رأى

سد النهضة.. الاتحاد الأوروبي.. الهجرة غير الشرعية

أ.د/هالة يسري

بقلم: أ.د/هالة يسري

أستاذ علم الاجتماع ـ مركز بحوث الصحراء

تتقاطع الكثير من أخبار سد النهضة مع الاتحاد الأفريقى، والولايات المتحدة الأمريكية، والأمم المتحدة، وفيما ندر نجد دولة او أثنين من الاتحاد الأوروبى تشير إلى أهمية وجود شرعية دولية لإدارة الأزمة. هل غاب عن الدول الأوروبية معنى عدم اضطلاعهم فى مباحثات سد النهضة وأهمية الفهم الحقيقى لأبعاد الأزمة الأقليمية، وتبعاتها وعواقبها، هل أعتبروا أن هذه الأزمة إقليمية وهم بمنأى جغرافى عنها، هل القيادة والسيادة العالمية التى يسعون ويروجون لها تتشكل بعيدا عن المسؤليات تجاه العالم والمحيط الإقليمى!!!

تخوض مصر والسودان معارك ديبلوماسية متعددة الاتجاهات، والتخصصات، لتوضيح الأبعاد الفنية والتقنية والاستراتيجية والتاريخية للسد، والمراحل المتعددة التى خاضها المفاوضون والفنيون منذ أكثر من عشرة أعوام، محاولين بالطرق السلمية والديبلوماسية الدولية وكافة الأساليب القانونية، ولكن آثرت إثيوبيا إلا أن تلعب دورا أحاديا استفزازيا مراوغا، ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق الدولية، والمعاهدات القانونية والتى سبق وأن أبرمت ووقعت عليها، مما يضع المنطقة بأسرها أمام معضلة وعلى فوهة البركان.

وأما البركان فهو إندلاع حرب – لا نسعى إليها وعلى ما يبدولا مناص منها – حرب يمكن أن تأتى على الأخضر واليابس، حرب تتعدى الحدود، حرب تهدم بدلا من محاولاتنا المستمرة للبناء والتنمية. حرب من أجل البقاء والحياة، لا ينظر وقتها للخسائر، ولكن ينظر لحق المصريين والسودانيين فى الحياة، وهى اللبنة الأولى لـحقوق الإنسان.

مصر والسودان يسعيان الى الأمان والاستقرار والرخاء لبلادهما وإثيوبيا وكل الدول الأفريقية بل والعالم بأسره، فنحن دعاة سلام والتاريخ يثبت أننا لم نعتد على أى دولة فى الماضى، أما إن كان الخيار الآخر ودقت طبول الحرب، فنحن لها وسنقف بمنتهى الحزم والحسم والقوة خلف قادتنا ونتحمل مسؤلياتنا كمواطنين بكل صلابة، ونساند قاداتنا فى قراراتهم، ونقف حائط صد منيع كبنيان مرصوص.

كلنا يعلم أن هناك موجات بشرية هاربة من مناطق التوتر الى الشمال، حيث يذهب الفارين من الحروب القائمة الى الدول الأوروبية سعيا وراء الحياة وهروبا من قسوة الحروب، وبالطبع تزداد معدلات الهجرة غير الشرعية من مناطق الالتهاب العسكرى، الى مناطق أكثر هدوءا واستقرارا وأيضا سعيا وراء لقمة العيش حتى وإن ساقهم مصيرهم إلى الإنتحار فى مراكب الموت لعبور البحر المتوسط.

وكما عانت الدول الأوروبية من حملات نزوح أخوة عرب فى السنوات الماضية، وقبلها من هجرة آسيوية من مناطق نزاعات وحروب، لذا هنا يجب أن يدق جرس إنذار مرة أخرى لتتحمل الدول الأوربية مسؤلياتها التاريخية تجاه قضية هامة وشائكة، وتتدارس تأثيراتها علي الدول الأوروبية المستقبلة المؤكدة والمحتومة. والهجرة غير الشرعية هى أحد جوانب هذه القضية، والتى ترمى بظلالها الكثيف على بلدان الاتحاد الأوروبى. ولكن هناك أبعاد أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية واستراتيجية، وسيتحمل المواطن الأوروبى تكلفة سكوت، أو تعضيض، أو إهمال الدخول فى هذا المعترك من قبل القادة الأوروبيين لحل أحد أهم القضايا الخلافية ألا وهو سد النهضة والتصرف كعنصر محايد، لا يقف مع جانب على حساب الآخر.

مرة ثانية أهيب بقادة الرأى والفكر والمحللين السياسين فى أوروبا أن يدلوا بدلوهم فى تعظيم دور الاتحاد الأوروبى لحل مشكلة سد النهضة، مع الإشارة الى التبعات المحتملة حال نشوب الحرب وخاصة مشكلة النازحين والهجرة غير الشرعية التى قد تتسبب فى أزمات اقتصادية فى الدول المستقبلة، وزيادة معدلات البطالة لوجود منافسة قوية من أيدى عاملة رخيصة الثمن لاتسعى إلا للحصول على الغذاء والسكن. وإرتفاع الجريمة وظهور العديد من الأمراض الاجتماعية الجديدة أحد مظاهر تداعيات الهجمات البشرية غير المنظمة على الدول الأوروبية. فالعالم قرية صغيرة.

حفظ الله العالم من شر الحروب وعدم رشادة الطرف الإثيوبى فى التعامل والمراوغة بمستقبل حياة ملايين من البشر فى مصر والسودان. وتجاوزه الى القارة السمراء والقارة الأوروبية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى