رأى

في بيتنا قيادة صغيرة

أ.د/هالة يسري

بقلم: أ.د/هالة يسري

أستاذ علم الاجتماع ـ مركز بحوث الصحراء

تأتى نسمات الصيف مهللة بقدوم الأجازة الصيفية، والانتهاء من عناء الدراسة والاستذكار بما فيها من مساحات وقتية مرنة لقضاء وقت الفراغ. وتبدأ رحلة الأمهات السعيدات بانتهاء الأعباء الدراسية من مذاكرة، الى متابعة، وتحمل ضغوط ونتائج الامتحانات، ورحلة أخرى للأمهات المبتأسات اللاتى يستشعرن أن الأجازة الصيفية عبئا جسديا ونفسيا عليهن. وتختلف الرحلة بين السعادة والتعاسة حسب أعمار الأبناء وهل هم فى مرحلة الطفولة، أو المراهقة، أو الشباب، ومدى اضطلاع الأم فى أعباء الدراسة والحياة المدرسية.

من الهام والمفيد أن تتحاور الأسر حول كيفية قضاء الأجازة الصيفية وأن تضع الرؤية حول كيفية الاستفادة القصوى بها، والاستثمار فيها اقتصاديا بالعمل بعض الوقت حتى نربى ابنائنا على الاستقلالية والاعتماد على الذات حتى ولو بقدر طفيف، وكذلك الاستثمار فى العلاقة بالأهل والأقارب وخاصة من لهم جذورفى المناطق الريفية، حتى يستعيدوا أواصرالمحبة والود وتقوية صلة الرحم بين الأسر والعائلات وتشجيع السياحة الريفية. فالاستثمار فى بناء الفكر والشخصية المثقفة المتطورة وبناء فكر وعقل ووجدان الأبناء أحد أهم أدوار الأم القوية والمؤثرة وذلك من خلال القدوة الحسنة، والتقويم الإيجابى المستمر بالمشاركة.

ويجب على الأسر أن تعتبر الأجازة الصيفية فرصة ذهبية للاستزادة المعرفية، وتقوية العلاقات الأسرية والعائلية، وبناء الفكر وتوسيع المدارك والأفق، من خلال التخطيط المحكم للاستثمار فى هذه الفترة، ووضع جدول زمنى للزيارات الميدانية للمتاحف المختلفة للاطلاع على ميراثنا الحضارى الثرى الفرعونى والصناعى والزراعى والحربى والفنى والثقافى، مع زيارة قصور الثقافة، والمسارح بأنواعها المختلفة، والاستمتاع بالفرق الموسيقية فى أنحاء المعمورة، ولا يجب أن ننسى أن التحرك والسفر جغرافيا شرقا الى سيناء وموانىء البحر الأحمر وغربا الى مطروح وسيوة، وشمالا الى بورسعيد ورشيد والاسكندرية، وجنوبا الى الأقصر وأسوان وأبو سنبل، يفتح أذهان أبنائنا على التنوع الثقافى الرائع فى كافة أرجاء المحروسة. فالشعب المصرى العريق ذو مزيج حضارى متميز للغاية، والذى نتج من إنصهار الحضارات المتعاقبة عبر العصور فهذا هو التميز المصرى.

يجب أن تنتهز الأسر المصرية فرصة الأجازة الصيفية لكى تبذر بذور الولاء والانتماء لدى أبنائنا، من خلال تشبعهم بالمعارف وتاريخ الحضارات المتعاقبة والتعرف على عظمة المصريين عبر العصور، وتعرفهم على جغرافيا البلاد، والحروب والمعارك التى خاضها الوطن للحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه، بالإضافة لمعرفة الموارد الطبيعة وزيارة المحميات الطبيعية، والمناقشة المستمرة عن كيفية حماية البيئة الطبيعة والحفاظ عليها واستثمارها بشكل مستدام.

وتنتهى الأجازة بعد ذلك بحصيلة معرفية متنوعة ثقافيا وفنيا وسياحيا وتاريخيا وجغرافيا، ولكى تتضاعف الاستفادة فيجب على الأطفال والشباب أولا: القراءة عن كل مزار قبل الزيارة، ثانيا: توثيق هذه الزيارات إما بالكتابة، أو بالتصوير، أو بالرسم، وثالثا: مشاركة الأصدقاء هذه الخبرات الجميلة حتى تعمم هذه التجارب ويستمر المجتمع المصرى فى تميزه المثقف والمبدع.

إذن الأمر بين يديك الآن فى البدء بصناعة قيادة مستقبلية مثقفة واعية، ففى بيتك مشروع قيادة صغير، تحتاج الدعم والمساندة لضمان مستقبل باهر بقيادات قادرة على تحمل تبعات التنمية والتطوير.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى