رأى

نباتات الزينة في مصر الفرعونية

بقلم: د.تغريد السيد عبدالحميد عيسي                   

باحث بقسم بحوث الزينة وتنسيق الحدائق ـ مركز البحوث الزراعية     

عرفت الحضارة المصرية العديد من النباتات التى استخدمت فى أغراض الزينة بالاضافة الى الاغراض الطبية والاغراض الحياتية الأخرى مثل صناعة المراكب والاثاث الجنائزى والدنيوى0 مثل ؛ شجرة السنط ، وشجرة المورينجا، وشجرة النخيل، والجميز، شجر الطرفة والصفصاف و المخيط والعنب والبرساء والتمر حنة والخروب ورمان ونخيل الدوم واللورا والسسبان.

فمثلا شجرة السنط acasia nilotica  شجرة شائكة تتميز بطولها الذى يتراوح بين 15- 20 م ، وكذلك  تتميز بالصلابة ومقاومة البكتيريا والتعفن ، وتنتشر الشجرة فى المناطق الجافة خاصة فى افريقيا وكذلك اسيا 0

لقد جاء تصوير شجرة السنط فى عدد من المقابر من بينها مقبرة رقم 31 بطيبة وترجع لعصر الرعامسة.

عرفت شجرة السنط بالهيروغليفية باسم SnDt، وكان لها أهمية كبيرة فعلى الصعيد الديني اعتبرت من الاشجار المقدسة حيث انها ارتبطت بأوزير ، فذكرت النصوص ان اوزير عندما مات وضع  في تابوت من السنط، كذلك ذكر في نصوص الاهرام ان شجرة السنط كانت شجرة مقدسة للإله  حور ،ايضا ارتبطت الشجرة بعدد من الالهات مثل ايزه ونفتيس وسخمت الاتي لقبن بالاهات للسنط، كذلك كان لشجرة السنط هيكلاً لعب دوراً كبيراً في طقوس الدفن وارتبطت به طوائف من النساء لعبن دوراً كبيراً في تلك الطقوس، ايضاً ارتبطت شجرة السنط ببعض الألقاب الخاصة ببعض الملوك وكذلك الافراد، ولقد ورد ذكرها في بعض الكتب الدينية مثل نصوص الاهرام ومتون التوابيت، وكتاب الموتى، كذلك كانت أخشاب الشجرة مهمة في صناعة بعض الأثاث الجنائزي مثل التوابيت، الأبواب الوهمية والتماثيل واللوحات الدينية، كما دخل صمغ الشجرة في التحنيط.

وعلى الصعيد الدنيوي كانت مصدراً للاخشاب التى استخدمت فى صناعة القوارب وفى اعمال البناء وتسقيف المبانى، وكذلك صناعة الاثاث، وكذلك فى الدباغة، كما استخدمت منتجات الشجرة مثل الاوراق والازهار والقرون فى الاغراض الطبية.

ـ أما عن شجرة المورينجا: فيطلق على شجرة المورينجا أسماء عديدة منها شجرة البان، شجرة اليسار، الحبة الغالية، شجرة الحياة، تنمو شجرة المورينجا فى الأراضي القاحلة والحارة وتعتبر من أسرع الأشجار فى النمو حيث يصل ارتفاعها الى 9-15 متر خلال ثلاث سنوات.

تحتوى شجرة المورينجا على قيمة غذائية عالية، وتحتوى أوراقها على مواد مضادة للتأكسد، أما بذورها فتحتوى على30-42 %زيت الذى يعرف فى العربية بزيت البان ويتميز باحتفاظه بسيولته فى ظروف حرارة منخفضة وهو سائل شفاف عديم اللون، يدخل فى منتجات العناية بالشعر،و فى تشحيم الماكينات، وللشجرة أهمية طبية حيث تساعد فى علاج العديد من الامراض مثل أنيميا الدم وأمراض القلب والمخ والاعصاب…الخ.

عرفت شجرة المورينجا في مصر القديمة باسم  شجرة الباق   bAq ،  برزت أهميتها فى الديانة من خلال ارتباطها ببعض الآلهة  مثل الاله “بتاح”  الذى كان من ألقابه  Xry bAq.f، كذلك ارتبط اللقب بعدد اخر من الالهة وهم  حورس وست وتحوت ،أيضاً ورد ذكر الشجرة في كتاب الموتى، في الفصل 17، 125، 149، كذلك استخدم زيت المورينجا في التقديمات الجنائزية طوال التاريخ الفرعوني.

ايضاً استخدم زيت المورينجا فى صناعة العطور، وكذلك للاغراض الطبية، فورد استخدامه فى وصفات لتحسين الجلد وازالة تجاعيد الوجه، وعلاج صداع الرأس، وعلاج والام الاذن، وعلاج امراض الاسنان وألام المعدة وعلاج الجروح والقروح الجلدية، وكذلك استخدمه المصري القديم فى طرد الحشرات، وتنقية المياه.

ـ  هناك ايضاً شجرة البخور، وهي شجرة لها لحاء ورقي متساقط وأوراق مركبة ذات ثلاث وريقات وثمارها كالمانجو ولكنها صغيرة، وأزهارها حمراء صغيرة. وقد جلبتها حتشبسوت من بلاد بونت (الحبشة)، وقد نقشت علي جدران معبد الدير البحري قصة جلب أشجار البخور، كما وجد الصمغ المستخدم كبخور في مقبرة توت عنخ آمون، فقد كان المصريون القدماء يحرقون البخور في معابدهم وهو جزء من الطقوس الجنائزية. ومازال حرق البخور يمثل عادة مصرية مهمة ويمكن شراء البخور في محال العطارين.

– هناك ايضاً شجرة النبق فهي شجرة كبيرة دائمة الخضرة ظليلة، فروعها طويلة وأوراقها بيضاوية خضراء زاهية، لها أشواك صغيرة مقوسة، ولها أزهار صغيرة خضراء مصفرة وثمار كروية صفراء وردية صغيرة حتي 2 سم قطرا. تنمو الشجرة في الصحاري والوديان في شمال أفريقيا وغرب آسيا. وقد وجدت ثمار وبذور النبق في الكثير من المواقع الأثرية من عصر ما قبل التاريخ فقد كان المصريون قديما يستسيغون طعم ثمرته فهي تؤكل طازجة أو مجففة ومطحونة.

ـ أما عن  نخيل البلح، الذي يبلغ طوله 30 مترا، تتميز هذه الشجرة بأن قيمة ثمارها الغذائية عالية، تؤكل طازجة أو مجففة، يستخرج منها عسل، ويصنع منها شراب كحولي (العرق)، كما يستخدم خشب النخلة كألواح لصناعة الكباري والأبواب والمعديات في الريف، في حين يستخدم السعف (الوريقات) في صناعة السلال والحصر، ويستخدم الجريد في صناعة الأثاث والليف في صناعة الحبال. كما كثر استخدام شكل النخلة كعنصر فني لتزيين العواميد في المعابد.

استخدام الأعمدة فى العمارة الأعمدة النخلية

نبات اللوتس المقدس، وهو نبات مائي طويل يرتفع في الأحواض 30 سم عن سطح الماء، أزهاره بيضاء مبرقشة باللون الوردي، وثمرته كالقرص بها عدة بذور سوداء كبيرة في فتحات وسط الثمرة. أصله من الهند، عرف في مصر منذ عهد الأسرة 18 حيث وجدت بذور اللوتس في مقابر بدير المدينة، وظل مستخدما حتى العصر الروماني إذ كان المصريون يأكلون البذور والجذور المحمصة.

-كذلك عرفت مصر الفرعونية الكثير من النباتات مثل نباتات البردى والأبيض والزنبق وورد الجبل والإقحوان، وعين القط والكرفس والكزبرة والريحان والنعناع والبردقوش والحلبة والورد.

الزهور في مصر القديمة

اهتم المصريون القدماء كثيرا بالزهور، وكانوا أول من قدمها كهدايا للتعبير عن مشاعرهم فى المناسبات المختلفة، وكانت باقات الورود تلف بأعواد اللوتس لتقدم كهدايا، وكانت تتكون من البردى وأزهار أخرى، وتشبه لحد كبير باقات الورود الحالية.

وفى شم النسيم كان أول ما يفعله المصرى القديم هو تقديم وردة لزوجته كاستهلال لاحتفالات اليوم واحتفالاته.

واشتهر أهل مدينة « الأقصر » فى مصر القديمة بحبهم للزهور، وكانت مكانة كبيرة فى حياتهم، ونفوسهم، وكانت زهرة اللوتس رمزا للبلاد، واعتاد المحبون تقديمها لمحبوباتهم وتزخر مقابر الأقصر الأثرية بصور أصحاب المقابر مرسومة على جدرانها، وهناك صورة لمتوفى يشق طريقه فى قارب وسط مياه متلألئة، وفى المعابد المصرية القديمة تتجلى زهور «اللوتس» كمكون أساسى فى تيجان الأعمدة التى تظهر مفتوحة، أو مغلقة حسب وظيفة المكان، فالمكان الذى يشهد البهجة والأفراح تكون اللوتس مشرعة، والذى يشهد التراتيل والشعائر الجنائزية تكون اللوتس مقفلة إجلالا للحالة، وهناك صور كثيرة للمصريين أنفسهم على جدران مقابرهم وهم يشمون الأزهار فى خشوع، وقام قدماء المصريين بزراعة الزهور فى حدائقهم ومنازلهم، وكانوا يهدونها لضيوفهم فى باقات أو عقود جملية، وكانت من تفاصيل قرابينهم إلى الآلهة، والزهور التى كانوا يزرعونها فى الحدائق «اللوتس والبردى والعنبر واللفاح وخشخاش الزينة والياسمين والغار الوردى والعليق وورود الزينة والرمان، وهذه الزهور موجودة فى المتحف الزراعى كأعواد وأكاليل، ورسومها على جدران المقابر، خاصة مقابر الدولة الحديثة.

وأنشىء الملك «رمسيس الثالث» 1198- 1166 ق.م الكثير من الحدائق العامة فى مدينة الأقصر (طيبة) وكانت تضم الأشجار والزهور، وفى مدينة «بررمسيس»، أو «رعمسيس» بمنطقة «صان الحجر» غُرسَت فيها الأشجار والزهور واللوتس والبردى، وقصر «إخناتون» يدل على ولعه بـالزهور ونباتات الزينة حيث اهتم بالحدائق، وهناك مشهد لرجال ينسقون الأزهار فى باقات لإرسالها إلى القصر، وزُيِّنَت أرض القصر برسم لحديقة فيها حوض ماء وأزهار جملية، وهذه الأرضية محفوظة فى المتحف المصرى إلى الآن.

وكان لكل معبد حديقة فيها أشجار مقدسة، وتزين الممرات بإصص الأزهار المصنوعة من الخزف، والمصريون القدماء أول من وضعوا شتلات النباتات والزهور فى أصص الزينة الحالية.

وكانت المرأة المصرية القديمة تتجمل بوضع زهور اللوتس فوق جبهتها، والرسوم القديمة تظهرها ممسكة بزهرة فى يدها تشمها، أو تهديها لجارتها، وكذلك كانت تزين موائد القرابين بالأزهار ونباتات الزينة، وكان الأثاث المنزلى والحُلى والأوانى كلها تُزخرف بأشكال الزهور.

وكانت الزهور رموزاً جغرافية ودينية، فاللوتس رمز للوجه القبلي، والبردى كان رمزاً للوجه البحري.

وفى عصور ما قبل التاريخ، منذ ثمانية آلاف سنة تقريبا، نقشت زخارف زهور التيوليب والسوسن على الكؤوس، وعلى دبوس الملك العقرب منذ خمسة آلاف عام، ويظهر أحد ملوك مصر وهو يفتتح مشروعاً للزراعة والري، وأمامه زهرة، وخلفه نباتات البردى.

وكان المصريون القدماء يقطفون الأزهار ونباتات الزينة وينسقونها ويضعونها فى أصص بطريقة جميلة.

ولم تخل احتفالاتهم الدينية من الزهور والورد، وصنعت عقود من القيشانى بشكل الزهور وبتلات زهور اللوتس البيضاء، واللوتس الأزرق، وزهور العنبر، والخشخشاش البستاني، وترجع إلى عصر الدولة الحديثة 1580 – 1085 ق.م إضافة إلى صديرية مزخرفة بالحلى، وتيجان السيدات الذهبية كانت تزين بزهور ونباتات زينة كما يظهر فى مجموعة الملك «توت عنخ أمون 1361- 1352ق.م، حيث ينعم هو وزوجته برائحة وجمال الزهور، والملكة تقدم له باقات الزهور رمزاً للحب والإعجاب والدفء العائلي، ورسمها الفنان على خليفة من الأزهار المنسقة تنسيقاً جميلاً، وفى مثل هذه المواقف ذكر فى الأغانى الشعرية التى سجلت على بردية نرى فيها القناة فى حديقتها تقوم بعمل باقة من الزهور وتقول «إنى اختك الأولى (زوجتك أو حبيبتك) وإنى لك بمثابة الحديقة التى زرعتها بالزهور وجميع أنواع النباتات العطرة.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى