رأى

هل تستطيع مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح؟

 بقلم: أ.د/علي اسماعيل

سؤال يطرح نفسه أمام العلماء ومتخذي القرار والدول المنتجة للقمح، والتي تعتبر مصر أهم مستورد رئيسي لها؟؟

منذ فترة طويلة وخلال العصر الحديث اصبحت مصر من اكبر الدول المستوردة للقمح في العالم بعد تغير النمط الاستهلاكي واعتماد المصريين علي القمح كغذاء رئيسي في الريف والحضر وحتي الوجه القبلي ومصر العليا بعد ان كان الدخن والذرة الرفيعة والحلبة هما المساهم الرئيسي في صناعة الخبز بانواعة المختلفة لديهم.

 وترجع هذه التغيرات التي طرات علي المصريين الي الكثير من العوامل التي ساهمت من خلالها الدولة الي استمرار تقديم رغيف الخبز الي كل افراد الشعب لدرجة وصلت الي توفير الخبز علي البطاقات المدعومة، والتي تغطي ما يقرب من 70 مليون مواطن مصري من اصل 100 مليون يستهلكون اكثر من 16 مليون طن سنويا، تستورد الدولة اكثر من 9 ملايين طن، وتقدم الدولة منحا اضافية لمن لا يستهلك حصتة من الخبز بتقديم دعم عيني من سلع غذائية اضافية علي المقررات الشهرية.

لذا فاصبح من السهل علي المواطنين الحصول علي الخبز المدعم اسهل وارخص من عناء صناعة الخبز اليدوي او المنزلي توفيرا  للطاقة وارتفاع اسعار الدقيق الجاهز وتوفير الجهد ووقت التجهيز، فالحوافز التي قدمتها الدولة المصرية لمواطنيها من خلال توفير رغيف خبز جيد ومصنع ومدعوم سهل علي المواطنيين الي الاستمرار في زيادة معدلات الاستهلاك من القمح والاعتماد علي الخبز المدعوم الذي اصبح يمثل عبيء علي الخزانة المصرية وقرار الاستيراد وتوفير احتياطيات مناسبة من الارصدة لمخزون القمح الاستراتيجي ونظم التخزين وتكاليف انشاء الصوامع لهذا الغرض.

بالاضافة الي الاهم الضغوط الناتجة من توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد احتياجات البلاد والتاثيرات الدولية الناتجة في السوق العالمي وتغيرات الاسعار، وكذلك مستوي الانتاج العالمي وثباتة مع ذيادة الطلب العالمي علي الحبوب ومنها القمح.

 فمصر كانت سلة غذاء الرومان وكانت منتجا وسوقا رئيسيا للقمح منذ عهد سيدنا يوسف علية السلام والقصة التي عرضها القران الكريم في شأن ارض مصر وحالة الجدب التي المت بها والحل السحري الذي قدمه سيدنا يوسف لامكانية تخزين الاقماح والخروج من الازمة.

من هنا نستعرض بهذة المقدمة ما وصلنا له من حال في انتاج القمح وان المدارس العلمية الحديثة والمتاعقبة قد اوضحت ان مصر خارج نطاق حزام زراعة القمح، وان الانتاجية تقل بالمقارنة مع الزراعة المروية في مناطق حزام زراعة القمح بالاضافة الي المنافسة العالية بين القمح المروي والقمح المطري الذي تنتجة الدول المنتجة الكبري التي تزرع منه ملايين الهكتارات علي الامطار في روسيا وامريكا واستراليا واوروبا.

فـالزراعة المروية مكلفة وخاصة في الاراضي الصحراوية التي تعتمد علي رفع المياه والتسميد والخدمة والتجهيز والحصاد. لذا فان المقارنات التي تتم علي المدي القصير في غير صالح الاقماح المروية وتنادي بعض الاصوات الي اهمية استيراده بدلا من زراعتة في الاراضي المصرية، وتناسوا ان من لايملك غذاءة لايملك قرارة. وان القمح هو من اهم المحاصيل التي تلعب معها السياسة الدولية ورقة من اهم اوراق الضغط علي البلدان ويتحكم المنتجون في الاسعار العالمية حتي لو اضطروا للتخلص بجزء من الانتاج في المحيطات للحفاظ علي الاسعار وتتكون جماعات ضغوط دولية ترعي مصالح المنتجين من خلال منظماتهم الاقتصادية الدولية وتقوم بحماية الاسواق والتاثير علي المستهلكين، ودراسة الطلب والانتاج العالمي وغيرها والمنافسة ورغم ان المنظمات الدولية العلمية المهتمة بـالغذاء وتوفره ومراكز الابحاث القومية والدولية الا انها لم تستطع ان تحل المشاكل الدولية الخاصة بنقص الغذاء والامداد الكافي منه خاصة في الدول الفقيرة والنامية لان هذة المؤسسات الدولية جزء من ادوات التمويل التي تتاح من الدول الغنية التي تسهم في ادارة حركة هذة المنظمات وتوجيه اعمالها بما يحقق مصالحها واستمرار تفوقها ونفوذها.

وسوف نلخص ان اهم معوقات الاكتفاء الذاتي من القمح في مصر تنحصر في الاتي:

  • معوقات سياسية تتمثل في محتكري الاستيراد والتصدير والسوق العالمي.
  • الزياده السكانية المفرطة لمعدل النمو الذي يفوق 2,2 % سنويا.
  • ثبات المساحة المنزرعة من القمح مع ضعف منظومة الانتاج والتسويق والتخزين والتداول.
  • منظومة انتاج الخبز ونقاط الخبز والدعم المفرط المستمر لانتاج الخبز بـمصر.
  • عدم الالتزام بمنظومة الخلط مع الذرة.
  • انخفاض الدعم المقدم الي البحوث والارشاد والتربية لمحصول القمح كاهم محصول استيراتيجي.
  • التغيرات المناخية وبرامج الاقلمة والتربية وتطوير الاصناف (الخريطة الصنفية).
  • زياده الاستهلاك المحلي نتيجة نشر المخابز وتوفير الخبز المدعوم علي مستوي الجمهورية حتي داخل القري والنجوع، فيلاحظ ان متوسط نصيب الفرد في مصر من القمح حاليا 220 كجم / عام. وهي كميه كبيرة حيث تعتبر مصر من اكثر دول العالم استهلاكا للقمح، فاذا ما قورنت بفرنسا نجد ان متوسط نصيب الفرد بها 80 كجم/عام.
  • انكماش الرقعه الزراعية نتيجه لزياده التعدي علي الاراضي الزراعية بالزحف العمراني وخاصة في الاراضي القديمة المروية المنتجة للقمح والاقل تكلفة منها في الاراضي الصحراوية.
  • الاسعار الخاصة بالتوريد للقمح مع ارتفاع تكاليف مدخلات الانتاج.

 لمعرفه امكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في مصر تم عمل دراسة  طويلة المدي من خلال علماء من مصر والولايات المتحدة الامريكية.

ففي مصر (ا.د/ علي اسماعيل نجيب عبدالعال، مدير معهد بحوث الاراضي والمياه والبيئة السابق- مركز البحوث الزراعيه والدكتور/ احمد محمد سعد خير – الباحث بذات المعهد)،  ومن الولايات المتحده الامريكيه (ا.د سينتولد اسينج، ا.د / جريت هوجنبوم، ا.د / هامان دوروتا، د/ بيليه كاسيه جامعة فلوريدا، ا.د/ اليكس ريوان من وكالة ناسا الفضائية بنيويورك). وتهدف هذه الدراسة الهامة لمعرفة سبل تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في مصر خلال مائه عام 2000 – 2100  تحت ظروف التغيرات المناخية وزياده السكان، حيث ركزت الدراسة علي علاج المعوقات السابقة.

فتم التنبؤ بانتاجية القمح في مصر باستخدام النماذج الرياضية المتخصصة وسيناريوهات التغيرات المناخية والزيادة السكانية وعمل اقلمة من خلال زياده الرقعة الزراعية للضعف وتكثيف زراعه القمح وتقليل الاستهلاك الي 180 كجم /فرد / عام.

واتضح من الدراسة انه مع استصلاح اراضي صحراوةه لمضاعفة المساحة المروية الحالية والتكثيف الزراعي للقمح فان الاكتفاء الذاتي سيتحقق فقط حتي عام 2040، ولكن بعد ذلك ستلجأ مصر للاستيراد مره اخري نتيجه للتغيرات المناخيه وتأثيرها السلبي علي انتاجيه القمح والزياده السكانيه. وتم نشر هذه الدراسة في المجله الدولية: Environmental Research Letters، وقد لخصت نتائج الدراسة فى أن مصر تواجه العديد من الصعوبات، ولكنها تستطيع ان تحقق الاكتفاء الذاتي من القمح لاستهلاك السكان، وخاصة قمح الخبز بانواعه المختلفة من مجموعة من السياسات والاجراءات التي يمكن ان تتبناها الحكومة كهدف قومي استراتيجي علي المدي المتوسط والبعيد، ومن خلال السيناريوهات التي تمت بالدراسة والتي اوضحت في نتائجها المنشورة دوليا ان الدولة المصرية تستطيع ان تصل الي هذا الهدف الاستراتيجي علي المدي المتوسط.

ومن هنا نستنتج انه لتحقيق الاكتفاء الذاتي المستدام من القمح في القرن الحالي يجب اتباع الخطوات التاليه:

1ـ زياده الرقعة الزراعية للضعف بحلول عام 2030 من خلال استصلاح اراضي جديدة.

2ـ ترشيد وتقليل الاستهلاك بمعدل يصل الي 100بدلا من180 كجم /فرد في العام.

3ـ تغيير الانماط الاستهلاكية للخبز وتصنيعة وتحسين مستوي المعيشة للمواطنين لزيادة استهلاك البروتين بدلا من النشويات.

4ـ الاهتمام باستنباط اصناف جديده عالية الانتاجية تتحمل الحراره والجفاف وعمل خريطة صنفية  للاقماح في المناطق المناخيه المختلفه في مصر.

5ـ تكثيف زراعة القمح ليزرع مرتين في نفس الحقل كل ثلاثه اعوام بدلا من مرة كل عامين مع رفع خصوبة التربة وصيانتها لزيادة انتاجيتها.

6ـ تبني برنامج قومي للاكتفاء الذاتي من القمح من خلال الابحاث العلمية والتعاون مع وزارة التموين ورفع مستوي التخزين الاستراتيجي للحبوب مع تثبيت معدلات النمو السكاني وخفضها الي مستويات مقبولة.

7ـ تغيير وتحسين مواصفات الخبز ومدة صلاحيته من خلال خلط الذرة مع القمح بنسبه 15-20%.

*كاتب المقال: أستاذ الأراضي والمياه ومدير معهد بحوث الأراضى والمياه والبيئة الأسبق.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى