حوارغير مصنف

مدير مركز دلتا مصر للبحوث: مصر تخسر 20 ألف فدان سنويا من الأراضي الزراعية الجيدة

العشوائيات أفرغت القرية من العمالة الزراعية

المرأة الريفية نجحت في إعالة أسرتها بمفردها

حوار أجرته: جيهان رفاعي

شدد الدكتور إبراهيم الغزاوي، مدير مركز دلتا مصر للبحوث والتدريب والاستشارات، أن التحدي الأكبر الذى يواجهنا في مجال الأراضي الزراعية هو استنزاف الأراضي القديمة جيدة الإنتاجية بمتوسط سنوي نحو 20 ألف فدان، حيث يتم التعدى عليها من أجل إقامة المبانى السكانية.

وأضاف الغزاوي، فى حوار مع “الفلاح اليوم“، أن مشكلة العشوائيات مشكلة كبيرة، وهي لحد بعيد نتاج لارتباك الحياة المصرية في الريف، مشيرا إلى أنه لا يجب أن ننسى ظاهرة الهجرة الداخلية من الريف للحضر شكلت أهم محاور أزمة الريف المصري لأنها أفرغت القرية المصرية من العمالة الزراعية الماهرة.

وإلى نص الحوار..

س: ما أهمية القطاع الزراعي من الناحية الاستراتيجية؟

تعد الزراعة هي العمود الأساسي لاستقرار أي مجتمع إنساني، ومصر تاريخيا جسدت هذه المقولة تماما، ويعد القطاع الزراعي أهم عناصر الأمن القومي المصري قاطبة، لأنه المسئول عن توفير الغذاء للشعب وإمداد الدولة بوقود الإستمرارية والتطور … ووفقا للمعلن من الدراسات الإحصائية الرسمية فإن قطاع الزراعة يسهم بنسبة 14,5% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، ويستحوذ القطاع على نسبة 27% من القوى العاملة بـمصر، والبالغة نحو 26 مليون عامل، وتسهم الزراعة بنحو 20% من صادرات السلع المصرية، وتقدر المساحة المزروعة بـمصر بنحو 8 مليون فدان، ما بين أراض قديمة وأخرى تم إستصلاحها خلال العقود الماضية إلا أن التحدي الأكبر في مجال الأراضي الزراعية هو إستنزاف الأراضي القديمة جيدة الإنتاجية بمتوسط سنوي نحو 20 ألف فدان، حيث يتم الإعتداء على الأراضي الزراعية من أجل إقامة البيوت السكانية، إضافة لمجموعة من المشكلات جعلت العديد من العاملين فيه يعزفون عنه ويتجهون للهجرة من الريف للمدينة لتوافر الخدمات والبحث عن فرص عمل أكثر وفرة وغنى وهو ما يشكل تهديد جسيم للاستقرار الاستراتيجي للسياسات المصرية عامة، ولذلك اتجهت الحكومات التي تلت ثورة 30 يونيو 2013 إلى إحداث تغييرات جوهرية في منظومة الزراعة المصرية بغرض ملاحقة الاستهلاك المتسع نتيجة الزيادة السكانية غير المنطقية بـمصر لكن بالقطع سيستغرق الأمر بعض الوقت لعمق المشكلة وتراكمها لسنوات طويلة.

س: كيف ترى مستقبل الزراعة في ظل التحولات التي طرأت على القطاع الريفي؟

لابد أن أؤكد على دور الجهات البحثية في التطوير ومعالجة المشكلات القائمة بالعلم والتقنيات الحديثة، ولا شك أن الريف المصري قد تأثر سلبيا في السنوات الخمسين الأخيرة بالسياسات الزراعية من ناحية والاقتصادية والسياسية من ناحية أخرى وجميعها تقريبا بشكل سلبي ومخل، حيث شهد تحولا تدريجيا من مجتمع زراعي متكامل ومعتمد نسبيا على نفسه إلى مجتمع معتمد أكثر على الخدمات الحكومية وعلى دعم الدولة … إضافة لتقلص نسبة تغطية المنتج الزراعي الغذائي لاحتياجات الاستهلاك المحلي المصري مما وسع الفجوة الزراعية وجعل الدولة تعتمد بشكل متزايد على الاستيراد الخارجي.

وزارة الزراعة وجهاتها البحثية المختلفة تبذل في السنوات الأخيرة جهدا طيبا لإعادة رسم السياسة الزراعية بـالريف المصري مرة أخرى بما يستعيد الصفة الإنتاجية للريف ويسيطر لحد كبير على الدورات الزراعية خلال العام الزراعي للأرض، لكن الأمر دخل فيه أيضا متغير وله قدر كبير من التحدي وهو النمو المزعج للسكان في مصر بما يجعل الريف المصري بقدراته الحالية غير قادر على تلبية إحتياجات البلاد من الغذاء لكن يظل على وزارة الزراعة الواجب الأهم في ضبط أداء الريف من الناحية الزراعية وإيقاف استنزاف الأرض الزراعية بتحويلها لأغراض سكنية أو أخرى، لأن ذلك قلل لحد بعيد من مساحة الأرض المنزرعة بمصر وجعل المجتمع المصري يخسر مئات الآلاف من الأفدنة من الأراضي شديدة الخصوبة بخروجها من دائرة الإنتاج الحقيقي وتحولها إلى مساكن وهو دور يجب أن تضطلع به وزارة الزراعة مع الوزارات الأخرى المعنية.

س: هل يوجد فرق بين ممارسة القيادية للرجل والمرأة في المجال الريفي؟

القيادة الرشيدة من أهم سمات الإدارة الناجحة … ولذلك هي أمل مصر في كل المجالات… والمرأة لا تقل بأي حال من الأحوال عن الرجل في المهارة ‏والقدرة والإبداع، والمرأة الريفية في مصر ضربت المثل التاريخي الناجح على قدرتها العالية في تحمل صعوبات الحياة وإدارة أمورها وإعالة أسرتها في كثير من الأحيان بمفردها… وليس هناك ما يمنع إطلاقا أن تضطلع المرأة بكل الأدوار القيادية، وهناك نماذج ناجحة ومبهرة لأداء المرأة في كل المجالات لكن يجب أيضا أن يتخلص المجتمع الريفي بشكل خاص عن الرؤية التقليدية للمرأة بإعتبارها مجرد تابع للرجل مما يجعل البنت الريفية أقل حظا من بنات الحضر في التعليم وممارسة أدوار الحياة وهو ما يحرم المجتمع الريفي والمصري بكامله من طاقات إبداعية لا حدود لها … ويجب أن تفتح الأبواب أمام المرأة لكل أنواع العمل التي تستطيع القيام به، والعمل الزراعي من الأعمال التي برعت فيها المرأة المصرية تاريخيا خاصة مع التقنيات الحديثة والتكنولوجيا الزراعية مما قلل من إعتماد العمل الزراعي على الجهد العضلي للمزارع … وهو ما يفتح الباب أكثر أمام مشاركة أعمق من المرأة في القطاع الزراعي العملي.

 س: كيف تري مشروع الـ1.5 مليون؟

مشروع طموح وواجب وطني هام واستراتيجي في الوقت الراهن، ولا يجب أن ننسى أن مصر تاريخيا كانت بلد زراعي من الطراز الأول… وشكلت بمنتجاتها من الأقماح سلة غذاء للعالم… والواقع الراهن ‏الزراعي غير مرضي لاحتياجات سد الفجوة الغذائية بين الاستهلاك والإنتاج… ولذلك أنظر بقدر كبير من التفاؤل ‏لـمشروع المليون ونصف فدان لأنه سيشكل منطلقا قويا لعودة مصر إلى الإعتماد على النفس في الغذاء… وهي ‏من الناحية الاستراتيجية وناحية الأمن القومي المصري أحد أهم خطوط الاستقرار وحماية المجتمع والدولة ‏المصرية … لتحقيقه لأهم أهداف الثورة المصرية في 25 يناير والثورة التالية في 30 يونيو ، وهو توفير العيش الكريم للناس ويتوقع أن يقوم مشروع المليون ونصف فدان بتشغيل نحو 2 مليون شاب على الأقل في فرص عمل مستديمة، ومثلها فرص غير مستديمة، إضافة لكونه يشكل أرضية حتمية لنشاط تصنيعي قائم على الزراعة مثل المعلبات ومنتجات الزراعة المختلفة، وسوف يؤدي لرفع نصيب مصر من الناحية التصديرية إلى مليارات الدولارات سنويا … مما يوفر العملة الصعبة ويغني البلاد عن توفير إعتماد بالعملة الأجنبية كانت تخصص لإستيراد هذه المنتجات، إضافة إلى كون المشروع سيفتح آفاق جديدة لتشغيل الشباب وفتح سوق العمالة الزراعية بما يعزز قدرات مصر ‏الشمولية ويقلص من نسبة البطالة بين الشباب ويخلق الأمل لدى مئات الآلاف من أبناء الوطن في مستقبل ‏أفضل تستعيد فيه مصر ريادتها الزراعية على مستوى العالم.

س: هل هناك مشروعات للتطوير الفني للعاملين الزراعيين والمهندسين المصريين فى دول العالم؟

بالقطع كافة دول الصف الأول تهتم جدا بتطوير منظومتها الزراعية وعلى رأس التطوير يأتي تنمية مهارات المزارعين والمشرفين وإمدادهم بأفضل التقنيات الحديثة للزراعة وتسخير المعامل البحثية لتطوير أساليب مستحدثة للزراعة وتدريب المزارعين والمشرفين عليها وهو ما يكفل لها استمرارية الريادة والتميز، وتقوم وزارة الزراعة بإيفاد مبعوثين إلى العديد من الدول المهمة زراعيا للاستفادة من قدرات تلك الدول ومنها على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يوجد هناك عدد من المشروعات البحثية الزراعية التي تتم بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بـالمحاصيل الحقلية والبستانية وتحسين إنتاجية الحبوب خاصة القمح والذرة والأرز، وأن هناك توجها رسميا لدينا للتركيز على أن يشمل التعاون بين البلدين الفترة المقبلة نقل الخبرات الأمريكية للجانب المصري خاصة في مجال الأبحاث الزراعية وزيادة فرص المنح الدراسية والتدريبية والعلمية للجانب المصري لدعم طلاب الماجستير والدكتوراه وما بعدها، فضلًا عن الباحثين بمركزي البحوث الزراعية والصحراء والجامعات المصرية في المجال الزراعي للاستفادة من خبراتها المتنوعة سواء البحثية أو التقنية أو العملية الزراعية في كافة مجالات العمل الزراعي المختلفة.

س: هل هناك علاقة بين حالة الريف المصري والعشوائيات المنتشرة بمصر؟

الحقيقة أن مشكلة العشوائيات مشكلة كبيرة، وهي لحد بعيد نتاج لارتباك الحياة المصرية في الريف… ولا يجب أن ننسى أن ظاهرة الهجرة الداخلية في مصر من الريف للحضر شكلت أهم محاور أزمة الريف المصري لأنها فرغت القرية المصرية من العمال المهرة، وزاد الطين بله أن تلك العاملة في عظمها اتجه إلى إقامة العشوائيات في مناطق الحضر ومعظمها في نطاق القاهرة الكبرى مما أدى لتعمق وتنامي ظاهرة العشوائيات بـالقاهرة والمدن الكبرى من ناحية وإستنزاف موارد البشر في الريف من الناحية الأخرى، وواكب ذلك تغير ثقافات العمل الزراعي بـالريف فأصبحت لحد بعيد حرفة غير جاذبة للعمل بها وهو تغير سلبي تماما أثر على آليات الزراعة بـمصر بشكل تدريجي، وبدلا من أن يشعر العامل الزراعي بالفخر لكونه فلاحا يعمل بفلاحة الأرض وهي مهنة المصري منذ فجر التاريخ … إذا بالأمر يتحول إلى التنصل من المهنة واللهث وراء العمل اليدوي غير المستقر بالقاهرة وغيرها من المدن الكبرى الأمر الذي أحدث خللا مزدوجا بـالريف والمدينة في نفس الوقت، وقد انتهجت الدولة مؤخرا سياسات إصلاحية جذرية للعشوائيات في القاهرة الكبرى وغيرها من المدن الكبرى بالجمهورية، وافتتحت في الفترة الأخيرة العديد من مشاريع الإسكان التي إنتقل إليها الآلاف من الأسر التي كانت تعيش في مناطق شديدة البؤس مثل منشية ناصر وحكر أبو دومة ومنطقة ابوالعلا وماسبيرو، لكن يجب أن نعلم أن الحد من ظاهرة الهجرة الداخلية مرتبط لحد بعيد بقدرة الدولة الرسمية على إنتهاج سياسات تنموية متوازنة يتلقى فيها الريف نصيبا طيبا من اهتمام التنمية والتطوير وألا تقع الدولة في الخطأ التاريخي الذي سبب المشكلة منذ بدايتها وهو تركيز الاهتمام بـالقاهرة والعواصم المهمة فقط، وحرمان باقى مناطق الجمهورية من التنمية الحقيقية، ما أدى لهروب العمالة من تلك المناطق إلى القاهرة.

س: ما الرؤية المستقبلية في التعاون والتبادل التجاري بين مصر وأمريكا؟

أمريكا ومصر بينهما شراكة إستراتيجية تاريخية مستمرة تزيد قوتها أحيانا وأحيانا تتأثر بالتيارات والضغوط والمصالح السياسية لأحد الطرفين، لكن الحقيقة التي لا يجب أن ننساها أن الولايات المتحدة الأمريكية هي السوق الأغنى في العالم كله… حيث يبلغ سكانها نحو 300 مليون نسمة، ولكي نعرف حجم ثراء الشريك الأمريكي، ففي القوت الذي يبلغ فيه مجمل الدخل القومي المصري السنوي نحو 236 مليار دولار، تقلص بعد تعويم سعر الصرف الرسمي بنحو الثلث لإرتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، ويبلغ حجم الإنتاج القومي الداخلي الأميركي نحو 17,5 تريليون دولار، وهو رقم خيالي، ويقترب من كامل مجمل الإنتاج القومي لدول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، وهو ما يقرب من 17,9 تريليون دولار سنويا … وهي أرقام تعكس قوة الطرف الأمريكي، وتعكس أيضا آفاق مساحات التعاون اللا محدودة بيننا، وهو من المستوى المعيشي المرتفع فهو سوق متسع وسوق غني يستوعب الصادرات الزراعية وغيرها من الدول الأجنبية.

لكن يجب أن نعلم أن السوق الأمريكية ليست سهلة والتعامل معها في شكل شراكة حقيقية لتصدير المنتجات إليها يتطلب مستوى راقي من الإنتاج الزراعي، ونظرا لوضع منظمة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ضوابط وإشتراطات متنوعة بغرض إستقبال أفضل المنتجات وأصحها للاستهلاك الأمريكي، وهو ما يجعل تلبية تلك الاحتياجات في منتجات التصدير المصرية تحديا حقيقا، سواء من حيث أنماط الزراعة المستخدمة، ونوعية وكفاءة المحاصيل والفاكهة، ونوعية التغذية والتسميد الطبيعية المستخدمة ومياه الري وغيرها من الشروط التي تجعل من التصدير للسوق الأمريكي مهمة ليست سهلة على المنتجين الزراعيين المصريين … لكن هذا بالقطع يجب أن يكون حافزا للقطاع الزراعي المصري للإرتقاء بالنوعية والكفاءة ودوائر التعامل مع المنتج الزراعي منذ بداية زراعته، حتى تغليفها بالشكل المناسب للذوق الأمريكي.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى