزارة الصحة، وعدم الإعلان عن أدوية إلا بعد الحصول على موافقة إدارة الصيدلة بـوزارة الصحة.

البرامج الطبية مدفوعة الأجر تتاجر بآلام المواطنين وتستغل حاجتهم للشفاء من الأمراض الخطيرة، وكذلك لهفتهم على الإنجاب والتخسيس والتجميل.. وتسببت فى وفيات وكوارث كثيرة، كذلك إعلانات الأطباء فى الشوارع وعلى الطرق والكبارى، وللأسف الضحية هو الشعب الذى يعانى من الفقر والجهل والمرض، وما زال يصدق كلام هؤلاء النصابين فى الفضائيات باعتبارها مصدراً للثقة.

البرامج الطبية موجودة فى كل الدول، لكنها بدون أجر وتخضع للرقابة الصارمة ويقدّمها كبار المتخصصين، وهدفها الثقافة الطبية التى تسهم فى الوقاية من الأمراض، وبالتالى تخفيض فاتورة العلاج والحفاظ على صحة المواطنين.

إذا كان أخصائى التغذية والأعشاب ومفسرو الأحلام والطباخون يعالجون جميع الأمراض، فلماذا إذاً تنفق الدولة أموالاً طائلة على الصحة، وما فائدة كليات الطب؟

هذا ليس أول مقال أكتبه أنا وغيرى حول كارثة الإعلانات عن الأدوية والبرامج الطبية مدفوعة الأجر، ولن يكون الأخير، لأنها لم تسئ فقط إلى الطب والإعلام المصرى، بل أساءت إلى مصر كلها، وإلى الجهود المتميزة للدولة فى إصلاح منظومة الصحة.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى