رأى

معضلة القمح … الدولة بين دعم المزارع وخفض عجز الميزانية

أ.د/خالد أحمد عبده

بقلم: أ.د/خالد أحمد عبده

أستاذ الاقتصاد الزراعي، ومدير مركز الدراسات الاقتصادية الزراعية بكلية الزراعة جامعة القاهرة

تحتل مصر المرتبة رقم (15) بين أهم دول العالم استيراداً للمنتجات الزراعية وفقاً لتقرير منظمة الأغذية والزراعة. ولعل السبب فى ذلك يرجع إلى استيراد كميات كبيرة من محاصيل الحبوب من الاسواق العالمية، ويأتى فى مقدمتها محصول القمح حيث تعتبر من أهم دول العالم استيراداً للقمح.

ويمكن تلخيص محصول القمح فى النقاط التالية:

ـ متوسط مساحة القمح حوالى 3 مليون / فدان.

ـ متوسط استهلاك الفرد حوالى 140 كجم / عام.

ـ عدد مزارعى القمح 4,3 مليون مزارع.

ـ متوسط عدد أفراد الأسرة 6 أفراد.

ـ المتأثرين بزراعة القمح 25,8 مليون.

يقدر حجم استهلاك القمح فى مصر بنحو 20 مليون طن (8 م طن / إنتاج محلى – 12م طن /استيراد) وتقوم الهيئة العامة للسلع التموينية التابعة لـوزارة التموين والتجارة الداخلية وحدها باستيراد نحو خمسة ونصف مليون طن.

فى عام 2018 قامت الهيئة باستيراد نحو 5,85 مليون طن من القمح، وأكبر الموردين فى 2018 هم روسيا التى وردت 4,47 مليون طن – يليها رومانيا 1,26 مليون طن ثم أوكرانيا بنحو 560 ألف طن بمتوسط سعر 205 دولار/ طن.

مرت السياسة الزراعية وخصوصا فيما يتعلق بمحصول القمح بعدة مراحل كان آخرها هى الاعتماد على سياسة التحفيز السعرى لدفع المزارعين للتوسع فى زراعة القمح على حساب المحاصيل الشتوية المنافسة والتى من أهمها البرسيم، البطاطس، البنجر. وتمثل مساحة القمح نحو 47% من المساحة المنزرعة من المحاصيل الشتوية.

بينما تحتل الخضروات الشتوية 14%، وبنجر السكر نحو 6% والبرسيم 27%، وتوزع مساحة القمح على مستوى الجمهورية كالآتى: 34% فى صعيد مصر، 34% شرق الدلتا، 18% غرب الدلتا، 11% الشريط الساحلى.

تعتبر محافظات المنوفية، الجيزة، الدقهلية هى الأعلى فى متوسط الانتاجية، وتأتى محافظات شمال سيناء ومطروح كأقل المحافظات فى متوسط الانتاجية. والجدير بالذكر أن انتاجية القمح المصرى هى الاعلى على مستوى العالم بمتوسط 6,6 طن / هكتار فى حين لم تزيد متوسط الانتاجية على مستوى العالم على 3,1 طن/ هكتار.

ومع التسليم بصحة النظرية الاقتصادية أن تدخل الدولة يؤدى إلى العديد من التشوهات سواء السعرية أو فى التوزيع الأمثل للموارد، ومع اتخاذ السياسة العامة للدولة والسياسة الزراعية اتجاها للحد من التدخل فى الأسواق والبدء فى الحد من الدعم الموجه لكافة القطاعات والذى بدأ بقطاع الطاقة ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء والذى أثبت فاعليته فى خفض الاستهلاك بشكل ملحوظ وتقليل فاتورة الدعم التى يتحملها كاهل الدولة.

هذا ويمكن عقد مقارنة بسيطة لتوضيح الموقف السعرى الحالى:

إذا افترضنا أن طن القمح يعادل تقريباً 7 أردب على هذا الاساس يكون العائد من طن القمح المصرى = 7 أردب × 670 = 4690 جنيه، وعلما بان جودة القمح المصرى تعادل جودة القمح الفرنسى بما يعنى زيادة السعر بنحو 10% او بنحو 500 جنيه تقريبا يكون السعر الواجب ان يتحصل عليه المزارع هو 5159.

وتستورد مصر نحو 12 مليون طن من الاقماح معظمها أقماح أوكرانية أو روسية رخيصة الثمن ويبلغ متوسط سعر الطن للاقماح الروسية نحو 238.5 دولار/ طن يضاف إليها فى المتوسط 25 دولار/طن تكلفة الشحن لميناء الوصول، تصبح تكلفة الطن 263,5 دولار/ طن، وإذا ما تم إحتساب سعر الدولار عند 17.5 جنيه يكون تكلفة الطن من القمح الروسى حوالى 4612.

وعلى هذا الاساس يكون الفرق بين سعر القمح المصرى وسعر القمح الروسى 547 جنيه للطن تقريبا  عبارة عن ضرائب ضمنية يتحملها المزارع الصغير.

وتوضح تلك المقارنة عزم الدولة تخفيض الدعم السعرى المقدم لهذا المحصول مع الأخذ فى الاعتبار أن مازال هناك فرصة للمزارع لتحقيق هامش ربح بسيط من خلال بيع تبن القمح الناتج من الحصاد. إلا أنه يجب أن نأخذ فى الاعتبار أن تكاليف الانتاج وخاصة فيما يتعلق بتكاليف العمالة والسولار اللازم للرى وتكاليف الميكنة الزراعية تضاعفت بشكل كبير مما ينعكس على اربحية أو العائد الاقتصادى لزراعة وانتاج القمح.

والسؤال الذى يطرح نفسه هل يؤثر سعر التوريد المنخفض هذا العام على استجابة المزارعين وتقليص المساحة المزروعة من القمح فى العام القادم؟.

فى حقيقة الأمر ومن المشاهد أن خفض الحوافز السعرية المقدمة للمزارعين وخاصة فى حالة القمح ليس من المتوقع أن يصاحبها انخفاض فى المساحة المنزرعة بشكل ملحوظ نظراً لعدة أسباب لعل أهمها أن الغالبية العظمى من صغار المزارعين الذين يمثلون السواد الأعظم يزرعون القمح للاكتفاء الذاتى وتوفير الاعلاف للحيوان، ولعدم حاجة القمح لتوفير سيولة كبيرة لزراعته فضلاً عن جودته فى معظم الاراضى المصرية وخاصة الاراضى الخفيفة والرملية.

كما يتضح من المشهد الحالى والضغوط الهائلة على ميزانية الدولة المصرية التى تلتزم بتقديم دعم لنحو 65 مليون نسمة من خلال توفير الخبز البلدى بسعر (5) قروش للرغيف مقابل تكلفة حقيقية تزيد على (60) قرش للرغيف الواحد، وأن توجه الدولة هو تقليص فاتورة الدعم لـرغيف الخبز من خلال كافة المسارات والتى منها خفض تكلفة القمح المستخدم فى الانتاج.

وقد يبدو هذا الوضع فى غير صالح المزارع فى المدى القصير إلا انه على المدى الطويل يمكن أن يؤدى عدم تقديم حوافز سعرية لمنتجى القمح إلى تقليل التشوهات فى هذا السوق ورفع الكفاءة الانتاجية للمزارعين فى المدى الطويل.

وفى السياق نفسه، كانت منظمة الأغذية والزراعة والبنك الاوروبى للتعمير قد أجريا دراسة على صناعة القمح فى مصر وأوصت هذه الدراسة بضرورة إدماج استثمارات القطاع الخاص فى صناعة القمح وخاصة الاستثمار فى البنية التحتية واللوجستيات الخاصة بالمناولة والتخزين والاستثمار فى انشاء الصوامع الحديثة بدلا من التخزين فى الصوامع الترابية والتقليدية والتى يترتب عليها فقد نسبة 10-25% من المحصول نتيجة الاصابة الحشرية والقوارض والآفات.

ووجدت الدراسة أن هذه الشراكة يمكن أن توفر نحو 43 بليون دولار سنوياً تضيع من ميزانية الدولة المصرية فى صورة خسائر.

كما أوضحت الدراسة أيضا أن قيام الهيئة العامة للسلع التموينية باستيراد معظم كميات القمح بدلا من مشاركة القطاع الخاص ووضعها لشروط صارمة فى التوريد وإجراءات التفتيش بدلا من إجراء هذه الخطوات بمعرفة الشركات الخاصة يزيد من التكلفة بنحو 12-15 دولار للطن.

مما سبق فإنه يمكن من خلال تخفيض تكاليف الاستيراد أن ينخفض سعر القمح المستورد عما هو عليه الآن بما يحقق السياسة العامة للدولة المتمثلة فى خفض العجز فى ميزان المدفوعات.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال رائع …… ولو تم نشره فى أكتوبر أو نوفمبر 2018 لكان المقال أروع .

    تحياتى للأستاذ الدكتور / خالد أحمد عبده …. أستاذ الاقتصاد الزراعي، ومدير مركز الدراسات الاقتصادية الزراعية بكلية الزراعة جامعة القاهرة … ولجريدة الفلاح اليوم .

    ونتمنى الكثير من نشر العديد من المقالات فى المحاصيب الأخرى وخاصة الإستراتيجية منه مثل : الأرز ، والقطن …مدعوماً بالإحصائيات ، ومصادرها لتعظيم الإستفادة والتوعية …اكرر التحية للناشر والمنشور له

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى