ع الزراعية

ذكريات على الجسر!

بقلم: د.مدحت مراد

زمان .. وقت ما كانت الدنيا أمان .. كان جدى ياخدنى معاه  .. نروح غيط لسه فاكر هواه! نقعد سوا على جسر خشبى قديم .. كان بيطقطق ويئن بصوت أليم  ..  لسه فاكره رغم مرور السنين .. وفى نفسى له ذكريات وحنين ! هو حد ينسى تاريخ إتعلم فيه .. فى لحظة بيشوفه قدام عينيه .. ع الجسر ده جدى علمنى كتير .. ولانه كان راجل طيب وأمير.. البلد كانت دايما تستشيره .. والمظلوم كان دايما يجيره!

جدى فى الزراعة كان أستاذ .. هو الحكمة والعقل والملاذ .. كان الله يرحمه غاوى زراعة الجناين .. وأثره فيها دايما كان واضح وباين .. ورغم ضعف وقلة الإمكانيات وقتها .. كل مشكلة كان ليها حل فى وقتها!

جدى فى يوم .. صحى بدرى من النوم .. طلع فى دماغه يزرع حتة صحرا جنب البلد  .. قال لى شد حيلك ياولد .. دى هانزرعها عنب .. صحيح ها تاخد مجهود وتعب .. بس إن شاء الله ها تأكلنا الشهد .. وربنا ها يعين لو إشتغلنا بجد.

قلت له إشمعنى العنب؟ رد جدى وقال .. العنب صحيح عايز تعب ومجهود .. لكن فايدته مالهاش حدود .. الناس تاكله طازه أو تاكله زبيب .. واحلى هدية تبعتها لحد حبيب! وممكن يبقى مربى وعصير .. وألوانه وفوايده كتير  .. وبيعملوا منه زيت للشعر وبلسم للشفايف .. يعنى تزرعه وإنت مش خايف . بس عشان تزرعه لازم تاخد بالك .. عشان ما تضيعش وقتك ومالك .. هانزرعه أخر الشتا وبداية الربيع  .. عشان نضمن المجهود ما يضيع .. يا إما تزرعه بالشتله أو العقلة بعد ما تخترهم صح  وتزرعهم بالطريقة الصح .. يعنى الشتلة يكون عمرها سنة وقوية ..مفرودة مش متنية .. وجذورها متوزعة حواليها تمام  .. عشان تكبر بعد كده بسلام  ..

بعد كده جدى إختار .. حته واسعة خالية من الأشجار .. شمسها طالعة وصرفها شغال  .. حدد مكان الجور وحفرها مع العمال .. حطوا فيها السماد البلدى والسوبر فوسفات .. وزرعوا بعد كده الشتلات .. وبعدين فتحوا المية عليها بهدوء .. عشان الآرض  تاخد كفايتها والشتلات تسترد عافيتها.

جدى والعمال عملوا تعريشة بسيطة من الخشب والأسلاك  .. أنا فاكر جدى بعد سنة قلمها وشال الفروع الضعيفة والقوية علمها .. ده كان على ما أظن آخر الشتا عشان نتلاشى الصقيع بدل مجهود السنة ما يضيع! إهتم جدى بإزالة الحشائش والنباتات الغريبة وقالى التعب ده هو الضريبة عشان ربنا يبارك وكافح الأمراض والحشرات والنيماتودا لما كانت بتشارك!

دلوقتى كل ما أروح ناحية الجسر..  على طول .. دايما بأقول  .. الله يرحمك ياجدى …وحشتنى ياللى كنت معلمى وسندى .. وكل ما أمد إيدى أقطف عنقود .. أفتكر جدى واللى زيه من الجدود .. لولا زرعهم الله أعلم كان ها يبقى إيه حالنا .. وإيه اللى كان ها يجرالنا! دى كانت ذكريات وحكاية مش ها تتنسى .. مهما العمر فات!.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى