تقارير

66 عاماً على قانون الإصلاح الزراعي.. هل تحققت العدالة الاجتماعية للفلاحين؟

كتب: هيثم خيري “الأرض لنا.. الأرض لمن يعملون فيها.. قضينا على الإقطاع وعلى الإقطاعيين.. وقضينا على الاستغلال والاستغلاليين.. بدأ وقت العمل والبناء”. بهذه الكلمات استهل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر خطابه الشهير في أول حفل لتسليم أراضي الإصلاح الزراعي للفلاحين لزراعتها، بعدما كانوا أجراء فيها.

حدث هذا عقب صدور قانون الإصلاح الزراعي في تاريخ 9 سبتمبر عام 1952 بعد 45 يوما فقط من قيام ثورة 23 يوليو.. قلب القانون الدنيا رأسا على عقب، واستبشر كل فقراء الوطن خيرا بالنظام الجديد الذي أنهى العهد الملكي وتعهد بتحقيق العدالة الاجتماعية في الأرض، بينما عض كبار رجال الدولة وأصحاب الحيازات الزراعية الكبيرة أصابعهم ترقبا لمصادرة أراضيهم.

بعد صدور القانون بيومين اثنين استقالت حكومة علي ماهر، وأعلن النائب عدلي لملوم الكفاح المسلح بصحبة عصبة من الرجال المسلحين وظنوا أن العصيان على السلطة الجديدة سيكون سهلا، وسرعان ما حسم الصراع لصالح الضباط الأحرار.

كيف عاشت مصر هذه الأيام؟ وكيف استقبل فقراء الريف هذا الخبر آنذاك؟ والأهم ما مصير أراضي الإصلاح الزراعي ومزارعيها وأبناءهم؟ وما آفاق تطوير جمعيات الإصلاح الزراعي والمشروعات التي تخدم القطاع؟ هذه الأسئلة وغيرها، سنحاول فى هذا التقرير الإجابة عليها بمناسبة مرور 66 عاما على قانون الإصلاح الزراعي، حيث صار تاريخ إقراره في التاسع من سبتمبر عيدا لجميع الفلاحين على مستوى الأقاليم المصرية.

آراء ورثة أراضي الإصلاح الزراعي

4 قراريط هي كل ما تبقى من ميراث السيد محمد عبدالعاطي حربي، يزرعها شتاء وصيفا باجتهاد لا يحسد عليه، فالقراريط الأربعة قد تفي باحتياجات منزله من الطحين أو الذرة أو غذاء المواشي، لكنها لا تسمح له بالبيع والمتاجرة بمحصوله أبدا.

وكما يبدو من اسمه، فوالده محمد عبدالعاطي كان من بين أول خمسة أشخاص منتفعين بأراضي الإصلاح الزراعي في خمسينيات القرن الماضي، وأصبح له أبناء وبنات سعى لتعليمهم والاستفادة من أرض الإصلاح الزراعي الجديد، الذي فتح بابا جديدا وطاقة أمل على الفلاحين المصريين آنذاك.

تواصلنا مع ورثة وأهالي أول من استفادوا من أراضي الإصلاح الزراعي في مصر، في قرية دفشو التابعة لمركز كفر الدوار بالبحيرة، حيث تسلموا أراضيهم عام 1954 من الجمعية الزراعية.

حصل والد السيد، على فدانين فقط من الإصلاح الزراعي، ولا يبدي ابنه اهتماما كبيرا بمعرفة تاريخ الوالد مع أرضه، حيث لم تعد إلا “حتت أرض صغيرة يملكها الأبناء والأحفاد” كما يقول السيد، كما لا يحتفظ بصورة لوالده وهو يتسلم عقد التمليك أو ما شابه، وعرف بالصدفة أن والده كان من أول خمس منتفعين بأراضي الإصلاح الزراعي.

وما موقف الأبناء الآن؟ نسأله فيجيب بأن والده كان قد حصل على الأرض على أقساط طويلة الأمد لمدة 40 سنة، وتفرقت الأرض بعد وفاته كميراث وباع بعض الورثة أرضهم بينما احتفظ الباقي بها. وعن مستوى تعليم الأبناء يقول السيد إن بعضهم لم يكمل تعليمه والبعض الآخر اكتفى عمل بشهادة الدبلوم، مضيفا: “أبويا استفاد طبعا مفيش شك، حصل على الأرض بالتقسيط المريح، ومنا من تعلم ومنا من لم يكمل تعليمه.. والآن نطالب الدولة بالحصول على أراض جديدة لشباب الخريجين وصغار المزارعين أسوة بما حصل في السابق”.

علي رمضان محمد عثمان، هو ابن أحد أوائل المنتفعين الخمسة من أراضي الإصلاح الزراعي بنفس المنطقة الكائنة في عزبة الروضة بمنشية صيرة كوبانية أبوقير بمركز كفر الدوار، لم يكمل علي تعليمه أيضا، وهو الذي يزرع الأرض البالغ مساحتها فدانين في العزبة، يقول علي: “لم أكمل تعليمي وأكتفي بزراعة الأرض، كما أقوم باستئجار قطعة أرض أخرى للوفاء بالتزامات بيتي”.

وفي مدينة نبروه، التابعة لمحافظة الدقهلية، يتحدث المهندس كمال محمد خضر، القيادي بمنطقة الإصلاح الزراعي، باعتباره أحد الأبناء الذين استفادوا من قانون الإصلاح الزراعي بشكل مباشر فيقول: كنا أسرة فقيرة قبل ثورة يوليو وتغيرت أحوالنا للأفضل بعد حصول والدي على 5 أفدنة من أجود الأراضي الزراعية بقرية نشا التابعة لمركز نبروه، وساعدنا تملك الأرض الجديدة آنذاك على تربية وتعليم أشقائي التسعة، وأصبح شقيقي السيد مهندسا زراعيا وسعد موجها أول للغة العربية.

وبكثير من الفخر يستكمل كلامه قائلا: لولا الأرض ما تغيرت أحوالنا”.

أما الدكتور حمزة أبو القمصان السيد فيقول: كنا لا نملك شبرا من الاراضى الزراعیة قبل ثورة یولیو وكان والدى من الفقراء، وعندما قامت الثورة غمرت الفرحة قلبه لإنهاء الظلم الواقع على جموع الفلاحین فى ذلك الوقت من قبل الاقطاع، وتملك والدى فدانین من الأرض الزراعیة، وساعدته والدتى فى زراعة الارض لتوفیر احتیاجاتنا المعیشیة.. وتوفي والدي وعمري عاما، وتولت والدتى رعايتنا وتحملت من اجلنا العناء الشدید حیث كانت تفلح الارض بنفسها وكنا نساعدها بأیدینا لتوفیر احتیاجاتنا من ناتج الأرض، وكان الهدف الوحید أن نصبح نماذج مشرفة فى المجتمع وهو ما تحقق بالفعل فيما بعد حيث أصبح بيننا رئيس المحكمة الابتدائية ببيلا ووصلت إلى مدير الوحدة الصحية لقرية كفر الأبحر بنبروه.

تصاعد أعداد فقراء الريف

وإذا كان هذا هو حال ورثة المستفيدين من الإصلاح الزراعي، فكيف تغير القانون وتبدلت صورته حتى انتهت بقانون المالك والمستأجر الذي سمح للمتضررين من قانون الإصلاح الزراعي استعادة أراضيهم؟

يرصد الدكتور صقر النور، أستاذ الاجتماع الريفي بجامعة جنوب الوادي، في دراسته المهمة “سياسات التنمية الريفية والزراعية في مصر”، تأثير سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تم اتخاذها في فترة السبعينيات بأنها كان لها أثر بالغ السوء على الإصلاح الزراعي الذي قامت به ثورة 23 يوليو قائلا: كان لسياسات الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي التي اعتمدتها مصر منذ منتصف السبعينيات تأثير كبير في المجتمع بشكل عام وفي الريف بشكل خاص، إذ أدت إلى زيادة معدلات التفاوت الاجتماعي والإفقار لقطاعات كبيرة من سكان الريف، فبعد أن كانت معدلات المساواة الاجتماعية مرتفعة وحدة الفقر منخفضة، نتيجة قوانين الإصلاح الزراعي الذي ساهم في تحقيق تحسن ملموس في أوضاع المساواة والنفاذ إلى الموارد والخدمات وخطط التنمية التي تركز على محاربة الفقر، أدى الإصلاح الاقتصادي المضاد الذي بدأ مع الانفتاح الاقتصادي إلى إزالة مكتسبات الحقبة الناصرية ورفع معدلات اللامساوة والفقر.

وتابع بالقول إن برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي الذي تم مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سنة 1991 ثم مدد في سنة 1997 ووصولا إلى السياسة الليبرالية أدت هذه الإجراءات جميعها إلى تهميش القطاع الريفي.

ويتتبع د.صقر النور، انتقال السياسات الزراعية من عام 1952 إلى منتصف السبعينيات فيقول: انتقل الاقتصاد المصري من اقتصاد موجه إلى اقتصاد منفتح ثم تمددت الإصلاح الليبرالية الجديدة في السنوات التالية، هذا الانتقال احتاج إلى تغييرات جذرية في دور الدولة وفي البنية القانونية الحاكمة للعلاقة بين الدولة والمزارعين، فصدر قانون المالك والمستأجر استجابة للمطالب الدولية في تحرير القطاع الزراعي.

وبالتوازي مع ذلك استمرت الدولة في التركيز على اعتماد سياسات داعمة لاستصلاح الصحراء والزراعات التصديرية، إذ شهدت هذه الفترة توسع الزراعات في منطقة غرب الدلتا الصحراوية، وظلت السياسات الزراعية وخطط التنمية تتركز حول رعاية الزراعات التصديرية في الصحراء على حساب الزراعات الفلاحية والعائلية، وزدادت أزمات الزراعة الفلاحية في الريف جراء القوانين الجديدة وعدم ضخ استثمارات لها، ولجأ الفلاحون إلى تهميش الزراعة واضطروا للهجرة وتنويع مصادر دخلهم وانتقلت الزراعة إلى هامش سبل عيشهم.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى