حوار

مدير «إيكاردا»: الدول العربية تستورد 70% من احتياجاتها الغذائية

مزارع يحصد القمح

متابعات قال المهندس على أبوالسبع، مدير المركز الدولى للبحوث الزراعية فى المناطق الجافة «إيكاردا»، إن الدول العربية تستورد 70% من احتياجاتها الغذائية من الخارج، مشددا على أهمية توظيف الموارد لمواجهة التحديات حتى يحقق استقلال القرار السياسى، لافتا إلى أن التغيرات المناخية تهدد الموارد المائية بالمنطقة وتضع الأمن الغذائى العربى «على المحك»، وأن ما تتعرض مصر له من تكرار ظاهرة السيول سنويا هو نتاج لهذه التغيرات.

وأضاف أبوالسبع، فى حوار صحفى تابعه “الفلاح اليوم” أن مشكلة سد النهضة الإثيوبى تكمن فى الاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا على تحديد سنوات الملء والتخزين، وتحديد آليات التشغيل، بما يقلل من الأضرار التى تهدد دولتى المصب مصر والسودان، بالإضافة إلى ضرورة تبنى سيناريوهات بديلة تقلل من الأضرار السلبية للمشروع على مصر.. وإلى نص الحوار:

فى البداية… ما تقييمكم لمشاكل المياه والأراضى بالمنطقة؟

ـ المنطقة العربية تمر بتحديات صعبة نتيجة الظروف الطبيعية الموجودة فيها، فالمنطقة تاريخيا معدل سقوط الأمطار بها محدود للغاية والأراضى فى الغالبية العظمى بالمنطقة تربتها ضعيفة غير صالحة للزراعة بشكل جيد باستثناء مناطق محدودة والنمو السكانى فى الثلاثين سنة الماضية معدلاته مرتفعة، وهو شىء جيد، ولكن فى نفس الوقت يضيف تحديات كثيرة لزيادة الطلب على الغذاء وأغلب الدول العربية تستورد ٧٠٪ من منتجاتها الغذائية وتستنزف قدراً كبيراً من العملة الصعبة فى الدول العربية، وكذلك الدولة يمكنها اقتناص فرصة جيدة، إذا قامت باستغلال هذا الاحتياج وحولته إلى قاطرة لسد عجلة الاقتصاد، وإذا قامت بتوظيف الموارد المحدودة، بحيث إنها تنتج الكميات الكافية لتحقيق الأمن الذاتى وخلق فرص عمل جديدة وسيكون له بعد سياسى مهم واستقلالية أكثر فى القرار السياسى.

■ ما دور المركز الدولى للبحوث الزراعية فى المناطق الجافة «إيكاردا» فى المواجهة؟

ـ يقوم بتحديد التحديات سواء فى مجال التربة أو المناخ أو المياه ويوظف البحث العلمى فى مجال الزراعة بالشراكة مع كل المراكز البحثية فى هذه الدول لتطوير أصناف من المحاصيل الأساسية الاستراتيجية تستطيع أنها تستمر فى الإنتاج وبكميات أعلى وأفضل باستغلال البحث العلمى للتغلب على هذه المشكلات، وعلى سبيل المثال أن هناك أصنافا جديدة من القمح تم استنباطها بالتعاون مع مراكز البحث العلمى بالمنطقة كـمركز البحوث الزراعية بمصر نتج عنها نوعيات من القمح تستطيع تحمل الجفاف والملوحة وقلة المياه ودرجة حرارة قد تصل إلى ٥٠ درجة مئوية، وبالتأكيد من المتعارف عليه أن القمح من محاصيل المناطق الباردة، فتطويره يعد نقلة نوعية فى البحث العلمى.

■ هل ستخرج مصر من حزام زراعة القمح بسبب التغيرات المناخية؟

– فى الوقت الحالى التكنولوجيا المتوفرة تسمح بهذا، ولكن قرار التركيب المحصولى تختص كل دولة بتحديد أولوياتها، لأنك لا تستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل من المحصول، وعلى الرغم من احتياجك الشديد للقمح فإن تحقيقك الاكتفاء الذاتى منه سيكون على حساب أشياء أخرى، وبالتالى القرار يكون على المهمات، يعنى ما هو أفضل تركيب محصول يعطيك النتيجة التى تريدها، وليس مستحيلاً أن تحقق الاكتفاء الذاتى من القمح، فهناك إمكانية لذلك، ولكن سيكون على حساب أشياء أخرى، وعموماً فـالتغيرات المناخية تضع الأمن الغذائى للمنطقة على المحك.

■ كيف يمكن الاستفادة من تجارب الدولة فى زراعة أصناف عالية العائد بالمشروع القومى؟

– علينا الاستفادة من تجارب الدول التى استطاعت أن تواجه التحديات الكبرى فى مواردها المائية من ناحية الكم والنوعية، من خلال استقدام تقنيات لمشروع المليون ونصف المليون فدان، لتوفير فرص عمل جديدة جدا، من خلال زراعة أصناف عالية القيمة، ومنها على سبيل المثال الاستفادة من تجربة المغرب والأردن فى زراعة أنواع جديدة من الصبار بدون أشواك، وهذه الأنواع تم جلبها من المكسيك وقمنا بتطويرها فى «إيكاردا» وعمل بحوث عليها، بحيث إنه يمكن التوسع فى زراعة هذه الأصناف، بشكل كبير ليستخدم كعلف حيوانى بالنسبة للماعز والغنم وهى نوعية الحيوانات التى تصلح تربيتها بكميات كبيرة فى المناطق تحت المليون ونصف فدان، لأن هذا النبات له خاصية جيدة جداً من ناحية التغذية والأهم من ذلك أنه يحتفظ بكميات كبيرة من المياه، والتى تعتبر نادرة فى هذه المناطق، ولذا يصلح كغذاء ويعطى جزءا من المياه أيضاً، فالحيوان لا يأكل الثمرة فى حد ذاتها، ولكن يأكل ما يطلق عليه «اللوح» وهو يتشكل بعد تمرير الصبار فى نوع هادئ من الحرارة ويصبح علفا مستساغا جدا للحيوان، وفى الوقت الحالى الكميات التى تنتج بمصر لا تكفى لعمل صناعة علف مبنى على زراعات الصبار، فعندما تتبنى هذه الفكرة، يمكن تعميمها للاستفادة منها فى ظل الميزة النسبية لأصناف «الصبار» يمكن أن ينمو على ١٠٠ مللى لتر، وهى كمية بسيطة جدا إذا قارنت مع بعض الدول الأفريقية تصل إليها المياه ٣ آلاف مللى لتر من المياه، وبالتالى الصبار يستهلك كميات قليلة جداً من المياه، وكذلك الأصناف الجديدة منه تحتفظ بأقل قطرة مياه يتم توفيرها فيمكن فى سنوات الجفاف عن الرى مرتين بشكل خفيف، فالنبات يحتفظ بصحته طوال السنة، وذلك بالإضافة لأن ثماره يستطيع الإنسان أكلها وأيضاً بشكل مهم للمياه والأملاح.

■ ما الدور الذى قد تقدمه «إيكاردا» فى مشروع المليون ونصف فدان؟

– نحن على استعداد لتقديم الدعم الفنى بالشكل الذى تراه الدولة مناسبا. عند لقائى مع الدكتور عبدالمنعم البنا، حينما كان رئيسا لمركز البحوث الزراعية عرضت عليه فكرة دعم تواجد مؤسسة «إيكاردا» فى مصر بالشكل الذى يمكنها من تقديم الدعم الفنى بالشكل المطلوب ومن خلال البرامج البحثية المشتركة والإرشاد الزراعى بالتعاون مع مركز البحوث الزراعية، فالميزة التى نستطيع إجراءها هى أن نجلب التجارب الناجحة من الدول التى نشارك بها مثل دول الخليج وشرق آسيا وغيرها، وكذلك مشروعاتنا التى أثبتت نجاحها فى تلك الدول وتوظيفها للتأقلم مع الظروف المحلية، ومركز البحوث الزراعية قام بعمل دراسات وافية عن مشروع المليون ونصف فدان.

■ ما التعاون المشترك بينكم وبين مركز بحوث الصحراء؟

– بالتأكيد المركز يوفر برامج مشتركة مع المركز ولكن مستوى العلاقات الحالية كان يلبى احتياجات الماضى، ولكننا الآن نتحدث عن احتياجات المستقبل، والتى تختلف تماما عما كنا عليه بالماضى، وبالتالى نحن حاليا نقوم بتعزيز وجود «إيكاردا» فى مصر للقيام بدور إقليمى بالمنطقة بما يتلاءم مع الغرض الأساسى للمؤسسة، ولكن بشكل أساسى ومباشر دعم برامج التنمية الزراعية فى مصر من خلال نقل التكنولوجيا والحلول التى وجدنا أنها تعمل بشكل جيد والمشروعات التى يمكن تنفيذها فى مصر.

■ ما هى روشتتك لتحويل الجفاف والندرة إلى ميزة نسبية وأى دول نستفيد منها؟

ـ لا توجد روشتة واحدة تستطيع أن تنجح فى كل الدول، ولكن القاسم المشترك بينها هو ندرة المياه وضعف الأراضى بالإضافة إلى هذا ضعف إمكانيات وخبرات الموارد البشرية التى تقوم بقطاع الزراعة لأن هذا القطاع لم يحصل على الاهتمام الكافى لبناء القدرات القادرة على التعامل مع تحديات المستقبل وأما علاج الأمن الغذائى فى المستقبل فليس من خلال زيادة الإنتاج فقط، ولكن لابد من وجود نظرة أكثر شمولاً للعناصر التى تمثل ركائز للأمن الغذائى والتعامل مع كل النواحى بنفس الأهمية وبنفس المقدار، ومن ناحية توافر التكنولوجيا كأنواع البذور والأشجار التى تصلح إلى التحديات الحالية موجودة ومتوفرة ولكن الموجود اليوم لا يصلح لتحديات المستقبل، على سبيل المثال المؤتمر الذى انعقد فى باريس العام الماضى وفى مراكش لبحث آثار تغيرات المناخ على العالم، فالجميع تحدث عن درجتى حرارة زيادة على مستوى العالم، نحن فى إيكاردا نعمل على تطوير المحاصيل الاستراتيجية الموجودة بالمنطقة لدرجة حرارة تصل إلى ٤ درجات مئوية.. لأنه عندما تصل إلى هذا السيناريو لا يمكن أن تبدأ البحث العلمى لإيجاد الحلول لأن عملية البحث والتربية مجهود يتطلب عشرات السنين، وبالتالى نحن لدينا رؤية مستقبلية بحيث إذا ظل هذا التدهور فى الوضع المناخى على مدار العشرين سنة القادمة لابد أن يكون هناك أصناف قادرة على الإيفاء بالاحتياج الغذائى فى ظل هذه الظروف.

■ بالنسبة لتكرار السيول فى مصر فى تصورك كيف نعالج هذه الأزمة؟

ـ السيول ظاهرة طبيعية تتكرر نتيجة سقوط أمطار بمعدلات كثيفة فى فترة قصيرة جدا وبالتالى مع تجمع مياه الأمطار فى فترة قصيرة جدا يصعب توقع معدل السريان وما سينتج عنه من كميات وبالتالى نرى المشاكل والكوارث التى تحدث نتيجة السيول، والمشكلة هى أن السيول تحدث سنوياً ولكن الاختلاف هو مقدار المياه التى تسقط وبالتالى حجم السيول، فالسيول ظاهرة طيبة وجيدة ومهمة لإعادة شحن طبقات المياه الجوفية لكافة المناطق، ولكن عندما تأتى بكثافة أعلى من المتوقع وكميات كبيرة وتتقارب المسافات ما بين السيول شديدة العائد المائى نتيجة تلقائية للتغير المناخى لأنه على مدار التاريخ مصر من الدول التى تسجل معدل سقوط الأمطار منذ أكثر من مائة عام وبالتالى لديك قدرة للمقارنة بين حجم معدلات الأمطار منذ قرن والآن، أما بالنسبة للتوقع أن تكون سيناء منطقة مطيرة، فلم نر ما الدليل العلمى على ذلك حتى الآن ولكن التأثير محلى وليس المنطقة بالكامل.

■ بعد إنشاء سد النهضة فى حالة تقليل من حصة مصر.. كيف نقلل من مخاطره؟

– لابد من الاتفاق على إدارة فترة تخزين سد النهضة وليس هناك بديل لذلك والمحادثات بين الثلاث الدول تصب فى الاتفاق على فترات ملء السد وعدم الإضرار بـمصر والسودان ولكن ليس هناك بديل لعدم تنمية الموارد المائية البديلة، فـمصر لديها أكبر خزان جوفى لم يستغل فى السنوات الماضية بالشكل الاقتصادى، وبالوقت الحالى يمكن استغلاله فى تغطية سد أى جزء من العجز الذى قد يطرأ، ولابد من الاهتمام بعملية بناء قدرات الدول للتعامل مع التغيرات المناخية، يكون من خلال تنويع مصادر الدخل وتنويع المنظومة التى يعيش عليها المزارع وتنويع مصادر الدخل على مستوى الدولة، لأن نقص المياه إذا افترضنا أن سد النهضة لن ينتج عنه نقص فى الموارد المائية قد يحدث نقص بصفة عامة فى موارد المياه فى وقت من الأوقات.

■ والحل؟

– لابد من وجود سيناريوهات بديلة للتعامل مع النقص دون انتظار حدوثه لذا لابد من الاهتمام بالتخطيط بعيد المدى، والبحث عن بدائل للموارد المائية التى تتعرض للنقص واستنباط سلالات وأصناف لنباتات أقل استهلاكا للمياه.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى