رأى

خرافة القمح المبرد

د.محمد عبدالحميد عابدين

بقلم: د. محمد عبدالحميد عابدين

طالعت بهدوء شديد موضوع القمح الذي يزرع مرتين بالعام او ما اطلق عليه قمح وزارة الري او القمح المبرد مطلع الاسبوع الماضي، وبالتطرق بعمق وتمعن داخل هذا الموضوع الذي هللت له وسائل الاعلام فور سماعه دون الاستماع لراي رشيد من المتخصصين، طابقت ما قيل بما تعلمناه في الكتب ودرسناه سنوات عديدة علي يد اعظم الاساتذة ودون هجوم او تجريح او تشكيك او تقليل من أي جهد علمي يحتمل الخطأ والصواب، مبدئيا لابد لأي باحث يخوض مجال الزراعة والإنتاج النباتي والتركيب المحصولي ان يدرس مقررات علمية متخصصة تمثل الخلفية العلمية له بكليات الزراعة والعلوم تعني بأساسيات علوم النبات واساسيات علوم المحاصيل وانتاج المحاصيل الاقتصادية وتربية المحاصيل الرئيسية ووراثة النبات وفسيولوجيا النبات وتصميم الدورة الزراعية وتصميم وتحليل التجارب الزراعية حتي يكون ملما تماما بطبيعة المحصول الذي سينفذ تجاربه عليه وبالتالي يتوفر كثير من الوقت والجهد الضائع هباءاً في تجارب علي محصول استراتيجي تزرعه مصر منذ الاف السنين والفلاح المصري أبا عن جد يعرف كل شيء عنه قبل الباحث المتخصص فيه، وعندما نتكلم عن القمح لابد ان نعرف ان هناك فروق بين البذرة والحبة ولا يمكن الا ان نقول حبوب القمح وليس بذور القمح حتي يكون الكلام علميا دقيق والفرق شاسع علميا ما بين الحبة والبذرة، وهل القمح المستخدم ربيعي أم شتوي؟ مع العلم ان اقماح مصر ربيعية تزرع في الشتاء وليست شتوية وهل قمح لإنتاج الخبز ام المكرونة؟ وبالطبع هناك اختلافات.

وبنظرة محايدة للأمر هل قام فريق البحث بنشر نتائج ابحاثه باي دورية دولية علمية متخصصة ولا اظن ان سبق علمي كهذا سيغير خريطة زراعة القمح في العالم غذاء البشرية الاساسي لم يسرعوا بنشره حتي لا تسرق الفكرة ويحافظوا علي ملكيتهم الفكرية وان لا ينشر باقل من الدوريات الدولية العالمية سواء نيتشر او علوم المحاصيل او تربية النبات او حتي فسيولوجي النبات، اما وان النتائج لم تنشر دوليا والا كانوا قد أشاروا لذلك بقوة ونوهوا عنه حتي نتعلم ويتعلم العالم منهم كيفية وطريقة زراعة القمح بتقنيتهم الحديثة بالتبريد في ثلاثة اشهر من منتصف سبتمبر وحتي منتصف يناير للعروة الاولي (وهي حسابيا اربعة شهور وليس ثلاثة !!!) والعروة الثانية من اول فبراير حتي اخر مايو (وهي ايضا اربعة شهور وليس ثلاثة !!!) ولا ادري كيف سيحصدون القمح الاسبوع المقبل وما شاهدته من صور عند استعراضهم لحقل الزنكلون التجريبي بمحافظة الشرقية لنباتات قمح واضح جدا صغر حجم السنبلة وقلة التفريع ومستحيل عمليا ان يكتمل نموها وتصل للون الذهبي في طور الحصاد وتمام الجفاف قبل منتصف فبراير ان لم يكن اخره (أي خمسة اشهر ان لم تكن خمسة ونصف) الا اذا كان القمح المحصود منتصف يناير سيكتمل نموه وجفافه بعد حصاده او سيستخدم لأغراض اخري كالفريك وليس للخبز او المكرونة أي انهم لم يقدموا شيئا واقعيا لاختصار عمر النبات من ستة اشهر لثلاثة شهور في دورة حياة نبات قمح وزارة الري المستحدثة.

وبالتطرق تفصيليا لفنيات البحث وطريقته العلمية ماذا عن معاملات التبريد علي حبوب جافة ومدي فاعليتها التي لم تثبت نهائيا في أي دراسة علمية وتكلفتها الاقتصادية من ثلاجات ضخمة ومولدات كهرباء وطريقتها ووقتها من بعد الحصاد وزمن المعاملة هل لساعات او ايام او شهور ومن المتخصص الذي سيقوم بها واين ستجري؟ وكيف ستنقل للفلاح مباشرة من الثلاجات للأرض؟ وبالمناسبة هي ليست تقنية جديدة او اكتشاف حديث كما يخيل لهم فظاهرة الارتباع ظاهرة علمية معروفة للجميع، وماذا عن شكل نبات القمح المزروع من حبوب مبردة اين صور مراحل نموه التدريجية اسبوع بأسبوع خلال الثلاثة شهور من وقت زراعة وانبات الحبوب وحتي الحصاد للحبوب تامة النضج والجفاف، اي المطلوب ان يعرض علينا من نتائج السنوات السابقة عدد 12 صورة دقيقة متتابعة مطبوع عليها تاريخ الالتقاط حتي يكون الكلام علميا سليم لتتبع نجاح مراحل الانبات والنمو العمري للنبات والمنحني الطبيعي لمراحل الانبات والتفريع والاستطالة والتزهير والامتلاء والنضج والنضج التام وكل مرحلة استغرقت كام يوم تحديدا من زراعة حبة جافة مبردة الي حبة جافة تحصد وتصلح للتخزين والطحن، ما هي القياسات التي تم تسجيل بيانتها اولا قياس النسبة المئوية لإنبات البذور المبردة ووصلت لمعدل كام؟ وهل كل الحبوب المعاملة نجحت بنسبة 100% ام هناك حبوب لم تستجيب للتبريد؟، وثانيا القياسات المورفولوجية علي طول النبات وعدد الافرع والسنابل وثالثا قياسات المحصول ومكوناته ماذا عن امتلاء السنابل بالحبوب ونسبة الرطوبة بالحبوب بعد الحصاد في كلا الموعدين المقترحين ووزن الـ1000 حبة التامة الجفاف ونوعية التبن والرطوبة التي به وتحليل محتواه الغذائي كعلف وباقي القياسات الضرورية الأخرى لأي دراسة حقيقية علي نبات القمح واين معاملة الكونترول للمقارنة مع الزراعة التقليدي؟ وكيف تمت المقارنة العلمية السليمة ما بين حبوب تقليدية ومبردة لذات الصنف في نفس المكان الجغرافي مع توحيد جميع الظروف والمعاملات اللازمة من ري وتسميد وخلافه لإجراء تجربة علمية سليمة حتي تظهر الفروق المعنوية بين الطريقتين التقليدية والمبردة؟، وكم عدد الحقول التجريبية وعدد مكررات التجربة وعدد سنوات اجرائها ومناطق زراعتها وطرق الري المستخدمة ومعدلات الري (مجال عملهم الاساسي)؟ وكيف تم تحليل النتائج احصائيا؟، وماذا عن الامراض والحشرات والحشائش في كلا العروتين؟، وكان المفروض عند تصميم تجربة سليمة علميا حتي تعتمد نتائجها زراعة حقول تجريبية وكل حقل به قطع تجريبية متجاورة تحت نفس الظروف بكلا القمحين التقليدي والمبرد توزع بقطاعات كاملة العشوائية ويحصدوا قمح العروة الاولي ويزرعوا قمح العروة الثانية مكانه ونأخذ متوسط مجموع قياسات العروتين من المكررات المختلفة التي لا تقل عن خمسة لكل نوع وكل مكررة مساحة فدان ارض علي الاقل (أي 10 افدنة في كل تجربة مقارنة 5 لكل نوع) ونقارن متوسطات النتائج للقمح المبرد مع متوسطات نتائج القمح التقليدي ثم نعلن بحيادية الارقام الحقيقية وتكرر التجربة علي جميع الاصناف المتعمدة من وزارة الزراعة في عدة اماكن جغرافية ولعدة سنوات وبنظم ري مختلفةحتي يتم حساب انتاجية الفدان بمصداقية ونعلن النتائج الواقعية في مؤتمر صحفي وخاصة ان الارقام المذكورة مبالغ فيها جدا والواقع يفند هذه الارقام تماما، كل الامور العلمية السابقة التي يعلمها جميع المتخصصين في محصول القمح لا اظن فريق وزارة الري قد اتبعها في تجاربه او لديه الرد العلمي السليم عليها حتي يطل علينا بهذا السبق العلمي الفريد.

وحتي لا نكون مجحفين في تقييمنا للتجربة نفترض جدلا انهم حققوا المستحيل ونجحوا في اختصار دورة حياة نبات القمح الكاملة من ستة الي ثلاثة اشهر وزراعته مرتين بالعام، هل من الممكن ان يخبرونا علي ارض الواقع كيف سيوفر لهم الفلاح الارض في منتصف سبتمبر لزراعة العروة الاولي؟ أي خالية من نهاية اغسطس لإعداد وحرث وتخطيط الارض لزراعة القمح، معناه انه سيستغني تماما عن زراعة محصول الصيف سواء الذرة او الارز يعني مصيبة اخري ونقص في محاصيل اخري استراتيجية لا تقل اهمية عن القمح، ومتي سيزرع البرسيم لتغذية الماشية طوال فصل الشتاء؟، والتخطيط الزمني لوضع القمح بعروتين أي ثمانية اشهر خلاف فترات تجهيز الارض قبل وبعد الحصاد، الاربعة شهور المتبقية بالعام بعد زراعة القمح مرتين ماذا ستقدم للفلاح لسد احتياجه من باقي المحاصيل والخضروات؟، فهل سيزرع قمح ويكتفي بإنتاجه ويستورد باقي اغذيته جميعها؟، وعواقب ذلك اقتصاديا وكيف سيسد العجز فيها؟، ولو انهم خططوا جيدا لدورة زراعية بها القمح لعلموا تماما انه لا يمكن تعاقب محاصيل نجيلية مجهدة للتربة في فترات زمنية قصيرة في ذات وحدة المساحة باختصار لو الارض ستستهلك في عشر سنوات بزراعة القمح سنويا ستدمر تماما بقمحهم خلال خمس سنوات، وهل قمح العروة الاولي تام النضج والجفاف يصلح كتقاوي للعروة الثانية؟ ومدة 15 يوم بين العروتين تكفي لإجراء معاملة التبريد وزراعة الحبوب المبردة في الموعد الثاني!!! ، اما عن دورتهم الثانية اول فبراير فكيف ستنمو نباتات قمح في هذا التوقيت من العام وهناك احتياجات حرارية ودرجات حرارة الليل والنهار يعلمها جيدا الدارس لفسيولوجيا النبات.

واخيرا وليس آخرا هل الحبوب الجديدة الناتجة من القمح المبرد ممتلئة ومكتملة النمو الجنيني وتصلح للزراعة باستمرار في الاجيال القادمة؟ وهل الاقماح المنتجة تامة الجفاف وتتحمل التخزين في الصوامع دون ان تتعفن؟!!!، والدقيق او المكرونة الناتج من هذا القمح هل درست خصائصه.

واخيرا سنقول ايضا اين البصمة الوراثية للـقمح المبرد مقارنة بالـقمح التقليدي؟ وماهي التغيرات الوراثية التي حدثت علي المستوي الجزيئي؟، وهل بها تغيير ثابت في التركيب الوراثي جراء معاملاتهم أي ستورث للأجيال التالية من حبوب وعمرها التام سيكون ثلاثة اشهر؟ ولن نحتاج معاملة جديدة بالتبريد لكل عروة، ام معاملاتهم لن تورث وبالتالي سوف يستهلكون حبوب تقليدية سنويا لزرعة حبوبهم المبردة وسيقضون في غضون سنوات علي محصول القمح نهائيا لان المستهلك لن يعوض.

بعد كل ما استعراضه من امور علمية بحتة عن هذا الامر لا اجدني الا امام حقيقة واحدة لا تقبل الجدل ان هذا القمح المبرد ليس الا خرافة لم ولن يكن لها وجود علي ارض الواقع والعمل علي تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لن يكون بمثل هذا التوجه واي فكرة تناقش مع المختصين من اساتذة تربية وانتاج القمح بكليات الزراعة ومراكز البحوث بمصر والعمل كفريق واحد متكامل لتحقيق هدف واحد يهم الجميع.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مرحب بأي تجربة لزيادة حبة قمح واحدة تساهم في الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول الاستراتيجي، ونثمن ونقدر جهود علماء المركز القومي لبحوث المياه لقيامهم بهذه التجربة الثمينة لزيادة الرقعة الزراعية من القمح وزيادة إجمالي الإنتاج، ولكن يجب مناقشة أمور كهذه في ميادينها العلمية، وخاصة ونحن نمتلك أكبر مركز بحثي زراعي علي مستوي الشرق الأوسط، وبه خيرة العلماء في معهد بحوث المحاصيل الحقلية، أن لم يكن هو أكبر تجمع لأساتذة المحاصيل علي مستوي العالم، ويكفيهم ما استنبطوه من أصناف تزيد الإنتاج في كافة المحاصيل وخاصة في محصول القمح.
    وأقدم لك فيما يلي بعض النقاط مستشهدا بما كتب علي لسان أصحاب التجربة :
    يزرع القمح الجديد مرتين بالعام المرة الأولي من 15 سبتمبر والحصاد في منتصف يناير والمرة الثانية في أول فبراير لنهاية مايو، أي أن القمح يستمر 9 أشهر بالأرض، ويبقي ثلاثة أشهر لتجهيز الارض وزراعة محصول أخر، الواضح أن الاستغلال الوحيد سوف يكون محصول البرسيم، حتي يمكن أخذ حشتان منه وهذا لا يكفي للحيوانات المزرعية، إلا باستخدام تجربة د. محمد سالم في زراعة البرسيم، ولا يمكن زراعة أي محصول أخر بنفس الأرض، حيث أن محصول الذرة بنوعيه الشامية والصفراء يحتاج إلي 100- 120 يوم زراعة.
    أكد علماء مركز المياه توفير 30% من مياه الري، مع العلم أن القمح يحتاج من 5-6 ريات خلال الموسم الواحد مما يعني أننا أمام 10-12 رية للموسمين، مع مراعاة أنه محصول القمح شتوي وتسد الامطار من 1-2 رية بشمال مصر، ومع الزراعة في فصل الربيع والبداية المبكرة في سبتمبر نحتاج إلي كميات أكبر من الريات مع ارتفاع حرارة الجو، فكيف يوفر 30% من مياه الري ( 4 ريات فقط)؟؟
    بخصوص سد العجز في الفجوة الغذائية، أظهرت العديد من التجارب في مصر أن الاكتفاء الذاتي من محصول القمح ميسر وسهل تطبيقه فيما يتعلق برغيف الخبز، لأن احتياجاتنا 8-9 مليون طن وننتج ما يقرب من 9 مليون طن لو احسن تخزينه ودفع قيمة مالية مجزية للأردب للمزارع يمكن تحقيق علي الأقل من 80-90% من الاكتفاء الذاتي لرغيف الخبز (يمكن الرجوع إلي ما كتب عن الاكتفاء الذاتي في دراستي ودراسات الأخرين).
    أكد علماء مركز بحوث المياه أنهم قاموا بالتجربة في حقول إرشادية تتراوح بين 5-30 فدان وبمناطق مختلفة وبطرق ري مختلفة مستخدمين تقاوي من إنتاج وزارة الزراعة موصي بها ارشاديا وهي جميزة 11، وسدس 12، ومصر 1، وحصلوا علي متوسط إنتاج للفدان 9-10 أردب بالمناطق الرملية، و14-16 أردب للأراضي الطينية، وقارنوا ذلك بالمتوسط العام لكافة الأراضي وهو 18 أردب للفدان (نشرة وزارة الزراعة)، كان يجب المقارنة بحقول الارشاد للحملة القومية.
    الحقيقة أنك عندما تزرع في حقول إرشادية يجب أن تقارن بحقول إرشادية والتي إنتاجها العادي يصل في المتوسط إلى 28 أردب (من 22-32 أردب)، مما يعني أن متوسط الحقول الارشادية بمركز بحوث الري أنتجت في الموسمين من 23-26 أردب، وهذا أقل مما تنتجه الحقول الارشادية العادية المزروعة من الحملة أو من إدارة الارشاد الزراعي في موسم واحد (28 أردب).
    الجزء الأهم أنه من المتعارف عليه أن الإنتاج العام للمزارعين لأي محصول يقل بنسبة 30-40% عن الحقول الإرشادية، مما يعني أن تطبيق تجربة علماء مركز بحوث الري سوف تقل بنفس النسبة لأن غالبية المزارعين ليس لديهم المعارف والمهارات التامة التي تستخدم في الحقول الإرشادية، أي أن المتوسط العام سينخفض في الأراضي الرملية من 9-10 أردب إلى 6-7 أردب لدي المزارعين. وسينخفض بالتالي الأراضي الطينية من 14-16 أردب إلى 9-11 أردب لدي المزارعين.
    اي أن المحصول من الموسمين يعطي إجمالي عام من 15-18 أردب، بمتوسط 16.5 أردب للموسمين ونحقق الآن 18 أردب من موسم واحد فقط، ومع استخدام بعض التجارب الناجحة نحقق 20 أردب وأكثر.
    ونؤكد ان ما يهمنا هو زيادة الانتاج والاكتفاء الذاتي من القمح ونثمن جهود علماء المركز القومي لبحوث المياه، عسي الله أن يكلل مساعي الجميع بالنجاح والتوفيق.

  2. لو أنهم أنفقوا المليارات التي تنفق علي استيراد القمح الرديء علي التنميه الزراعية وزراعة القمح لاكتفينا من القمح ومعظم المحاصيل لكن هناك من يستفيد من الفساد ولن يتركونا نتقدم خطوه واحدة للإمام .الله المستعان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى