تقارير

17 خطوة تدشن استراتيجية إرشادية سمكية لتنمية بحيرة ناصر

بحيرة ناصر

كتب: د.صلاح الدين الساعي في الفترة الحالية هناك اهتماما حكوميا بتنمية البحيرات ورفع كفاءتها وزيادة الثروة السمكية بها وسبل تنميتها من خلال مشروعات تحقق التنمية المستدامة.

في السطور التالية نتناول المشكلات والمعوقات التي تواجه عملية تنمية بحيرة ناصر من خلال تحديد أهداف لإستراتيجية إرشادية سمكية لـتنمية البحيرة وذلك من خلال ثلاثة محاور أو أبعاد رئيسية، إنتاجيا وإجتماعيا وبيئيا.

تعتبر بحيرة السد العالي ثاني أكبر البحيرات الصناعية في العالم من ناحية المساحة بعد بحيرة فولتا في غانا، ويبلغ طولها 500  كم منها 350  كم بالأرض المصرية، والباقي بالأراضي السودانية (يسمى الجزء الواقع بالسودان بحيرة النوبة) وتبلغ مساحة الجزء بالأراضي المصرية – عندما يصل منسوب المياه بالبحيرة إلى 180 متر  فوق سطح البحر – حوالي 5237 كم2 (أي ما يساوي حوالي 1.25 مليون فدان، أقصى عمق حوالي 130 متر، ومتوسط العمق 25 متر ومتوسط العرض 18 كم).

مميزات بحيرة ناصر

تتميز بحيرة ناصر بملاءمة ظروفها البيئية لتربية العديد من أصناف الأسماك، بالإضافة إلى وفرة القاعدة الغذائية الطبيعية حيث تعتبر من أغني البحيرات خصوبة من حيث وفرة الغذاء الطبيعي الفيتو والزوبلانكتون.

كما تتميز بحيرة ناصر بطول شواطئها وذلك لوجود الاخوار وهي عبارة عن الوديان التي كانت علي جانبي البحيرة وغمرتها المياه وإن كان معظمها ضيقا ويمتد لمسافات طويلة في الصحراء فالبعض منها متسع، ويوجد بالبحيرة 85 خورا منها 48 في الجانب الشرقي و37 في الجانب الغربي، وأكبرها مساحة هي أخوار العلاقي وكلابشة وتوشكي وترجع أهمية المساحات (الخيران) في الإنتاج السمكي إلي أن معظم الأسماك تعيش في مياهها الضحلة وتعتبر من أنسب الأماكن لتكاثر سمك البلطي.

ويتأثر الإنتاج السمكي بشده نتيجة لإنخفاض منسوب المياه والذى يؤدي بدورة إلي نقص في طول الشاطئ والمساحات الشاطئية والتي تعتبر البيئة المناسبة لمعيشة، وتكاثر الأسماك الهامة من الناحية الإقتصادية، كما تعتبر بحيرة ناصر مصدرا طبيعيا لعمليات الصيد فهي من أهم المصادر السمكية المصرية بإعتبارها اكبر مسطح مائي من المياه العذبة في مصر ومن أنقي البحيرات في العالم حيث أن الأسماك المصيدة منها غير ملوثة إذا ما قورنت بـالأسماك المصيدة من أي مسطح مائي آخر في داخل مصر.

الإنتاج السمكي في بحيرة ناصر

تشير الإحصاءات السمكية إلي أن الإنتاج السمكي من بحيرة ناصر يعاني من التذبذب والتراجع حيث بلغ الإنتاج 22653 طن عام 2015  بنسبة 6.5% من جملة الإنتاج السمكي للمصايد الطبيعية في مصر، أي لا يتعدي إنتاج الفدان الواحد السنوي منها 20 كيلو، حيث تبلغ مساحتها المائية مليون وربع فدان تقريبا.

مشكلات الإنتاج السمكي في بحيرة ناصر

وقد تم الوقوف علي أهم المشكلات والمعوقات من ناحيه البعد الانتاجي والمتعلقة بتنمية إنتاجية بحيرة ناصر من وجهة نظر الباحثين والعاملين بالهيئة العامة لـتنمية الثروة السمكية (مفرخ صحاري)، وكذا هيئة تنمية بحيرة ناصر، ووزارة الموارد المائية والري (مفرخ الري)، وكلية تكنولوجيا المصايد والاسماك، حيث أوضحت النتائج أن هناك أربعة عشرة مشكلة تعوق تنمية إنتاجية بحيرة ناصر وتشمل:

ـ تعدد جهات الإشراف على بحيرة ناصر وغياب التنسيق بينها، وتشتت المسئولية وعدم وضوح الأهداف، قله الإنتاج وتدهور المخزون السمكى بالبحيرة واستنزافه بصفة مستمرة نتيجة الصيد الجائر والصيد المخالف نتيجة (الغزل والشباك المخالفة، الصيد بأدوات صيد ممنوع الصيد بها، الصيد بمراكب صيد غير مرخصة وزياده المسطح المائي للبحيرة نتج عنها زيادة جهد الصيد علي البحيرة) دون العمل علي تعويض الفاقد منها نتيجة هذا الصيد، عدم وجود قاعدة بيانات صحيحة وقصور وعدم دقة البيانات المتعلقة بالإنتاج الحقيقى للبحيرة، سوء إدارة البحيرة وإسنادها لغير المتخصصين، عدم توافر التمويل اللازم لـتنمية البحيرة، ندرة البحوث الخاصة بأمراض الأسماك بالبحيرة، عدم وجود دراسات تقييم حقيقى للمخزون السمكي من واقع الإنتاجية الفعلية للبحيرة، وندرة الخبرة العلمية والعملية فى الإستغلال الأمثل والرشيد لموارد البحيرة، ضعف دور شرطة المسطحات المائية فى القيام بعملها، عدم وجود إستراتيجية واضحة لتنمية وتطوير بحيرة ناصر في ظل التعدد والتداخل الاداري، عدم وجود مشاريع مشتركة بين الجهات البحثية المختلفة لدراسات تعلمية شاملة علي بحيرة ناصر (مصايد-تلوث-أمراض) وعلاقتها ببعضها، ضعف الجهات الرقابية وعدم تطبيق قوانين حماية المسطحات المائية، إنتشار المحسوبية بين بعض العاملين بالهيئة العامة لـتنمية الثروة السمكية وشرطة المسطحات المائية لبعض المخالفين أصحاب مراكب الصيد، وعدم تفعيل دور الجمعيات التعاونية لصائدي الأسماك في مجالات إنتاج وتنمية الثروة السمكية بـبحيرة ناصر.

ـ ومن ناحية البعد البيئي فإنه علي الرغم من الجوانب الإيجابية المحفزة علي التنمية المختلفة لمنطقة بحيرة ناصر وما تحققة من انتشار سكاني وعائد إقتصادي وبعد إستراتيجي للدولة فإنه يجب مراعاة المخاطر البيئية علي البحيرة وإلي أي مدي تكون هذه المخاطر؟ وهل يمكن تحديدها وتحجيمها؟ حيث تعتبر بحيرة ناصر المصدر الرئيسي في مصر لإحتياجاتنا المائية فقد تم الوقوف علي أهم المشكلات والمعوقات المتعلقة بـالتنمية البيئية الشاملة لـبحيرة ناصر من وجهة نظر الباحثين في المجال البيئي، حيث أظهرت النتائج أن هناك عشر مشكلات متعلقة بالتنمية البيئية الشاملة لـبحيرة ناصر وتشمل:

ـ تضارب التقارير التي تتحدث عن أعداد التماسيح في البحيرة، ندرة الدراسات الخاصة بالنظام البيئي لمصايد البحيرة والتغيرات التي تطرأ عليها، صعوبة الحصول علي بيانات محطة الرصد البيئي ومحطة الأرصاد الجوية للوقوف على حجم التتغيرات البيئية والمناخية بالبحيرة، اختلال التركيب النوعى والكمى للمخزون السمكى نتيجة تحول حالة المياه من الحالة النهرية الى الحالة البحيرية “من مياه جارية الى مياه راكدة”، إنتشار ظاهرة الإزدهار الطحلبي Algal bloom  فى معظم أجزاء البحيرة طوال العام والناتجة عن زيادة التخصيب، تذبذب مناسيب المياه فى البحيرة علي طول الشواطئ والمساحات الشاطئية مما يؤديإ الى إنخفاض المخزون السمكى بالبحيرة، وانتشار النباتات والأعشاب المائية بدرجة كبيرة مثل البوص ونبات ذو الألف ورقة مما يؤثر بالسلب على بيئة البحيرة، الآثار السلبية للتغيرات المناخية التى أصابت هضبة الحبشة بالجفاف خلال الأعوام السابقة وهى أساس مصدر مياه البحيرة والتى أثرت علي إنخفاض عمود الماء وتقليل المساحات الشاطئية وتغير خصائص وجودة المياه، انتشار الطيور المائية في الشتاء والتى تستهلك كميات كبيرة من الأسماك وتنقل الطفيليات للأسماك مثل الكونتراسيكم، وزيادة الإطماء على قاع البحيرة وظهور أجزاء مجففة طبيعيا في البحيرة مما يقلص من مساحتها المائية.

ومن ناحيه البعد الاجتماعي فقد تم الوقوف علي أهم المشكلات والمعوقات المتعلقة بمجتمعات الصيادين وعمليات الصيد من وجهة نظر الصيادين أعضاء الجمعيات التعاونية لصائدي الأسماك في محافظة أسوان، حيث اتضح أن هناك ست عشرة مشكلة تواجه مجتمعات الصيادين ببحيرة وهي:

ـ وتشمل إنعدام الخدمات الاجتماعية والصحية والتمويلية اللازمة لمجتمع الصيادين، ارتفاع أسعار أدوات ومستلزمات وتجهيزات الصيد، عدم توافر الورش الخاصة بإنشاء وصيانة وتطوير مراكب الصيد، هجرة الصيادين لمهنتهم نتيجة دخول غير المتخصصين وبعض الشركات الإستثمارية عديمة الخبرة بأعمال الصيد بالبحيرة، تهريب الأسماك المصادة من البحيرة خارج موانئ الصيد، تهريب الأسماك المملحة (الملوحة) مثل الراية وكلب السمك من السودان عبر معبر قسطل إلي أسوان مما يؤثر علي الأسعار، انتشار الأمراض بين مجتمعات الصيادين نتيجة الأنشطة السكانية المواكبة للزراعات الشاطئية حول البحيرة مثل الملاريا والبلهارسيا، وانعدام مراكز التدريب والإرشاد للعاملين فى قطاع صيد الأسماك بالبحيرة، قصور أدوار الجمعيات التعاونية للصيادين وعدم وفائها بالأهداف التى أنشأت من أجلها، عدم تفعيل القوانين المنظمة للصيد ولائحته التنفيذية، انتشار طرق الصيد المخالف وزيادة جهد الصيد، مما أدى إلى إستنزاف مصادر الثروة السمكية واهدار المخزون السمكي بالبحيرة، بدائية طرق تداول ونقل وحفظ وتسويق الأسماك ، صعوبة إستخراج تراخيص الصيد وإرتفاع الرسوم المتعلقة بها، انعدام النشاط الارشادي السمكي وعدم وجود برامج إرشادية لمجتمعات الصيادين، ضعف مشاركة الصيادين في أنشطة الجمعيات التعاونية وفى ضبط المخالفين خوفا من حدوث مشاكل بسبب القبليات، وإحتكار كبار الصيادين وأصحاب حلقات بيع الأسماك لمناطق الصيد والتسويق السمكى بالبحيرة.

وتمثل النتائج السابقة الأهداف الرئيسية التي يمكن أن تنطوي عليها الإستراتيجية الإرشادية السمكية لتنمية بحيرة ناصر، سواء ما يتعلق من تلك النتائج بالمشكلات والمعوقات بمجتمعات الصيادين وعمليات الصيد، والتنمية الإنتاجية، وبـالتنمية البيئية لـبحيرة ناصر.

استراتيجية إرشادية سمكية لتنمية بحيرة ناصر

فى محاولة علمية أولية لصياغة استراتيجية إرشادية سمكية لـتنمية بحيرة ناصر، فإنه يمكن صياغة أهداف عريضة للإستراتيجية، علاوة علي تحديد مشكلات ومعوقات الإنتاج السمكي علي ثلاث مستويات إنتاجيا وإجتماعيا وبيئيا كخطوة ضرورية لصياغة هذه الإستراتيجية، وما ينبثق عنها من برامج ومشروعات تنفيذية:

1- التنسيق بين المؤسسات الحكومية والهيئات العلمية ومؤسسات المجتمع المدنى ذات العلاقة بالنشاط السمكى في أسوان أمر بالغ الأهمية فى تحقيق أهداف تنمية وتطوير بحيرة ناصر، علي أن يوكل التنسيق للجنة دائمة تمثل تلك المؤسسات والهيئات يتوافر لها السند التشريعي والتوصيف الوظيفي لمهامها ومسئولياتها والجدول الزمني لتحقيق الإستراتيجية تخطيطا وتنفيذا وتقييما، فضلا عن مصادر التمويل اللازمة لتحقيق تلك الإستراتيجية.

2- الاهتمام بتطوير ودعم المؤسسات المسؤولة عن التنمية البشرية السمكية بالبحيرة بما فى ذلك مؤسسات التعليم الجامعى ومراكز التدريب والتأهيل وتنمية المهارات والمعارف والمراكز الإرشادية السمكية وإلى غير ذلك من المجالات التى توفر الأعداد الكافية من عناصر العمل الماهرة والتخصصية وفق متطلبات أنماط الإنتاج السمكى المتطورة والمشروعات المرتبطة والمتكاملة معها.

3- تدعيم القدرة التنافسية للمنتجات السمكية من بحيرة ناصر، حيث أصبحت التنافسية من أكثر المفاهيم التى تحظى بالإهتمام الفائق على المستوى التطبيقى من جانب الاقتصاديين والمخططين وواضعى السياسات ومتخذى القرارات، ذلك أن إستهداف التنافسية إنما يعنى إستهداف زيادة القدرة على إدارة الموارد والعمليات بكفاءة عالية، وتخلق قيمة مضافة وتزيد على نحو مستدام معدلات النمو فى الإنتاج والتشغيل، ولنا فى ذلك مثال وضع الصين فى مرتبة متقدمة فى تصدير أسماك البلطى النيلى التى موطنها الأصلى نهر النيل، وبوضع القطاع السمكى المصرى الذى يمتلك بطبيعته قدرا لايستهان به من عناصر ومقومات التنافسية فى المنتجات السمكية.

4- تفعيل الدور الحكومى فى ضبط ومراقبة عمليات الصيد وتطبيق قوانينه داخل بحيرة ناصر وبخاصة فيما يتعلق ببعض طرق الصيد الممنوعة قانونا والضارة بالمخزون السمكى للبحيرة وبيئتها المائية.

5- ضرورة تواجد برامج ومشروعات محددة في إطار الإستراتيجية المرتقبة تكون مسؤولة عن الإهتمام بقضايا الصيادين ودراسة وتحليل مشكلاتهم المتعلقة بـالصيد والتسويق السمكى.

6- ضرورة الحد من نسب الفاقد والتالف من المصيد والتى تتراوح تقديراته بين 10- 15% من جملة المصيد وفق تقديرات الناتج السمكى من البحيرة فى السنوات الاخيرة.

7- الإرتقاء بالجودة والمواصفات للإنتاج السمكى من البحيرة والحد من إنتشار الممارسات السوقية التى تنطوى على الإحتكار والتهريب وهو ما أدى إلى إنعدام التصدير لمنتجات بحيرة ناصر وتوقف نشاط شركة أسوان لتسويق الأسماك.

8- تشجيع ودعم القطاع التصنيعى المتطور فى تصنيع وحفظ المنتجات السمكية من البحيرة للحد من إنتشار الممارسات العشوائية لتصنيع وحفظ الإنتاج السمكى فيما يعرف بالقطاع غير المنظم وغير الخاضع للإشراف والرقابة الرسمية.

9- الإستثمار وإستغلال نسبة مايدخل فى المنتجات السمكية فى عمليات التحويل والحفظ والتجهيز والتصنيع والإستفادة من مخلفات الأسماك وتحويلها إلى مسحوق أسماك الذى يعتبر من المكونات الأساسية لتصنيع الأعلاف والتى يتم إستيرادها من الخارج بالعملة الصعبة.

10- تفعيل النظم والتشريعات المتعلقة بمعايير الجودة البيئية والمواصفات القياسية لإعادة تخزين بحيرة ناصر.

11- تشجيع وتمويل العلاقات التكاملية والتعاقدية بين قطاع الإنتاج السمكى بالبحيرة وقطاع التصنيع على مايجرى إنتاجه من البحيرة.

12- وضع خطة للتطبيق العملى لفكرة المجتمعات الصناعية السمكية المتكاملة فى البحيرة.

13- توفير وتدعيم المعلومات والدراسات السمكية المتعلقة بـبحيرة ناصر وتوفير نظم الرصد والمتابعة والتحليل للمتغيرات الإنتاجية والبيئية بالبحيرة والتى تؤثر على إنتاجيتها.

14- تشجيع وتمويل الإستثمارات المتعلقة بتنمية بحيرة ناصر إنتاجيا وإجتماعيا وبيئيا.

15- تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدنى ذات الصلة بـالقطاع السمكى حيث تنحصر فى جمعيات الصيادين ونقابة الصيادين وبعض جمعيات تنمية المجتمع المحلى والتى ترتبط بوزارة الزراعة أو هيئة الثروة السمكية بأى شكل من الأشكال التنظيمية.

16- توفير الدعم من الإدارة العليا لإستخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات وتطبيق نتائج البحوث التطبيقية لعلوم الحاسب الآلى فى قطاع الإنتاج بالبحيرة.

17- استخدام آلية التنسيق بين مختلف وحدات القطاع السمكى بالبحيرة وإشراكها فى وضع وصياغة السياسات والآليات المناسبة لتحقيق أهداف إستراتيجية وتنمية بحيرة ناصر.

*معد التقرير: مدرس الإرشاد السمكي، قسم التنمية البشرية والاقتصاد، كلية تكنولوجيا المصايد والأسماك بجامعة أسوان.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى