رأى

تعمير سيناء بالأفعال.. “المغربي” نموذجاً

د.أحمد إبراهيم

بقلم: أحمد إبراهيم

في مثل هذا اليوم وعلى مدار 37 عاما تحتفل مصر بأعياد تحرير سيناء، ومعظم احتفالاتنا تكون بالأغاني، ونستدعي من المكتبة الأغنية الأشهر “مصر اليوم في عيد” للعظمية الراحلة شادية، وتقريبا نسمع نفس الكلام كل عام عن تعمير سيناء، فلو أن الحكومات السابقة منذ عام 1982 قامت بتنفيذ فقط ما وعدت به لأصبحت سيناء الآن مصدرا للخير وليست مرتعا للإرهاب وأهل الشر(خاصة الشمالية)..

سيناء تلك الجزء الغالي علينا جميعا، والتي ارتوت بدماء الأطهار لتحريرها من أعداء الوطن، وما زال يسقط على أرضها شهداؤنا الأبرار مساحتها تمثل 6٪ من أرضنا ولم تبح بكامل أسرارها وكنوزها.

في السطور التالية سوف أتحدث عن تعمير سيناء بالأفعال وليس بالأقوال أو الشعارات والاغاني، وذلك من خلال نموذج عملي لشاب مصري لم ينتظر وظيفة الحكومة وقرر أن يخوض التجربة في اقتحام الصحراء، إنه المهندس “أيمن المغربي”، الذي يحمل الملامح المصرية الأصيلة، صاحب أول تجربة ناجحة في الاستصلاح والزراعة بمدينة الطور.

المهندس “أيمن” حوّل الأرض الصحراء الجرداء إلى جنة خضراء، وقلب عناصر الفشل إلى أسباب نجاح، ومن استحالة الزراعة في طور سيناء بسبب عدم صلاحية التربة وندرة المياه وارتفاع درجة الحرارة إلى صلاحية الزراعة بعد تحليل التربة في المعامل الحديثة، وجاءت النتائج بأنها غنية بالعناصر الطبيعية التي يحتاجها النبات مثل الكالسيوم والبوتاسيوم والماغنيسيوم، وأصبحت درجة الحرارة المرتفعة ميزة لبعض الزراعات التي لا تصلح إلا في هذه المناطق، مثل العنب والتين والزيتون والنخيل والمانجو، فالحرارة تساعد على تبكير الإنتاج..

وبعد دراسة المياه في مركز بحوث الصحراء بـوزارة الزراعة، اكتشف مخزونا من المياه يتم تسريبها إلى البحر لعدم الاستفادة منها. بدأ المغربي بمساحة صغيرة ثم توسع حتى أصبحت 200 فدان جنة خضراء مثمرة وسط عشرات الكيلو مترات من الصحراء الشاسعة، ولم يكتف بذلك بل قام بإنشاء مزرعة أسماك للاستفادة من إعادة استخدام المياه، وحاليا يفكر في إنشاء مزارع دواجن ومواش.

“المغربي” تعرض للفشل كثيرا حتى نجح أخيرا.

ولم يوفر فقط الغذاء للمواطنين بل يوفر عشرات فرص العمل وتجربته حققت نجاحا مبهرا وتسببت في تغيير فكر أهالي طور سيناء وفتحت أمامهم أبواب رزق أخرى بجانب السياحة، بل لفتت أنظار المسئولين إلى أهمية الزراعة التي تستطيع إنتاج الغذاء للمواطنين هناك وتلبى احتياجات الفنادق والقرى السياحية، بدلا من نقله من القاهرة إلى سيناء مما يؤدي إلى ارتفاع أسعاره وبالفعل تم تخصيص 25 ألف فدان للزراعة.

اللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء يوفر كل الدعم والمساعدة للمستثمرين في الزراعة بل هو سعيد بنجاح المهندس “ايمن” ويفتخر به أمام المسئولين المصريين وزائري سيناء من الوفود الأجنبية، وهذا الفكر نفتقده في كثير من المسئولين بالحكم المحلي، فمحافظ جنوب سيناء يؤمن بدور القطاع الخاص في التنمية ويدعو رجال الأعمال للاستثمار في مجال الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية والداجنة.

المهندس “أيمن المغربي” يتمنى تسهيل إجراءات تقنين أرضه التي أنفق عليها كل ما يملك من عام 2010 وحتى الآن، وهو يجاهد من أجل تقنينها ربما أكثر من جهاده في تعميرها.

نعلم جيدا أن لـسيناء خصوصية في إجراءات التمليك نظرا لوضعها الاستيراتيجي، ولكن طالما توافرت الشروط المطلوبة فإن سرعة إنهاء الإجراءات سوف تشجع البدو على الاستقرار والتوسع في الزراعات، وفتح فرص عمل جديدة لأبنائهم بعد أن إستفادوا من تجربة” المغربي” الناجحة، حيث اصبحت مزرعة استشاردية تشجع أبناء المحافظات الاخري ومستثمري شرم الشيخ على الاستثمار في هذا المجال الخصب.

المهندس “ايمن” وامثاله نماذج تحتذى وتستحق الدعم والتكريم، لأنهم يعملون وينتجون في صمت وبدون أي ضوضاء أو صخب إعلامي، ويحملون الوطن على أكتافهم ولا يمكن أن تستقيم الحياة بدونهم.

إن زراعة وتعمير الصحراء استثمار بعيد المدى، ومن أهم وأشرف المهن وأكثرها تكلفة وأقلها ربحا وزارع الصحراء يقوم بعمل عظيم وشاق، ولكنه مفيد للبلد وكان يمكنه أن يفعل مثل غيره ويختار الطرق السهلة للثراء مثل الاستيراد والتوكيلات والكافيهات والسمسرة والتجارة في العقارات وغيرها من الأنشطة التي دمرت الصناعة والاقتصاد الوطني.

ولأننا دولة أكثر من 90%من أرضها صحراء، وتستورد معظم احتياجاتها من الخارج، ولديها مشكلة بطالة لذلك اتمنى تقديم الدعم والمساندة لكل من يقوم بتعمير الصحراء، ولا نبالغ في تسعير أرضه لأنه يحمل عن كأهل البلد عبئا كبيرا سواء في الإنتاج أو التوظيف، وكل عام مصر بخير، وان نحتفل قريبا بالقضاء نهائيا على الإرهاب في سيناء، وان تكون منبعا الخير والنماء.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى