رأى

هل تُعيد أزمة كورونا ترتيب اقتصاد المنطقة العربية؟

أ.د/علي إسماعيل

بقلم: أ.د/علي إسماعيل

أستاذ إدارة الأراضي والمياه ـ وكيل معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة ـ مركز البحوث الزراعية

مع الانتشار المخيف لـفيروس كورونا وتبعاته السلبية علي المنطقة العربية نتيجة تأثر الإنتاج الصناعي الصيني وكساد التجارة العالمية مع الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية  يتساءل الكثيرون عن مدي تأثير ذلك علي  الدول العربية ومدي تبعاته على اقتصادياتها الحالية وفي المستقبل القريب؟

ربما تعود مصر الي قيادة اقتصاد المنطقة العربية واعادة قبلة الحياه الي التعاون العربي الاقتصادي المشترك واقامة تكامل عربي يؤمن حاجة المنطقة العربية من غذاء وملبس ودواء وغيرها من الانشطة الاقتصادية الانتاجية الهامة للسوق العربي، وتلبي طموح الشعوب العربية في تكامل اقتصادي حقيقي قد ظهرت الحاجة اليه في الوقت الحالي بعد تفشي ازمة كورونا وتخلي الدول العظمي عنها التي اعتقد البعض منها انها سند وداعم حقيقي لها في كل الاوقات الا انها تخلت  عن دورها مرحليا حتي في مساعدة نفسها رغم الالة الاعلامية التي كانت تصورها  لنفسها في افلام هوليود بانها صانعة المستحيل، فربما في القريب العاجل يتغير اقتصاد المنطقة العربية والتصنيف الاقتصادي لها.

لقد أصبح العالم اليوم في وضع مرتبك بشكل يحبس الأنفاس ويهدد بشلل التجارة والاقتصاد وان آخر الأخبار تفيد بأن الفيروس ومواجهته معقدة في وقت أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ على مستوى العالم.

وفي خضم تزايد عدد الضحايا وتوقف الإنتاج والتجارة في مناطق كثيرة من العالم لا يمكن حصر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انتشار الفيروس على مستوى العالم بشكل دقيق. غير أنها في الواقع حاليا تبلغ عدة مليارات من الدولارات يوميا إذا أخذنا بعين الاعتبار فقط تأثير العامل النفسي على العقود والاستثمارات والتبادل التجاري العالمي مع اهم شركاء الاقتصاد كامريكا والاتحاد الاوربي و الصين بطل العالم في التصدير وأن ناتجها المحلي الإجمالي يزيد عن 14 تريليون دولار سنويا ما يشكل 17% من الناتج العالمي.

اما بالنسبة للعالم العربي يعني ذلك خسائر يومية بمئات ملايين الدولارات، لأن الصين أضحت أهم شريك تجاري لكل الدول العربية، فحجم التبادل التجاري بين الطرفين يزيد على 240 مليار دولار سنويا خلال العامين الماضيين مقابل 190 مليار دولار عام 2011 و40 مليار دولار عام 2004.

تكتسح الصادرات الصينية الأسواق العربية بشكل يتزامن مع تراجع دور قطاعات الإنتاج والحرف والصناعات التقليدية المحلية فيها قياسا لدورها قبل بضعة عقود قبل غزو المنتجات الصينية والكورية واليابانية المنطقة العربية.

ومما لا شك فيه أن المنافسة الصينية العاتية والمتزايدة ساهمت بشكل واضح في هذا التراجع إلى جانب عوامل أخرى أبرزها غياب الوعي والصرعات العربية والشرذمة وعدم تفعيل التعاون الاقتصادي العربي وخروج استثمارتهم الي امريكا واوربا وضيق الافق لدي النخب الاقتصادية العربية بالأهمية الحيوية والاستراتيجية لحماية المنتج المحلي ودعم الاستثمارات العربية المشتركة لدي الدول العربية والاستفادة من الموارد البترولية في بناء اقتصاد عربي موحد.

لقد اعتمدت الصادرات العربية إلى الصين على تصدير النفط والغاز ومنتجاتهما من الدول الخليجية في مقدمتها السعودية التي وصلت صادراتها النفطية إلى السوق الصينية إلى مليون برميل يوميا أو أكثر، وبدوره يصدر العراق إلى هذه السوق نحو 700 ألف برميل يوميا في الوقت الحاضر.

ويُلحق انتشار وباء كورونا خسائر فادحة في التجارة والتعاون الاقتصادي بين الصين والعالم العربي، ولن يقتصر ذلك على تراجع حضور المنتج الصيني في الأسواق العربية، فهل يشكل هذا التراجع فرصة لإحياء صناعات وحرف تقليدية عربية؟

تراجعت في الحقبة الماضية وقد تتغير معها الخريطة الاقتصادية للمنطقة ويعاد معها ترتيب اوراق جديدة في مؤشرات النمو والكساد الاقتصادي العربي بعد انخفاض عائدات النفط العربية والكساد الاقتصادي العالمي.

وهل يستمر في المستقبل القريب تمثيل حضور الشركات الصينية المتزايد بأشكال مختلفة في مشاريع البنية التحتية والصناعية من طرق ومرافق وشبكات اتصال ومشروعات طاقة ومشروعات عمرانية وغيرها في المنطقة العربية بنفس الوتيرة ام انه سوف يتصاعد ويتعظم؟؟.

تتم هذه المشاركة في إطار عقود حكومية وقروض واستثمارات مشتركة وأشكال تعاون أخرى تتراوح تكاليفها بين 36 إلى 60 مليار دولار، ومن اهم المشاريع التي تنفذها شركات صينية في الوقت الحاضر مجمعات صناعية وتكنولوجية وزراعية في السعودية وسلطنة عٌمان والسودان والمغرب والجزائر، ومؤخرا كثر الحديث عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة 500 مليار دولار على مدى 10 سنوات بين الحكومتين الصينية والعراقية بهدف إعادة إعمار وتحديث البنية التحتية ومشاريع صناعية وسكنية بالعراق.

الأخبار المتسارعة عن الفيروس القاتل كورونا وصعوبة القضاء عليه وما نسمعه ونراه من عدد الاصابات والوفيات وعدم ظهور بوادر قوية لوقف مشكلة هذا الوباء العالمي وخاصة بعد انتشاره في الولايات المتحدة الامريكية التي تعتبر نفسها في معزل وحماية عن العالم ربما يعيدنا مرة اخري الي الماضي القريب واحداث سبتمبر وما حدث ولكن بشكل مختلف.

إن الخطر الذي ظهر الان جعل العالم كتلة ملتهبة وان تعلن الولايات المتحدة الامريكية ان بعض الولايات الكبري بها مناطق كوارث تعدت اضرارها مخاطر الظواهر الطبيعية كالاعاصير والفيضانات وغيرها ويهدد الرئيس الامريكي العالم بحصولة علي احتياجاته وخلافة باي ثمن وباي طريقة …. فان الامر فعلا خطير …

هل نحن امام حرب عالمية بيلوجية جديدة لم يتم السيطرة عليها بدأت بين الصين وامريكا كجزء من الحرب الاقتصادية التي كانت بينهم في الشهور التي سبقت كورونا وبدءها الرئيس الامريكي ترامب من خلال فرض رسوم علي الواردات الصينية الي امريكا وقبلها تخفيض لسعر الايوان الصيني، تلاها ظهور الفيروس الجديد كوفيد 19 في يوهان الصينية ليصبح وباء ينتشر بشكل خطير في ايران بعد الصين وينتقل بالمرة الي اوربا ولم يتم السيطرة عليه وبعد اسابيع من انتشاره نري الانتقال السريع الي امريكا اكبر قوة اقتصادية وعسكرية وعلمية علي مستوي العالم.

هنا يكمن السؤال …. فهل ما تم من اجراءات ونجاح للسيطرة علي الفيروس في الصين وقدرتها وتعاون الشعب الصيني علي تحمل الازمة والسيطرة علي  الفيروس مرحليا يجعلنا نفكر  ونقف امام المشهد العالمي لنري انتقال الفيروس الي الولايات المتحدة الامريكية مرة جديدة بصورة اربكتها وصعبت الوضع بها!! وان انتقال الفيروس لها يأتي في اطار الحرب العالمية البيلوجية الجديدة  التي اصبحت خارج السيطرة بين الكبار؟؟

إن المشهد ومسرح العمليات يظهر ان الامر ليس امرا سهلا ويسيرا ولكنه معقد في ظل عدم توفر لقاح او مصل منتج مسبقا او بيانات وحقائق لمثل تلك الحرب القذرة التي انتجتها المعامل وتسربت الي العالم فالدمار الشامل والسريع ربما يعيد الي الاذهان ازمنة وباء التيفود والكوليرا والايدز ولكنها كانت في ازمنة لم تكن العلوم متقدمة ولا اجهزة الفحص والاختبارات بهذا التقدم، ما يضعنا امام ازمة سوف تتغير معها الخريطة العالمية سواء اقتصاديا او عسكريا وربما ديموجرافيا … فالغلبة لمن ؟؟

هل تكون للجنس الاصفر؟ وتخرج الصين فائزة ومسيطرة علي العالم مع تراجع اوربا وامريكا وفشلهم في الوصول الي حل لهذه الازمة الوبائية ام هي بداية لجولة جديدة من الحرب؟ وهل ستصمد هذه الدول علي تعطل الحركة الاقتصادية والانتاجية؟  اما تظهر معها نظريات جديدة لانتخاب اجناس بشرية لديها المناعة الطبيعية تبقي مقاومة ولها القدرة علي الاستمرار في الحياه وتنتهي الفئات الاضعف والأفقر في العالم.

ونعود مرة اخري وكما يتساءل الكثيرون عن مدي تأثير ذلك علي الدول العربية ومدي تبعاته على اقتصادياتها الحالية وفي المستقبل القريب؟

فالخسائر الأكبر على عاتق الخليج وان أول التبعات السلبية ظهرت في تراجع سعر برميل النفط بمعدل تعدي 10 دولارات للبرميل منذ اندلاع أزمة فيروس كورونا. وهو الأمر الذي يعني تراجع عائدات الدول العربية النفطية، وسيزيد الطين بلة تراجع الطلب على النفط من الناحية الكمية بسبب توقف الإنتاج والصناعة في معظم بلدان العالم صاحبة الاحتياجات النفطية الاعلي عالميا وتراجع حركة السفر والتجارة وغلق الحدود.

كما أن أسواق الدول العربية ستتأثر بتراجع الإنتاج  الصناعي والزراعي وبعض من السلع الاستهلاكية السريعة فمثل هذا التراجع سيقود إلى قلة المعروض من هذه السلع وارتفاع تكاليف النقل والتأمين عليها بسبب المخاوف الحقيقية والنفسية مع الدول الصناعية المساهم الاكبر في الانتاج العالمي الاستهلاكي.

ومن تبعات ذلك ارتفاع تكاليف مستوى المعيشة وتراجع القوة الشرائية لفئات الدخل المحدود والطبقة الوسطى العربية التي اعتادت على استهلاك المنتجات الصينية الأنسب سعرا مقارنة بالمنتجات الأوروبية والأمريكية واليابانية المشابهة، وسيكون التأثير السلبي على أشده في دول الخليج والعراق في حال استمرت أزمة كورونا الحالية.

فهل تنجح مصر في سد جزء من هذا الفراغ للدول العربية وهل ينجح الاقتصاد المصري في تخطي الازمة ويكون بديلا قويا لامداد الدول العربية ولو مرحليا في التغلب علي هذه المشكلة وخاصة مع المنتجات الزراعية الطازجة والمصنعة.

انها فرصة ذهبية لإحياء زراعات وصناعات تقليدية يمكن ان تلبي الاحتياجات العربية من المنسوجات وغيرها من المنتجات المصرية للسوق العربية.

حتى الآن ليس من الواضح إلى متى ستستمر الأزمة التي ترتفع تكاليفها يوما بعد يوم على الدول العربية والعالم، لكن وبغض النظر عن مدة استمرارها فإن على الدول العربية تعزز توجهاتها لتنويع الإنتاج المحلي الزراعي منه والصناعي، والاعتماد عليه بشكل متزايد في توفير السلع اليومية والاستهلاكية بدلا من استيرادها دول أخرى ولا نظل تحت رحمة الأزمات والكوارث والأوبئة التي تتسارع في عالمنا.

هل تستوعب الحكومات العربية اهمية التعاون العربي الاقتصادي المشترك والسوق العربية المشتركة؟

وهنا لابد من تركيز الجهود على إعادة إحياء الصناعات والزراعات التقليدية التي توفر الملبس والغذاء والأدوات المنزلية والادوية الضرورية، وان تعيد استثمارتها داخليا وفي اطار المحيط العربي والاستفادة من القدرات المصرية في التنمية العربية التي يمكن الاعتماد عليها لبناء قوة عربية اقتصادية تحقق ما يتطلبه الشعب العربي بعيدا عن الانعزالات والاوهام الاستعمارية والصرعات الاقليمية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى