تحقيقات

قرار محافظ كفر الشيخ بحظر نقل الزرّيعة يُهدد الثروة السمكية

زرّيعة الأسماك تدخل جدول الممنوعات
زرّيعة الأسماك تدخل جدول الممنوعات

الفلاح اليوم ـ هيثم خيرى أصحاب سيارات نقل وصيادون وأصحاب مزارع سمكية وعمال في المزارع.. كل هؤلاء وغيرهم أصبحوا يترددون مؤخرا على أقسام ومراكز شرطة كفر الشيخ بصورة استثنائية منذ شهرين تقريبا، والسبب “تهريب أسماك الزريعة”!

في المحافظة الأولى على مستوى مصر في إنتاج الأسماك من المزارع، حيث تحتل كفر الشيخ وحدها أكثر من 40% من إنتاج أسماك المزارع.. صار على العاملين في هذا المجال التعامل بحذر شديد مع عمليات نقل أسماك الزريعة، ليلا، في الخفاء، بعيدا عن أعين رجال شرطة المسطحات المائية، ومسئولي محافظة كفر الشيخ، وتهريب كميات أسماك الزريعة في كتمان شديد.

الفلاح اليوم” تابع هذه الإشكالية الخطيرة فى محافظة كفر الشيخ، والتقت بصيادين وجمعيات الثروة السمكية لمعرفة الأسباب وراء حبس أصحاب المزارع السمكية والعاملين فيها، والوقوف على قرار اللواء السيد نصر، محافظ كفر الشيخ، بحظر “تهريب أسماك الزريعة من كفر الشيخ إلى محافظات الجمهورية”.

صيادون في الحبس

على مقهى قريب من بورصة الأسماك في مركز الحامول، يتداول الصيادون والعاملون في المزارع السمكية أخبار حبس أصدقاء وزملاء في الحرفة بكثير من التوتر والغيظ والإحباط، فعلى مدى عشرات السنين احتلت كفر الشيخ نصيب الأسد من إنتاج أسماك الزريعة والأسماك الصغيرة بهدف التربية عبر المفرخات والمزارع السمكية.

ولا تتوقف نقاشات الصيادين عند زملائهم المحبوسين، لكنها تمتد لأسعار علف الأسماك التي ترتفع شهريا تقريبا، حتى صارت الزيادات عبئا كبيرا على منتجي الأسماك، فضلا عن مشكلات تسويق أسماك البلطي.. فما الذي يجري في كفر الشيخ، ويجعل حرفة بيع الزريعة والأسماك الصغيرة للمحافظات المجاورة والصعيد والقاهرة الكبرى حرفة محفوفة بالمخاطر وتمثل تهديدا كبيرا على أصحابها؟

القرار الصادر عن المحافظ في صورة كتاب دوري، نص على أن “يتم التنبيه مشددا على المسئولين بالهيئة العامة للثروة السمكية بسحب جميع التصاريح التي منحت لجميع المفارخ وتعتبر لاغية، وعدم إصدار تصاريح نقل الزريعة إلا للمفرخات المرخصة، وعند منح أي تصاريح نقل جديدة يتم إخطار الجهات الآتية قبل موعد النقل محددا بها التاريخ وساعة التحرك والجهة المنقول منها والمنقول إليها، بالإضافة لفحص جميع التصاريح التي يتم منحها لأصحاب المفرخات السمكية وبيان الإجراءات التي تتخذ قبل وبعد إصدار التراخيص ومدى مطابقتها لأحكام القانون ومعرفة إدارة التفتيش المالي والإداري بالديوان العام”.

هذا هو قرار المحافظ، فكيف استقبل أصحاب المزارع والمفرخات السمكية القرار؟

يقول أ. ع، أحد العاملين في مزرعة سمكية بكفر الشيخ: “التعامل مع الزريعة صار أشبه بالتعامل مع المخدرات.. كل بضعة أيام نسمع عن أن فلانا تم حبسه ومصادرت سيارته لأنه يتاجر في أسماك الزريعة، بما في ذلك زريعة البلطي، لذا نرى جميعا أن حرفتنا في خطر”.

حملات مصادرة

في أكتوبر الماضي شنت المحافظة حملة عنيفة على تجار الزريعة بالبرلس أسفرت عن ضبط 6 أطنان من أسماك الزريعة الصغيرة، كما ضبط المحافظ بنفسه أثناء عودته من تفقد أحد المشروعات بمطوبس سيارتين محملتين بـ12 مليون وحدة أسماك تقدر بحوالي 2 طن و400 كم زريعة أسماك، وتم التحفظ على السيارتين وحبس أصحابها على ذمة التحقيقات.

الهجوم الشديد الذي تشنه المحافظة يبدو غريبا، خاصة أنه يحدث للمرة الأولى في تاريخ المحافظة، وبحسب أصحاب المزارع والمفرخات السمكية فأسماك البلطي تحديدا ستتضرر كثيرا من قرار منع نقل الزريعة إلى المحافظات الأخرى، باعتبار أن كفر الشيخ تنتج أكبر نسبة من زريعة البلطي، واعتبر أصحاب المزارع والجمعية العامة للثروة السمكية بالمحافظة أن هذا القرار “غير المدروس” سيتسبب في مشاكل كارثية سترفع أسعار البلطي لأكثر من 20 جنيه للكيلو، لقلة المعروض منه في الأسواق نتيجة عدم وجود الزريعة، كما سيؤدي لنسبة عجز قد تصل إلى 40% من إنتاج أسماك البلطي من المزارع خلال عام 2017، وفقدان مصر أمنها الغذائي من الأسماك بحلول العام الجديد.

المهندس أحمد الشراكي، رئيس الجمعية العامة لمنتجي الأسماك بكفر الشيخ، يعتبر أحد أهم العاملين في هذا المجال على مستوى الجمهورية.. يقول إن المزارع بكفر الشيخ مهددة بالإفلاس نتيجة لارتفاع أسعار الأعلاف بصورة غير مسبوقة مع زيادة أعباء الضرائب المتحصلة من عمليات البيع، والأهم من ذلك قرار المحافظ بمنع بيع الزريعة للمحافظات المجاورة.

وأفاد بأن أحد العاملين معه تعرض للحبس نتيجة لنقل أسماك زريعة من مفرخ سمكي إلى مزرعة سمكية، وهو ما يتنافى مع المنطق والعقل وشروط العمل في هذا المجال، وهو ما دفع كل من كان ينوي للاستثمار في هذا المجال للابتعاد عنه، كما يهدد أصحاب المفرخات بالإفلاس.

وقال الشراكي إن المحافظ يدعي أنه يود المحافظة على زريعة بحيرة البرلس من التجريف والضياع، خاصة بالنسبة لأسماك البوري، وله كل الحق في الحفاظ على زريعة البحيرة، لكن المفرخات السمكية التي يقوم عملها بالأساس على إكثار الزريعة وتنميتها وبيعها في السوق متضررون من هذا القرار، كما أن أصحاب المزارع السمكية أنفسهم يملكون أسماك زريعة بوفرة، ويعملون على إكثارها ولذا فلهم كل الحق في بيع زريعتهم طالما أنها تخرج من المزارع السمكية وليس البحيرة.

وأضاف أن المحافظة تسعى لتحصيل أموال إضافية من المزارع السمكية والمفرخات، بخلاف ما تتحصل عليه هيئة تنمية الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة، وهذه “خناقة بين أطراف الحكومة لا علاقة لنا بها”.

سحب التصاريح

وفي مذكرة رسمية تقدم بها الشراكي لمحافظ كفر الشيخ، أكد على توقف الإنتاج من المصادر الطبيعية حتى وصل الاستزراع السمكي حوالي 75% من الإنتاج الكلي لمصر، ويرجع الفضل في هذه الزيادة إلى المفرخات السمكية الأهلية في كفر الشيخ التي وفرت الزريعة إلى المزارعين في جميع أنحاء الجمهورية، والتي حافظت على الزريعة الموجودة في المصادر الطبيعية لأنها أفضل من حيث النوعية والتجانس في العمر والحجم، حيث وصل إنتاج مصر إلى أكثر من مليون ونصف طن من الأسماك احتلت به مصر المرتبة الثامنة عالميا في الاستزراع السمكية، والمرتبة الثانية في إنتاج البلطي عالميا بعد الصين والأولى في إنتاج البوري، دون أن تتكلف الدولة جنيها واحدا.

ويمضى الشراكي في مذكرته قائلا أن المحافظ أصدر قرارا بسحب تصاريح نقل الزريعة، ومنذ ذلك الوقت توقفت هيئة الثروة السمكية عن إعطاء تصاريح جديدة، وبدأت شرطة المسطحات المائية في توقيف سيارات نقل الزريعة حتى المنتجة من المفرخات المرخصة وأصبح الموقف مأساويا للغاية، حيث توقف العمل في المفرخات لرفض السيارات نقل الزريعة المنتجة منها، وأصبح آلاف العمال في المفرخات مهددون بالبطالة والتشريد، والأهم فقد محافظة كفر الشيخ ريادتها في الإنتاج حيث تنتج أكثر من 80% من زريعة البلطي.

هلاك زريعة البلطي

كما بعث محمد الفقي، رئيس الاتحاد التعاوني للثروة المائية، بمذكرة إلى الدكتور عصام فايد، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، حذر فيها الحكومة من هلاك زريعة أسماك البلطي. وقال في مذكرته إن الاتحاد يتفق مع قرار محافظ كفر الشيخ في منع نقل زريعة البوري أو أية زريعة من المصايد الطبيعية، لأهمية ذلك في حماية المصايد البحرية وتنميتها والتي تتعرض للاستنزاف نتيجة الصيد المخالف لها، كما اتفق الاتحاد مع المحافظ في اقتصار نقل الزريعة على المفرخات المرخصة، ولكننا لا نتفق معه في طول أمد الإجراءات المشار إليها في قراره، وهو ما سيؤدي لهلاك زريعة الأسماك وعدم وصولها في الوقت المناسب.

وفي السياق ذاته، أكد الفقي في مذكرة رسمية منفصلة إلى اللواء سيد نصر، محافظ كفر الشيخ، أن المصدر الوحيد لإمداد المزارع السمكية بزريعة البلطي وغيرها من الأصناف هي المفرخات، وأن تسهيل إجراءات نقل الزريعة من المفرخات المرخصة إلى المزارع السمكية في أسرع وقت هو الضمان الوحيد لاستمرار تلك المزارع في الإنتاج، واستمرار ريادة محافظة كفر الشيخ لهذا القطاع الإنتاجي الحيوي.

وطالب الفقي في مذكرته المحافظ بأن تحمل سيارة نقل الزريعة بيانا معتمدا من المفرخ موضح به الكميات وساعة التحرك والجهة المنقول منها وإليها دون إخطار الجهات الأخرى، لتفادي هلاك الزريعة بسبب طول الإجراءات وضمان وصولها إلى المزارع في الوقت المناسب، على أن تقوم الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية بإخطار جميع الجهات المنصوص عليها في الكتاب الدوري الصادر عن المحافظة.

مهددون بالإفلاس!

ومن جانبه، يقول ضياء ……، صاحب مزرعة سمكية بكفر الشيخ، بكثير من الإحباط: قطاع الاستزراع السمكي يموت فعليا مع الوقت، بسبب عدم وجود تسويق جيد للبلطي، ولأن كم الإنتاج في الأسواق أكبر من الطلب ومن القوة الشرائية للمستهلكين، فضلا عن قرار المحافظ بحظر نقل الزريعة إلى المحافظات الأخرى.

وأوضح أن تكلفة إنتاج 5 أطنان من سمك البلطي يحتاج لـ9 أطنان من العلف، ويباع الطن الواحد بـ6 آلاف جنيه على أقل تقدير، وهو ما يعني أن الكثير من أصحاب المزارع أصبحوا يحققون هامش ربح ضئيل للغاية وفي بعض الأحيان لا يكسبون مليما من مزارعهم، لكنهم تراجعوا عن إغلاق المزارع حتى هذه اللحظة لأنها الحرفة التي يعرفونها ويضعون فيها استثماراتهم.

وأفاد بأن تكلفة إيجار أراضي المزارع وصلت إلى 7 آلاف جنيه سنويا للفدان، إضافة إلى الأموال التي تتحصل عليها هيئة الثروة السمكية، متسائلا: لماذا تسعى محافظة كفر الشيخ لإلزامنا بدفع أموال ورسوم إضافية لها، في حين أنها لا تهتم بتنمية الثروة السمكية؟

وحول أنواع الأسماك المستزرعة في كفر الشيخ، أشار إلى أن معظم إنتاج أسماك البلطي المستزرع يأتي من المحافظة، كما يتم استزراع القراميط والبوري وبعض أصناف المبروك والثعابين، لكن هذه الأنواع وغيرها لا تصمد كثيرا أمام الأسماك الصينية المستوردة بأسعار بخسة والتي تتربى في بيئات شديدة القذارة وللأسف يقبل عليها الكثير من المستهلكين بسبب قلة أسعارها.

وبينما يواجه قطاع الثروة السمكية حصارا بالمشكلات على مدى الأشهر الماضية، أوقفت المملكة العربية السعودية استيراد أسماك البلطي من مصر الأسبوع الماضي، وتعتبر السعودية أكبر مستورد لأسماك البلطي على مستوى الدول العربية، وهو ما يزيد من الأزمة احتداما، خاصة وأن السعودية لم تبلغ المصدرين المصريين للأسماك أسباب التوقف عن استيراد البلطي حتى هذه اللحظة، بينما لا تسعى الحكومة لفتح أسواق للخارج، بحسب قول العديد من أصحاب المزارع السمكية الذين أكدوا أن مكاتب التمثيل التجاري في الخارج لا تهتم بتسويق السمك المصري.

ويقول محمد عبدالله الأسمر، صاحب مزرعة أسماك، إن أسماك المزارع آمنة بنسبة كبيرة، وكل ما نريده من الهيئات الحكومية بما في ذلك هيئة الثروة السمكية والخدمات البيطرية تصريحا لأصحاب المزارع السمكية بأنها تعمل بطريقة آمنة، وغلق المزارع السمكية غير المطابقة للمواصفات المصرية.

قرار معيب

ومن جانبه يرى الدكتور عبد العزيز نور الدين، أستاذ الثروة السمكية بجامعة الإسكندرية، أن قرار محافظ كفر الشيخ بمنع نقل الزريعة إلى المحافظات الأخرى بأنه قرار “معيب”، مضيفا أن أي قرارات تتخذ بطريقة غير مدروسة لا يعول “ومحدش بيعمل لها حساب”، فالمعروف والثابت أن أكبر نسبة من أسماك الزريعة تأتي من كفر الشيخ عبر المزارع السمكية والمفرخات، ويجب أن يفرج عن هذه الزريعة فورا حتى لا تختنق الثروة السمكية أكثر من ذلك، وعن طريق البحر وبحيرة البرلس، وهنا يجب اتخاذ قرارات رادعة لمن يتاجر فيها ويحق للمحافظ مصادرة السيارات التي تبيعها فورا.

وتابع الدكتور عبد العزيز نور: أنا الآن في الإسكندرية، ولو أردت شراء زريعة من كفر الشيخ في أي وقت سأشتريها وسأجد مائة تاجر يرسل إليّ الزريعة، لأن العبرة ليست في اتخاذ قرارات عنترية بدون دراسة، وإنما في اتخاذ قرار يأتي لمصلحة الجميع حتى يتم تطبيقه”.

واختتم نور كلامه بتقديم نصائح هامة لأصحاب المزارع السمكية، ومعظهم يربي الأسماك في مياه الصرف الزراعي بموجب القانون المصري، قائلا أن هناك حلولا كثيرة لتقليل نسبة العناصر الثقيلة في الأسماك نتيجة للتربية في مياه الصرف، والتي تضر المستهلك أيضا، وأهمها تقليل نسبة الأمونيوم من المياه التي تتربى فيها الأسماك، لأنها تتسبب في الضغط على الأسماك وتجعلها عرضة للإصابة بالأمراض المختلفة، ويأتي ذلك عن طريق إدخال مصادر للكربوهيدرات للمياه التي تتربى فيها الأسماك، لزيادة مناعة الأسماك من الأمراض، عن طريق وضع المولاس أو مخلفات قصب السكر أو مخلفات الصوامع من الحبوب في المياه، لتحصين الأسماك ورفع مناعتها، كما أنها لا تحتاج لكميات زائدة من الأعلاف.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى