رئيس التحرير

طاغوت الاستمارة البحثية بمركز البحوث الزراعية!

بقلم: د.أسامة بدير

يقينى أن مركز البحوث الزراعية أحد أهم الأذرع البحثية لـوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى وبدونه لا يمكن تصور كيفية الوضع وحجم الأداء والإنجاز الذى يمكن أن تؤديه الوزارة بالشكل الذى يؤمن مقدرات غذاء ملايين المصريين فى إطار من الحوكمة الرشيدة لإعداد وإنتاج البحوث الزراعية التى حتما سيعودها مردودها على الأمن الغذائى والاقتصاد الوطنى دعما وانطلاقا وتنمية.

مركز البحوث الزراعية يعتبر من أهم المراكز البحثية ليس فى مصر فحسب، بل وفى منطقة الشرق الأوسط رغم ما يعانيه من ضعف الإمكانيات اللوجستية والموارد المالية التى تحد من تأدية دوره بكفاءة وفعالية لتحقيق النهضة الزراعية الكبرى، فى إطار استراتيجية التنمية الشاملة والمستدامة 2030 التى قام بوضعها خبراء الزراعة فى مصر معتمدين بشكل رئيسيى على المركز وباحثيه فى تنفيذ بنود وعناصر تلك الاستراتيجية التى تهدف إلى تحقيق طفرات كبيرة فى الإنتاج الزراعى وتعظيم الاستفادة من المحاصيل الزراعية خاصة الاستراتيجية بالوضعية التى تنهض بـاقتصاد المجتمع.

لقد كان مركز البحوث الزراعية ولايزال منذ إنشاءه عام 1971، بموجب قرار الرئيس الأسبق محمد أنور السادات – 16 معهداً و10 معامل مركزية و23 إدارة تجارب زراعية، و19 محطة بحوث – صرح كبير يضم أكثر من 13 ألف باحث فى مختلف التخصصات الزراعية، التى بلا شك قدمت العديد من الابتكارت الزراعية التطبيقية وساهمت بشكل كبير فى تقليص الفجوة الغذائية وتنمية الصادرات الزراعية المصرية.

ولما كان الدور المتميز الذى يقوم به مركز البحوث الزراعية من غير تهليل أو تمجيد أو ترويج إعلامى على اعتبار أنه أساس عمل وزارة الزراعة وإنجازاته دائما ما تنسب للوزارة، فباحثيه يعملون فى صمت مطبق رغم كم هائل من الضغوطات التى تنهش تفكيرهم العلمى، وقصور البنية التحتية والفوقية اللازمة لإتمام البحوث العلمية بالشكل والمضمون العلمى الصحيح، بات لازما أن نقف أمام هذا الصرح البحثى الشامخ لنرصد هموم وإشكاليات ربما تسرع بانهياره وانتهاء دوره المتميز فى توفير الأمن الغذائى الذى يعد أحد أهم عناصر استقرار الدولة المصرية بأسرها.

ومن بين أهم ما يتعرض له الباحثين بـمركز البحوث الزراعية من ضغوط ما يسمى “الاستمارة البحثية” التى تمثل عبء ثقيل وطاغوت يقتل ويدمر كل فكر وإبداع لشباب الباحثين خاصة من يفكر منهم خارج الصندوق، كما أنها بمثابة أداة لفرض الوصايا العلمية على التفكير العلمى، وقيد كبير يكبل الانطلاق نحو التميز والوصول إلى الحقيقة التى تساعد فى رفع المعاناة عن المزارع وعلاج كثير من الأمراض المزمنة للزراعة المصرية.

ومن غير الدخول فى شرح ماهية “الاستمارة البحثية” وكونها أضحت أداة روتينية كفرت بكل القوانين واللوائح  العلمية فى كل دول العالم المتقدم وتستخدم فى محفل علمى عريق هو مركز البحوث الزراعية الذى من المفترض أن تكون جميع أدواته البحثية فوق مستوى الشبهات، من أجل مزيد من التميز والإبداع والانطلاق نحو إعداد وتنفيذ المنتجات البحثية ذات الأثر التطبيقى المباشر على القطاع الزراعى بمجالاته الأربعة النباتى والحيواتى والداجنى والسمكى.

لقد وصلنى خلال الفترة الأخيرة عشرات المئات من استغاثات الباحثين بـمركز البحوث الزراعية تشتكى وتعلن تذمرها الشديد من قهر وظلم بات أقرب إلى السلوك الممنهج الذى يمارس ضد أفكارهم البحثية بسبب إصرار إدارة المركز على استمرار العمل بـ”الاستمارة البحثية” بحجة أنها تحفظ حقهم فى البحث الذى يتم إعداده.

ولست هنا بصدد الحديث عن تفاصيل “الاستمارة البحثية” ورحلة العذاب التى يتعرض لها الباحث حال قراره إعداد وتنفيذ أحد بحوثه الخاصة بالترقية العلمية، فسطور المقال موجة للباحثين الذين يعانون أشد المعاناة بسبب هذا الطاغوت المسمى “الاستمارة البحثية“، فضلا عن تسليط الضوء على هذه الإشكالية الخطيرة التى باتت تهدد إجراء البحوث العلمية المتميزة بالمركز.

الشاهد، أننى أرفض شكلا وموضوعا جميع أشكال الوصايا العلمية التى تفرض على الباحثين فى مركز البحوث الزراعية بجج وهمية من خلال إجراءات إدارية عقيمة لا طائل منها سوى تكريس لمفهوم “الدكتاتورية العلمية“، لنرفع جميعا أيها السادة الشعار الذى رفعته الثورة الفرنسية “اتركه يعمل.. اتركه يمر”، الحرية والأمانة والابتكار هى عناصر أساسية ينبغى أن تتوافر لدى الباحث، وفى المقابل لابد أن تثق إدارة المركز فى الباحث إلى أن يثبت عكس ذلك، وعندها لابد من توقيع أشد العقوبة عليه كونه خان أمانة البحث العلمى فلا يستحق أن يكون من بين أصحاب هذه المهنة الراقية.

وأخيرا، أطالب جميع الباحثين بـمركز البحوث الزراعية المتضررين من تعنت “الاستمارة البحثية” وأضرارها التى تحول دون إنجاز عملهم بحرية كاملة، بالتواصل المستمر مع إدارة المركز للحوار بشكل يليق بمجتمع علمى عبر أسلوب متحضر فى مناخ من الود والاحترام، من أجل عقد جلسات استماع مع من يمثل إدارة المركز فى هذا الشأن وهى الدكتورة شيرين عاصم وكيل المركز لشؤون البحوث، واعتقد أنها نموذج مشرف للمرأة العالمة والباحثة المتميزة، وظنى بها أنها لن تتأخر فى التواصل الإيجابى والحوار مع من يمثلون الباحثين لشرح رؤيتهم بشأن “الاستمارة البحثية” من أجل حسم هذه الإشكالية فى أسرع وقت ممكن من غير تسويف أو تأخير، لأن الوضع أضحى ينذر بكارثة، فالنار تحت الرماد.

وفى ذات المقام، ومن غير التعدى أو الخروج عن إدارة مركز البحوث الزراعية، بشأن إشكالية “الاستمارة البحثية” وما تسببه لجموع الباحثين من تعثر فى أداء عملهم بحرية، جاء هذا المقال تواصلا مع الدكتور عز الدين أبوستيت وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، الذى أعلم علم اليقين أنه يتابع كل ما يكتب فى موقع “الفلاح اليوم“، خاصة مقالى الأسبوعى، ويأخذه بعين الجد والاعتبار.

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى