رأى

ما رأيك فى مشروع المليون ونصف مليون فدان

د.صلاح يوسف، وزير الزراعة الأسبق

بقلم: د.صلاح يوسف 

إيجازا مشروع غاية فى الأهمية .. وقلت منذ سنتين تقريبا أو يزيد لو تم يكون شيئ عظيم .. ولكن لابد من الاستيعاب لتحسين الآداء ..

ما رأيك فى مشروع المليون ونصف مليون فدان .. سؤال يتردد كثيرا .. سواء كان هذا السؤال بنوايا حسنة أو بنوايا خبيثة .. ولكن كعادتى أميل إلى التعامل مع النوايا الحسنة لأن نتيجة الكلام ستكون فى مصلحة المجتمع ككل .. أما مدخل النوايا الخبيثة فلا يسمن ولا يغنى من جوع.

وقبل الإجابة على هذا السؤال بشكل موجز يجب أن نستوعب جميعا أن زيادة المساحة المنزرعة سواء أفقيا أو رأسيا أمر واجب حتى يلبى إحتياجات الغذاء للمواطن المصرى وحتى يوفر فرص للتصدير فيساهم النشاط الزراعى بشكل أكبر فى تنمية المجتمع وزيادة الناتج القومى ورفع مستوى معيشة المواطن المصرى.

وفكرة التوسع الرأسى من خلال زيادة الإنتاجية والتى لها مداخل كثيرة مثل الأصناف الأعلى إنتاجية أو المتحملة للظروف البيئية أو المقاومة للأمراض النباتية أو الآفات عامة أو بتحسين إستخدام أدوات الإنتاج من مقننات مائية أو أسمدة سواء معدنية أو عضوية أو توسع رأسى من خلال التركيب المحصولى نفسه والذى يعبر عن تنوع المحاصيل مع الموسم الزراعى والذى أدى إلى مساحة محصولية فى مصر تتخطى 16 مليون فدان بينما مساحة الأرض الزراعية فى حدود 8.2 مليون فدان .. ويبقى فقط تحديد المساحة لكل محصول فى كل عروة أو موسم زراعى بما يحقق إنتاجية توفر الأمن الغذائى المصرى والعائد الاقتصادى المحترم، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق دورة زراعية رسمية أى مقننة من خلال تشريعات وزارية سنويا أو دورة زراعية مرسومة تسويقيا .. أى تحسين قيمة مدخلات دورة زراعية وتعظيم عائدها اقتصاديا بالنسبة للمنتج مصممة إسترشاديا جاذبة للتطبيق دون تشريع .. وهذا وراد جدا.

كل هذا جيد .. ولكن لا يكفى بمفرده فى مواجهة الزيادة السكانية وفى مواجهة تلبية طلبات التصدير التى لها دور أيضا فى الاقتصاد المصرى كمصدر من مصادر العملة الصعبة وأيضا للحفاظ على قيمة المنتج الزراعى المحلى التسويقية والتى ترتفع مع التصدير وتنخفض مع الحد من التصدير.

وبالتالى مصر فى حاجة دائمة إلى زيادة المساحة المنزرعة أفقيا .. وكل من تولى مسئولية حكم مصر إستوثقوا من هذا وعزموا إستصلاح الأراضى عبر عقود وزارة الزراعة وإستصلاح الأراضى سواء كانت كيانا واحدا أو كيانات منفصلة ..

وكانت رؤية الرئيس السيسى إستصلاح 4 مليون فدان .. والرؤية تعبر عن أهداف وطموحات وتستلزم سياسات .. هذه السياسات يحددها المتخصصون .. ولو قيمنا فكرة إستصلاح 4 مليون فدان كمقترح فى فترة رئاسية واحدة فهى فكرة رائعة مقارنة بأن إجمالى ما تم إستصلاحه فى ظل الحكومات المتتابعة عبر عقود طويلة هو 2.8 مليون فدان فقط .. وهذا يبين أن ما طرح أولا كانت رؤية عظيمة جدا .. ويبقى التطبيق .. والتطبيق يستلزم وجود قيادات تتولى أمر النشاط الزراعى لديها القدرة على وضع السياسات المناسبة لتحقيق ذلك وفى نفس الوقت تكون قابلة للتطبيق .. ونتيجة لقصور القائمين على إدارة النشاط الزراعى وعدم إستغلالهم لطموح القيادة السياسية لخدمة المجتمع المصرى تم تقسيم المساحة المقترحة أولا لتصبح مليون فدان سنويا ثم مليون ونصف فدان فى سنتين ثم أصبحت مليون ونصف مليون فى 4 سنوات .. وهنا كان لابد من مراجعة النشاط الزراعى والتحقق من الأدوات المستخدمة فى رسم سياسة وتنفيذ الرؤية او الطموح .. وأهم هذه الأدوات هى قيادات الزراعة وقيادات البحث العلمى الزراعى وقيادات الرى والبحث العلمى فى الموارد المائية .. والذين يتبين لدى العامة غياب نسق واحد يشمل هذه التخصصات أو الجهات ليعظم دورها للتطبيق.

وبالتالى لا يمكن تقييم المشروع دون مراجعة القيادة السياسية للخطوات السياسية والتشريعية والتنفيذية. والذى يبين عدم رضا القيادة السياسية عن الآداء الحكومى هو إسناد كثير من الأنشطة الزراعية وإدارتها إلى غير المسئولين بالزراعة إلا أن اللجوء إلى هؤلاء المسئولين عن الزراعة رسميا هو واجب بحكم الأنشطة الضخمة تحت إدارتهم، إلا أن وجود هؤلاء القيادات الزراعية لا يعنى قدرتهم على إدارة من هم مسئولون عنهم .. وهذا واضح تماما من خلال القدرات المحدودة على إستيعاب وتنفيذ خطط القيادة السياسية.

وما تم عرضه من مساحات مشروع المليون ونصف فدان متباين فى الجودة .. بين أراضى صالحة تماما لزراعة أى محصول مع توفر مياه صالحة للرى محدودة محتواها من الملوحة وهى صفات جيدة للإنتاج النباتى متوفرة فى بعض المناطق المطروحة .. ومناطق أخرى بها تربة رملية محتواها من الملوحة أو الطفلة عالى نسبيا بما يؤثر على عملية الإنتاج الزراعى .. إلى مناطق أخرى تربتها بها نسبة أملاح أو طفلة عالية ومياه رى متاحة بها نسبة ملوحة عالية .. هذا التصنيف يستدعى خطوات مهمة منها تحديد طبيعة كل أرض وأعلم أن القيادة السياسية أعطت تعليمات واضحة محددة بهذا الشأن مؤخرا وفى نفس الوقت رسم خريطة زراعية للأراضى المختلفة تتناسب مع مواصفات كل منطقة أو كل تربة ..

ومن جانب آخر فإن منظور خطة الإستصلاح لا يجب أن يستوعب فقط الإنتاج النباتى ولكنه بالتأكيد يجب أن يستوعب الإنتاج الحيوانى والداجنى والسمكى وربما نحن أشرنا إلى ذلك فى وقت مسئوليتنا وبينا كيف تستخدم الأرض القديمة أرض الوادى والدلتا والأراضى المستصلحة ومشاريع الإنتاج النباتى والحيوانى المختلفة ومواقعها كمشاريع تنموية للمجتمع تضمن الأمن الغذائى وتتيح فرص عمل للشباب بعيدا عن العمل الحكومى الواجب ترشيده..

ولم يغيب عن عيننا وضع واضعى اليد والذين تحدثت عنهم فى 2011 منذ بداية تولى السئولية بأنه يجب تقنين أوضاع كل الزراعيين وهم متنوعين بين منتفعين بأراضى خريجين وواضى يد وأراضى تابعة للإصلاح الزراعى وأراضى استصلاح جديدة حتى يستقر كل مزارع على أرضه أو كل شركة إنتاج أو إستثمار زراعى على الأرض المخصصة لها .. كما أعلنت وقتها أنه مع التقنين للأوضاع السائدة وقتها فإن الدولة لن تستمر فى تقنين واضعى اليد بعد ذلك إلا من خلال خطة إستصلاح وإستزراع أراضى مع خريطة محصولية حتى تتحقق الأغراض الأسمى من إستصلاح الأراضى وهى محددة تفصيليا.

ومن خلال ذلك اصبح من يقومون باستزراع أراضى ملكا للدولة دون خطة مطروحة من الدولة أو دون تصريح من الدولة هم يقومون بمجهود غير منظم ربما يكون لصالحهم ولكن ليس لصالح المجتمع ككل .. ووقتها طرحت فكرة أنه حفاظا على المستثمرين الزراعيين المصريين وحفاظا على إستقرار المجتمع المصرى عامة والمجتمع الزراعى خاصة يجب التزام الجميع بخطة واضحة من الدولة .. والذى أعتقد أن القيادة السياسية فى مصر تعنيه وتحاول الوصول إليه بينما قيادات الزراعة مازالت قاصرة عن تفهم التصور الواجب وقاصرة عن تنفيذ أطروحات القيادية السياسية فى نفس الوقت.. ومن الطبيعى أن الدولة تضع خططا ويقوم الجميع بالتنفيذ أى أن الحكومات تقود المجتمع وليس العكس بينما كان الوضع غالبا أن الحكومات توافق على ما قرره ونفذه بالفعل المستثمرون.

ومن جانب آخر أرى أنه لا يجب على المسئولين الإفصاح عن كل الأنشطة الاقتصادية فى كل الإتجاهات تفصيليا فهذا ليس من صالح الدولة المصرية ولكن يطرح الإطارات العامة .. بل وأرى أن وسائل الإعلام المختلفة تضغط على الحكومات لتنبئ بما لا يجب أن تقول .. وبالتالى أدعو وسائل الإعلام المختلفة والإعلاميين أن يتركوا مساحة من الأمور المتعلقة بإدارة الدولة للقيادات حتى لا تتعرض كل خطط التنمية للمقاومة داخليا و/أو خارجيا، ليست الشفافية من وجهة نظرى على مستوى الدول هى الحديث فى كل شئ ولكن الشفافية تضمن فقط عدم الكذب على الشعوب وهذا يكفى فيم يخص السياسات.

وعامة مشاريع استصلاح الأراضى بمفهوم التنمية للمجتمع المصرى فى إطار إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة متعددة الأنشطة على رأسها النشاط الزراعى والتصنيع الزراعى أو مشاريع التعمير الأخرى التى تشمل أنشطة اقتصادية صناعية أو تعدينية أو تجارية أخرى تبعا لطبيعة وجغرافية الأراضى وما تحتويه من ثروات طبيعية هى منظومة مهمة مستمرة لها صفة الإستدامة فى التفكير والتصميم والتطبيق والتطوير.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى