رأى

خواطر وطنية بعيداً عن السياسة

أ.د/حمدي المرزوقي

بقلم: أ.د/حمدي المرزوقي

تجري علي الساحة في الآونة الاخيرة محاولات مستميتة من اجل النيل وتهميش مركز البحوث الزراعية، وتتراوح شدة تلك المحاولات بين الهدم المادي وذلك بتقليص الميزانية الخاصه بالمركز وتخفيضها من حوالي ٥٠٠ مليون جنيها في العام حتي وصلت في السنوات الأخيرة إلي حوالي ثلاثة ملايين جنيها في العام.

ناهيك عن محاولات الهدم الأدبي للمركز وذلك بالتقليل من الدور المنوط به أو الإقلال من حجم علمائه، ولهذا سوف نحاول في تلك السطور ما أمكن توضيح دور المركز والهدف من إنشائه والتلميح إلي بعض الإنجازات التي قام بها.

إنشأ مركز البحوث الزراعية بالقرار الجمهوري رقم ٢٤٢٥ لسنة ١٩٧١، وذلك بهدف تنميه القطاع الزراعي بمصر عن طريق إجراء البحوث العلمية التطبيقية في شتى مجالات البحث العلمي الزراعي وتشمل مجال الأراضي والمياه والقطن والمحاصيل الحقلية والبستانية والمحاصيل السكرية والآفات والأمراض ووقايه النبات والإنتاج الحيواني وصحة الحيوان والهندسة الزراعية والاقتصاد والإرشاد الزراعي وكل ما يؤدي إلي النهوض بالإنتاج الزراعي بمصر وذلك باتباع الاختصاصات التالية:

(١) وضع البرامج البحثية والإرشادية وتنفيذها مع القيام بالبحوث التطبيقية للنهوض بالإنتاج الزراعي في كافه الميادين وبحث المشكلات الزراعيه المختلفه بغرض إيجاد انسب الحلول لها.

(٢) نشر نتائج البحوث والعمل علي الاستفادة منها من خلال إرشاد المزارعين والمنتجين.

(٣) توثيق العلاقات مع الهيئات الخارجيه والدوليه وتبادل البعثات الزراعيه وإيفاد المبعوثين للدراسات العلميه الأكاديمية والتدريبية بالداخل والخارج.

(٤) الاشراف على محطات البحوث الزراعية (حوالي ٥٠ محطة بحثية) المنتشرة في أنحاء الجمهورية وتنفيذ التجارب العلميه بها.

(٥) وضع وتنفيذ سياسه تجديد وأكثار الاصناف المحسنة من جميع المحاصيل الزراعية وإنتاج تقاوي الأساس والمسجلة.

(٦) يقوم المركز بتدريب الكوادر الإرشادية لنشر حزمه التوصيات الفنية من الباحث العلمي إلي المزارعين والمنتجين.

ومن اجل تحقيق تلك الأهداف المنشودة يضم المركز حوالي ١٦ معهدا بحثيا بالإضافة إلي أكثر من ١٠ معامل مركزية تعمل في مجالات التحليل الإحصائي والمبيدات والحشائش والنخيل والثروه السمكية والتغيرات المناخية وغيرها.

كما يضم مركز البحوث الزراعية ٢٦ محطه لبحوث المحاصيل الحقلية بمزارعها البحثية والتي تبلغ حوالي ٤ الاف فدان من اجل استنباط وأكثار الاصناف والهجن من مختلف المحاصيل، وهناك أيضا ٦ محطات بحوث بستانية لاستنباط محاصيل الخضر والفاكهة، وايضا ١٢ محطه إنتاج حيواني يجري بها تربيه وإنتاج العديد من السلالات الممتازة من الحيوان والماعز والأغنام والدواجن والارانب.

ويضم المركز حوالي ١٢ ألف من العاملين وفي مختلف الدرجات العلمية، منهم الآلاف من الحاصلين على درجة الدكتوراه من الجامعات المصرية والعالمية، وتتوزع تلك الكوادر البحثية المشار إليها عالية وبنسبة تصل إلى ٨٠ و٩٠% علي مختلف المحطات البحثية، والتي يصل عددها حاليا إلي حوالي ٥٠ محطة بحثية موزعة من أسوان جنوبا إلي الإسكندرية وكفر الشيخ ودمياط بالاضافة الي ٢٣ مراقبة لتنفيذ التجارب التأكيدية في حقول المزارعين تنتشر بكافة محافظات مصر.

مما سبق يتضح لنا أن الساده الباحثين والعلماء بالمركز ليسوا مكدسين بالمكاتب بالمركز الريئسي بالجيزة والذي يضم السادة الأساتذة الدكاترة مدير المركز ونوابه والسادة مديري المعاهد البحثية ووكلائهم و السادة رؤساء الأقسام البحثية المختلفه وقليل من السادة الزملاء الباحثين الذين يتعاونون معهم في وضع الخطط البحثية وغالبا ما يتنقلوا إلي جميع المحطات البحثية لمساعدة الزملاء الباحثين بها في تنفيذ التجارب العلمية.

كان لـمركز البحوث الزراعية في النصف الثاني من السبعينات وفترة الثمانينات والتسعينات إنجازات هائلة في استنباط الاصناف المميزة والمتفوقة وخاصة في محاصيل الحبوب الإستراتيجية، فعلي سبيل المثال استنبط البرنامج البحثي للقمح الاصناف جميزة ٥ و٧ و٩ و١٠ و١١، وغيرها من الأصناف المقاومه للصدأ علي ارض محطه البحوث بالجميزة، كما استنبط أصناف تتحمل الملوحة مثل سخا ٩٣ وغيرها (كفرالشيخ)، وايضا أصناف تتحمل الحراره العاليه مثل سدس ١ وبني سويف ٣ وسدس ١٠ علي ارض بني سويف وايضا قمح المكرونة وسوهاج ٣ وغيرها من الأصناف عالية الإنتاجية.

وفي الذره الشامية، تم استنباط العديد من الهجن الفردية والثلاثية البيضاء والصفراء علي ارض محطه البحوث بالجميزة، وكذلك الحال تم استنباط العديد من الهجن الفردية والثلاثيه البيضاء والصفراء علي ارض محطه البحوث بسخا ومازال العمل مستمر رغم الظروف الصعبة.

اما بالنسبة لمحصول الأرز فلقد تم استنباط العديد من الأصناف العالية المحصول والمقاومة للأمراض ومبكرة في النضج علي ارض محطه بحوث سخا مثل سخا ١٠١ و١٠٢ و١٠٣ و١٠٤ وايضا بعض الهجن المتفوقه والتي يصل أنتاج بعضها حوالي ٦ طن فدان، وتعد إنتاجية الفدان من الأرز في مصر الأولي بالعالم وهذا بفضل مجهود علمائه وباحثيه.

وللعلم فإن كل تلك البرامج البحثية المشار إليها تنفق من التمويل الذاتي علي مسيرة البحث العلمي بها دون أي تمويل حكومي، وذلك من الوحدات ذات الطابع الخاص، وكان من ثمره تلك الإنجازات الهائلة أن تم رفع إنتاج الفدان من محصول الذرة الشامية من حوالي ١٠ اردب للفدان حتي وصل إلي أكثر من ٢٥ اردب للفدان، ومن الممكن أن يصل الإنتاج إلي ٣٠ اردب للفدان عند تنفيذ التوصيات الفنية خاصة توفير السماد الازوتي بالكميات الموصي بها وفي الوقت المناسب.

كما زاد متوسط إنتاج الفدان من القمح من حوالي ٨ اردب للفدان في الثمانينيات إلي ما يقرب من ٢٠ اردب للفدان حاليا، اما بالنسبة لمحصول الأرز فلقد زاد متوسط إنتاج الفدان من ٢ طن إلي حوالي ٤ طن، بينما يبلغ محصول بعض هجن الأرز إلي حوالي ٦ طن للفدان.

إن تلك الإنجازات العملاقة التطبيقية خاصة فى مجال المحاصيل الإستراتيجية قد حمت مصر من تعرضها إلي مجاعة غذائية، وهذا ما أكده تكرارا الدكتور عادل البلتاجي الأستاذ بجامعة عين شمس ومستشار السيد الرئيس ووزير الزراعة الأسبق.

من المعروف ان منظومة البحث العلمي وعلي مستوي العالم أجمع يلزم لنجاحها توفير ثلاثة عناصر أساسية وهي الميزانية المناسبة + الاداره القوية + الكوادر العلمية المدربة، وجميعها في مصر حاليا ومنذ عدة سنوات تصل إلى ادني مستوي لها وهي في حاجة ماسة إلي مراجعة علي وجه السرعة.

ان مصر تنفق علي البحث العلمي أقل كثيرا من 5,% من دخلها علي البحث العلمي علي الرغم أن الدستور الجديد ينص على إلا يقل ما يتم صرفه سنويا علي البحث العلمي عن ١% من إجمالي الدخل القومي، في حين نري دول اخري مثل إسرائيل تنفق أكثر من 4,5% من إجمالي دخلها علي البحث العلمي سنويا ولهذا فهي تصدر سنويا اجهزة الكترونية بأكثر من ١٠ مليار دولار.

أن ما يعاني منه مركز البحوث الزراعية مؤخرا من صعوبات ومعوقات في الأداء نتيجه النقص الشديد في الميزانية وعوامل أخرى سبق ذكرها يماثل تماما ما تعاني منه كل المراكز البحثية والجامعات المصرية، ولكن يلاحظ أن الهجمة الشرسة التى يتعرض لها مركز البحوث الزراعية فقط، ويبدوا أن الشجرة المثمرة كثيرة العطاء هي التي تقذف بالحجارة، وأحيانا إلي حد القسوة (ولمن يريد المزيد من المعلومات عن مركز البحوث الزراعية يمكن الاطلاع على كتاب مركز البحوث الزراعية….الماضي – الحاضر – المستقبل ٢٠٠٣).

واذا كان الغرض الأساسي من إنشاء مركز البحوث الزراعية عام ١٩٧١ هو زياده الإنتاجية اي ما يسمي بالتوسع الرأسي بالوادي والدلتا فإنه مما لا شك في أن للمركز دور أيضا في التوسع الأفقي عن طريق زياده الرقعة الزراعية بالأراضي الجديدة، وهذا جزء من مهام لـمعهد بحوث الأراضي والمياه بالمركز.

الا ان الدور الاساسي في التوسع الأفقي وزيادة الرقعة الزراعية يقع على عاتق مركز بحوث الصحراء، وحتي نعرف حجم المشكلة لابد أن نوضح أن مساحة مصر حوالي ٢٣٨ مليون فدان معظمهارضا صحراء المنزرع منها فعلا لا يزيد على ٨,٥ مليون فدان.

لقد بدأ العمل بهذا الصرح العلمي عام ١٩٥٠ وصدر القرار الجمهوري رقم ٩٠ لسنة ١٩٩٠ بإنشاء مركز بحوث الصحراء كهيئة علمية مستقله تختص بكل ما يتعلق بالزراعة والإنتاج الحيواني تحت الظروف الجافة وشبه الجافة، ويتبع المركز حوالي ١٢ محطة بحثية هي رأس سدر والمغارة وكينج مريوط ومرسي مطروح وسيدي براني وسيوه وحلايب وشلاتين وتوشكي والشيخ زويد وبلوظة والقنطرة ومحطة بحوث الطور.

ويمارس مركز بحوث الصحراء نشاطه من خلال أربع شعب بحثية ولكل شعبة نشاطها الخاص مع وجود تكامل بين الشعب من خلال تكوين فرق بحثية متكامله التخصصات تعمل معا في تنفيذ الأنشطة البحثية للمركز، وهي إجراء البحوث فيما يتعلق بالمياه والتربة والنبات والحيوان من اجل تنميه الصحاري، مع دراسة ظاهره التصحر للحد منها والاستجابة لمتطلبات المحافظات ذات الظهير الصحراوي لحل مشاكلها ووضع وتنفيذ البرامج التدريبية للمهتمين باستصلاح وزراعو الصحاري، وايضا وضع وتنفيذ الحقول الإرشادية لتطبيق نتائج البحوث والتعامل مع المزارع مباشرة. كذلك التعاون مع الجامعات بالداخل والخارج بإعداد الكوادر العلمية مع إنشاء بنك المعلومات للموارد الطبيعيه الصحاري المصريه…(المصدر الموسوعة الحرة مركز بحوث الصحراء بمصر).

وتخرج علينا بعض الأقلام بين الحين والآخر بآراء خيالية غير مبنية على قواعد علمية أو مدروسة فعلي سبيل المثال يطالب البعض أن يكون هناك سن للمعاش للعلماء والباحثين مع العلم بأن هذا ليس له مثيل في أي دولة بالعالم ويحضرني في هذا المقام وعند مناقشتي الدكتوراه يناير ١٩٩٠ كان أحد أبرز أعضاء اللجنة العلمية التي ناقشني استاذ من أصول المانيه يبلغ من العمر حينها أكثر من ٨٠ عاما.

لقد انفقت عليا وزملائي بالبعثة الحكومة المصرية الآلاف من العملات الصعبة، ولهذا فنحن مدينين للدولة بالعطاء المستمر حتي نهاية العمر.

ثم ظهر أخيرا من يدعو إلى بيع أرض مركز البحوث الزراعية بالجيزة لأنها تقدر حاليا بالمليارات واخشي أن يخرج علينا في الغد القريب من يقترح بيع أرض جامعة القاهرة أو كليه الزراعة المجاورة للمركز، حيث أنها تساوي المليارات.

اتمني ان تنتهي تلك الدعوات التي لا تعتمد علي أساس من العلم أو المعرفة الصحيحة، ويجب علينا أن نعترف جميعا بأن هناك مشكلات حقيقه تواجه مسيرة البحث العلمي في مصر، ويلزم لحلها توفير الميزانية المناسبة والإدارة العلمية القوية مع الإعداد الجيد وحسن اختيار الكوادر الشابة المدربة سواء في مراكز البحث العلمي أو الجامعات المصرية.

*كاتب المقال: استاذ متفرغ فى معهد بحوث المحاصيل الحقلية بمركز البحوث الزراعية.‏

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى