رأى

تطوير أداء العاملين بالدولة باستخدام ميزانية البرامج والأداء

د..محمد خليل محمد شطا

بقلم: د.محمد خليل محمد شطا

خبير السياسات الزراعية والتنمية الريفية

تعزيز الحوكمة، ترشيد النفقات، الاستغلال الأمثل للموارد..

قامت الحكومة المصرية ممثله في وزارة المالية بإنشاء وحدة تنظيمية لموازنة البرامج والأداء، تتولى مسئولية وضع الخطط، وإعداد وتنفيذ الموازنة العامة للدولة على أساس البرامج والأداء، وإعداد التقارير والدراسات والاقتراحات المرتبطة بهذه الخطط بما يتسق مع أفضل الممارسات العالمية.

تختص هذه الوحدة، بإعداد دليل موحد لموازنة البرامج والأداء موضحًا به مزاياها وكيفية تحديد هيكل البرامج وفقًا للنشاط، واختيار مؤشرات قياس الأداء وتعريف الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعي وآلية إعدادها، كما تتولى الوحدة حصر جميع البرامج الرئيسية والفرعية والمشروعات والأنشطة التي تقوم بها الجهات والهيئات الموازنية، على ضوء رؤية «مصر 2030»، والأهداف الاستراتيجية للحكومة، والتأكد من توافر الاعتمادات المالية اللازمة للبرامج المقدمة من الوزارات والجهات التابعة لها طبقًا لمستهدفات الموازنة العامة للدولة.

كما تختص الوحدة، بالمتابعة الدورية لتنفيذ البرامج والمشروعات والأنشطة من خلال تقارير ربع سنوية بموازنات كل الجهات والهيئات لضمان الالتزام بموازنة البرامج والأداء، والتأكد من تحقيق الأهداف والنتائج المرجوة وقياس أثر تنفيذ هذه البرامج اجتماعيًا واقتصاديًا وبيئيًا.

أولاً سنعرف الموازنة العامة للدولة عبارة عن بيان تقديري تفصيلي معتمد يحتوي على الإيرادات العامة التي يتوقع أن تحصلها الدولة، والنفقات العامة التي يلزم إنفاقها خلال سنة مالية قادمة؛ فالموازنة تعتبر بمثابة البرنامج المالي للخطة التي تعمل بها الدولة عن سنة مالية مقبلة من أجل تحقيق أهداف محددة في إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول.

ميزانية الأداء

ـ تعريفها: هي ذلك التصنيف في الموازنة الذي ينقل التركيز من وسائل القيام بالعمل إلى العمل المنجز نفسه. بمعنى أنها تبين الأهداف التي تطلب لها الاعتمادات المالية, وتكاليف البرامج المقترحة للوصول إلى تلك الأهداف، والبيانات والمعلومات الاحصائية التي تقيس الإنجازات، وكل ما أنجز من الأعمال المدرجة تحت كل برنامج.

النشأة والتطور

تعتبر موازنة الأداء محصلة المحاولات الأولى لإصلاح نظام موازنة البنود بهدف التركيز على قياس الكفاءة الإدارية وتقليل النفقات عند إنجاز المشاريع , لقد ظهرت في الولايات المتحدة الامريكية خلال الفترة الواقعة ما بين ( 1913-1915) إنها موازنة تعتمد على ثلاث عناصر هي:

1- تصنيف البرامج والإجراءات الحكومية الى مجموعات أساسية.

2- قياس الأداء المستنتج من التكلفة المعتمدة لتلك البرامج.

3- اتباع الإدارة العلمية في كيفية استهلاك الموارد المتاحة واستغلالها الاستغلال الأمثل.

متطلبات التطبيق

1- تحديد أهداف البرامج وترتيبها ضمن سلم أولويات محدد.

2- تحديد الخدمات والنشاطات التي تؤديها الجهات التنفيذية.

3- اختيار وحدة ملائمة لقياس الأداء لكل خدمة أو نشاط.

4- وجود نظام للمتابعة يساعد على معرفة ما تم إنجازه ومقارنة الإنجاز بما هو مخطط لتحقيقه خلال السنة المالية.

5- ضرورة أن يُنفذ البرنامج في الوقت المناسب وبالكفاءة الملائمة.

مزايا موازنة الأداء

1- تساعد على توزيع الإمكانيات المالية المتوفرة لدى الدولة بشكل أفضل من الموازنة التقليدية، فهي تقدم بيانات تفصيلية للجهات المختصة بتوزيع الاعتمادات بين الوزارات والمصالح عن البرامج والمشاريع المراد تنفيذها.

2- تساعد في تحسين عمليات تنفيذ البرامج والمشاريع للأجهزة الحكومية (الوزارات والمصالح) كما أنها تسهل عملية الرقابة على التنفيذ، نظراً لوجود معايير للأداء.

3- توفر للمواطنين معلومات كافية عن الخدمات التي تقدمها الحكومة لهم، فهي تتضمن وصفاً للبرامج والمشاريع الحكومية التي ستقوم بتنفيذها الدولة، والأهداف المرجوة من تنفيذها وتكاليف تلك البرامج والمشاريع.

عيوب موازنة الأداء

1- صعوبة تحديد وحدات الأداء (المخرجات) التي تقاس بها الإنجازات لكل وزارة ومصلحة حكومية، فهناك بعض النشاطات والأعمال الحكومية التي يصعب تحديد معايير لقياس أدائها.

2- صعوبة توفير المعلومات التفصيلية عن نشاطات الأجهزة الحكومية المختلفة, لعدم وجود أنظمة دقيقة للمعلومات لديها.

3- إن إهتمام موازنة الأداء، وتركيزها على تحقيق الكفاءة من المشاريع قصيرة الأجل (لمدة سنة) يجعلها تبدو كأنها عقبة أمام التخطيط طويل المدى.

موازنة البرامج (البرمجة والتخطيط)

النشأة والتطور

في 1954 قدم ديفيد نوفيك شرحاً تفصيلياً بين فيه كيفية تطبيق موازنة البرامج في وزارة الدفاع الأمريكية وشرح مضمونها وكان ذلك في تقريره المسمى الاقتصاد والفعالية في الحكومة بواسطة الإجراءات الجديدة للموازنة. في عام 1955 قامت لجنة هوفر الثانية بدراسة اقتراح ديفيد و كذلك بدراسة التقدم الذي تحقق في مجال تطبيق موازنة الأداء في أجهزة الحكومة الفدرالية الأمريكية مما أدى إلى ظهور مفهوم موازنة البرامج والأداء الذي جذب اهتمام الكثير من الدول وكذلك اهتمام هيئة الأمم التي أصدرت كتيبا بعنوان موازنة البرامج سنة 1965. من العوامل التي ساعدت على انتشار موازنة البرامج والأداء ثلاث عوامل رئيسية:

1- إهمال موازنة الأداء لعنصر التخطيط في حين ظهرت الحاجة إلى خطط بعيدة المدى.

2- ازدياد أهمية التحليل الاقتصادي وظهور الرغبة في إدخال أساليب علمية حديثة في اتخاذ القرارات.

3- كبر حجم النفقات العامة في الموازنة وزيادة آثارها على الاقتصاد الوطني مما أدى بالمفكرين إلى المناداة بضرورة الربط بين الخطط الحكومية والموازنات العامة.

مزايا موازنة البرامج

1- التخطيط: التخطيط يعني التنبؤ بما سيكون في المستقبل مع الاستعداد لهذا المستقبل. انه وظيفة أساسية من وظائف الحكومة وأجهزتها التنفيذية. تهتم موازنة البرامج و الأداء بالتخطيط حيث تقوم بتحديد برامج ومشاريع الوزارات والمصالح الحكومية لعدد من السنوات المقبلة والنفقات المتوقعة لها و ليس لسنة واحدة كما تفعل موازنة البنود التي تبين نفقات سنة مالية واحدة ولا ترتبط في أغلب الأحيان بتخطيط طويل الأجل.

2- البرامج: تهتم موازنة البرامج والأداء ببيان البرامج والمشاريع التي ستنفذها الأجهزة الحكومية المختلفة. بمعنى أنها تقوم بتحديد البرامج الرئيسية لكل وزارة أو مصلحة ومن ثم تقسم البرامج الرئيسية إلى برامج فرعية والبرامج الفرعية إلى نشاطات وترصد الاعتمادات اللازمة لتنفيذ البرامج الرئيسية والبرامج الفرعية والنشاطات في وثيقة الموازنة العامة على الصفحات المخصصة لها .ثم تقوم بعد ذلك بتوزيع الاعتمادات على أبواب وبنود الإنفاق المعرفة في الموازنة.

3- تحليل البدائل: من القواعد الأساسية التي ترتكز عليها موازنة البرامج والأداء تحديد الطرق البديلة لتحقيق الأهداف العامة للأجهزة والمصالح الحكومية. فبعد تحديد البدائل تجرى الدراسة التحليلية المتعمقة لها بهدف تحديد التكاليف والعوائد لكل منها والمزايا والعيوب المرتبطة بكل منها وعلى ضوء نتائج المفاضلة بين الطرق البديلة يتم اتخاذ القرارات.

4- التقييم: يساعد تقييم البرامج الحكومية على تحسين عملية تنفيذها. إن الحصول على تقارير عن كيفية سير الأعمال في البرامج والمشاريع تحت التنفيذ أو نفذت من حين لآخر من شأنه أن يكشف عن المشاكل التي تواجه التنفيذ وعن نقاط الضعف في الخطط والبرامج والمشاريع وعن التغيرات التي يلزم إدخالها على تلك البرامج والمشاريع لكي تسهل عملية التنفيذ والوصول إلى الأهداف المطلوب تحقيقها.

الدراسات الأساسية

تعتمد ميزانية البرامج على ثلاث دراسات أساسية تقدمها الجهات التي تطبق موازنة البرامج والأداء إلى مكتب الموازنة وهذه الدراسات هي:

1- المذكرة التفسيرية للبرنامج: وتبين المذكرة التفسيرية للبرنامج أهداف المنظمة والخطة التي ستسير عليها لتحقيق تلك الأهداف.

2- الخطة التمويلية للبرنامج: وتكون على شكل جداول تتضمن ملخصاً لبرامج المنظمة كما تتضمن تقديرات التكاليف والعوائد لبرامج المنظمة.

3- الدراسات التحليلية الخاصة: وتحضر هذه الدراسات بواسطة خبراء موازنة البرامج في الجهة الحكومية وتتضمن الدراسات التحليلية التي تم على ضوئها اختيار البرامج الرئيسية والبرامج الفرعية للمنظمة.

التطبيق

تتضمن عملية تطبيق ميزانية البرامج الخطوات التالية:

1- تحديد الأهداف المراد تحقيقها وذكرها باختصار في شكل قائمة.

2- تصميم البرامج اللازمة لتحقيق الأهداف المرجوة.

3- تقدير ما تحتاجه البرامج من تكاليف للسنة ثم إخطار إدارة الموازنة العامة كي ترصد الاعتمادات الكافية لتنفيذ برامج ومشاريع تلك السنة.

4- تقدير النتائج من البرامج الرئيسية والبرامج الفرعية ومن المشاريع.

5- تقدير ما تحتاجه البرامج من أموال لمدة أربع سنوات أخرى مقبلة علاوة على تكاليف البرنامج في السنة الأولى من الخطة.

6- وضع نظام وإجراءات للمتابعة وتحليل نتائج تنفيذ البرامج والمشاريع.

7- وضع نظام وإجراءات للحصول على المعلومات بشكل منتظم ودائم.

8- تحديد المسؤولية الإدارية عند تنفيذ البرنامج.

مزايا ميزانية البرامج

⦁ ربط النتائج المتوقعة برسالة وأهداف الجهة الحكومية.

⦁ المساعدة على توفير البيانات التي تحدد طبيعة وماهية المخرجات وتكلفتها المالية وربطها بالمنافع (الآثار) التي تسعى إليها الحكومة، وبالتالي تكون قرارات توزيع الموارد مدعّمة بالبيانات اللازمة.

⦁ المساعدة على تقوية وتعزيز مبادئ الإدارة المالية في القطاع الحكومي وبالتالي تطوير كيفية توزيع الموارد المالية المتاحة وإدارتها وتحسين أداء الخدمات الحكومية المقدمة.

⦁ توضيح ماذا تم من أعمال أو خدمات خلال السنة المالية السابقة وتكلفة كل برنامج أو مشروع.

⦁ إقرار مبدأ المساءلة والمسؤولية حيث تحدد المسؤول عن أداء الأعمال.

⦁ التركيز على المخرجات (الخدمات) بدلاً من التركيز على المدخلات (الموارد المالية والبشرية).

⦁ رفع مستوى الجودة المتعلقة ببيانات الأداء المتاحة للحكومة والمسئولين في المؤسسات بما يساعد ذلك في التخطيط الاستراتيجي وتوزيع الموارد والرقابة على العمليات.

عيوب ميزانية البرامج

1- صعوبة تحديد الأهداف لجميع الأجهزة الحكومية تحديداً دقيقاً.

2- صعوبة تحديد عوائد بعض البرامج والمشاريع بشكل مادي وملموس.

3- إرسال كميات كبيرة من المعلومات إلى مكتب الموازنة عن البرامج الرئيسية والفرعية والدراسات التحليلية التي أعدت لها بواسطة الأجهزة الحكومية.

4- تتطلب كميات كبيرة من المعلومات التي قد تعطل عملية تحليل السياسة العامة.

الميزانية الصفرية =

مفهوم الميزانية الصفرية: في عام 1967 عرف مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في الدنمارك الميزانية الصفرية على أنها نظام يفترض عدم وجود أية خدمة أو نفقات في بداية السنة المالية مع الأخذ في الاعتبار أكثر الطرق فعالية للحصول على مجموعة من المخرجات بأدنى تكلفة ممكنة. في عام 1972 عرفت هذه الموازنة على أنها عملية تخطيط تتطلب من كل مدير إداري أن يبرر جميع محتويات موازنته بالتفصيل مبتدأ من نقطة الصفر. بمعنى أنها تتطلب أن تقوم كل جهة بمراجعة وتقييم برامجها ومشاريعها الحالية والجديدة بطريقة منتظمة وأن تتم مراجعة البرامج والمشاريع على أساس التكلفة والعائد والفعالية.

تم تطبيق مبادئ وأسس الميزانية الصفرية في أواخر خريف 1973. بهدف تطوير أنماط تبويب الموازنات من خلال تقسيم كل الأنشطة المقترحة والنفقات على وحدات متماسكة أو مترابطة من حيث المقدرة على قيادتها والسيطرة عليها، وهي تخضع لتفاصيل مختلفة للتدقيق والمراجعة. لقد ساعدت هذه الموازنة الكثير من المديرين في تقليل حجم ومتطلبات الموازنات وإجراءاتها الطويلة حسب الطرق السابقة.

مميزات وعيوب الموازنة الصفرية

⦁ من محاسن الميزانية الصفرية أنها تقوم بحصر النفقات المختلفة وتبوبها بصورة حيث يمكن التحكم فيها وربطها مع الإدارة العليا حيث القرارات المستمرة وبالتالي هناك إمكانية أكبر على إنجاز المهام والأنشطة بفاعلية وكفاءة أكبر.

⦁ ومن المساوئ كون الميزانية الصفرية لا تهتم بما إذا كان المشروع سينتهي أم لا في نهاية المطاف فهي تقوم بفتح اعتماد له ولكن تترك أمر المتابعة للجهات الإدارية المختلفة وبالتالي فهي لم تقم بوضع الضوابط التي تتابع مسألة التشطيب والإنهاء للكثير من المشروعات.

الموازنة التعاقدية

ـ مفهوم الميزانية التعاقدية: لقد كانت أول محاولة لتطبيق الميزانية التعاقدية في وزارة المالية النيوزلندية في عام 1996. هي محاولة إعادة تشكيل الميزانية العامة على أنها نظام عقد صفقات بين جهة منفذة والحكومة المركزية.

بمعنى أن تقوم الحكومة بطرح مشاريعها و برامجها المستقبلية أمام الجميع (قطاع خاص و عام) بغرض الفوز بمتعاقدين ينفذون تلك المشاريع و البرامج بأقل تكلفة ممكنة وفي الوقت المناسب شريطة أن تحقق تلك البرامج و المشاريع الأهداف المخطط لها.

مزايا الميزانية التعاقدية

1- ساعدت في تقديم حلول جذرية للعديد من المشاكل التي كانت تواجه الإدارات الحكومية.

2- عملت على إعادة صياغة طرق إعداد الموازنة العامة بشكل ساعد على ربط الموازنة بالخطط التنموية الخماسية للدولة.

3- ساعدت على تنفيذ البرامج والمشاريع الحكومية بكفاءة واقتصادية وفعالية.

4- أدت إلى توصيل المخرجات المتوخاة الى المواطنين ورشدت الإنفاق العام.

عيوب الميزانية التعاقدية

نظرا لحداثة هذا النموذج فلم تظهر كثير من عيوبه حتى الآن وان كانت الشكوى مستمرة من غياب المعلومات في قطاع الحكومة أو عدم دقتها مثل أسعار السوق الحالية وعدم وجود دراسات جدوى للمشاريع والبرامج الحكومية.

تبويب الميزانية العامة

تعتبر الدقة والوضوح من المبادئ الأساسية للموازنة العامة، إلا أن مبدأ الوضوح يرتبط ارتباطا وثيقا بشرط آخر هو أن تظهر الموازنة في صورة تسهل معها عملية التحليل الاقتصادي الكل.

ومن هنا كان البحث عن التبويب المناسب من أهم خطوات إعداد الميزانية كما أن التبويب السليم للموازنة العامة يساعد على ربط الموازنة العامة بالسياسة الاقتصادية، وفيما يلي سنحاول استعراض أهم التبويبات المتعارف عليها للموازنة العامة وهي:

1- التبويب الوظيفي: يقصد بهذا النوع أن يتم تبويب (ترتيب) عمليات الدولة حسب النشاط أو الخدمة التي تؤديها الدولة على أساس ما تقوم به من وظائف كالأمن والدفاع والتعليم…الخ، وذلك بغض النظر عن التبعية الإدارية للنشاط (الجهاز الحكومي الذي يقوم بالإنفاق)، فمثلا قد يكون مستشفى تابع للقطاع العسكري، ولكن عملياته يجب أن تظهر في جانب الإنفاق على الصحة وهكذا.

يتميز التبويب الوظيفي بتيسير دراسة مختلف أنواع النشاط الحكومي وأهميتها النسبية في الإنفاق الإجمالي كما يسمح بإجراء المقارنة فيما يتعلق بالنفقات العامة وكيفية توزيعها على وظائف الدولة واتجاهات هذا التوزيع ومن ثم تحليل النشاط الحكومي والوقوف على التغيرات التي تحدث في طبيعة هذا النشاط من عام إلى آخر.

2- التبويب الإداري: يقصد بالتبويب (التقسيم) الإداري تصنيف النفقات والإيرادات العامة وفقا للوحدات الحكومية في الدولة (الوزارة، المصالح، والهيئات، …الخ)، فهو بذلك يعكس هيكل التنظيم الإداري للسلطات العامة.

حسب هذا التقسيم فكل وحدة تساهم في تحضير وإعداد الموازنة العامة للدولة من خلال قيامها بتحديد حجم النفقات المستقبلية وإيراداتها المتوقعة خلال السنة المقبلة، كما أنه يمكن السلطة التشريعية من مناقشة واعتماد ومراقبة الموازنة بسهولة عن طريق دراسة الوضع المالي لكل وحدة حكومية على حدة.

3- التبويب الاقتصادي: يقوم هذا النوع على أساس عمليات الدولة حسب طبيعتها الاقتصادية، وعرضها في شكل تظهر به وكأنها جزء من نظام أوسع يشمل عمليات كل القطاعات الاقتصادية، وبالتالي يتم هذا التبويب حسب طبيعة العملية وحسب من يقوم بهذه العمليات أي يتم حسب العملية وحسب القطاع.

أ- التبويب حسب العملية: ويتم تبويب العمليات حسب طبيعتها الاقتصادية وبصفة عامة تقسم هذه العمليات إلى مجموعتين متميزتين هما: العمليات الجارية والعمليات الرأسمالية.

ب- التقسيم حسب القطاع: ليس تبويب ميزانية الدولة هدفا في حد ذاته لكنه وسيلة ليجعل من الموازنة أداة لتنفيذ السياسة المالية والسياسة الاقتصادية العامة، وبالتالي يقتضي المنطق تطبيق التبويب لا على الموازنة وإنما على الاقتصاد الوطني، سواء تم بواسطة الحكومة (في الموازنة) أو بواسطة القطاع العام أو بواسطة الأفراد وحتى يتم ذلك يلزم التبويب حسب القطاع، أي يتم تقسيم الاقتصاد إلى قطاعات تضم كل منها مجموعات متناسقة، فـالاقتصاد الوطني يتكون من قطاع الحكومة ، قطاع الأعمال أفراد ومؤسسات لا تستهدف الربح، وقطاع العالم الخارجي (غير المقيمين).

4 – التبويب على اساس البرامج: يهتم هذا التبويب ببيان البرامج والمشاريع التي تقوم بتنفيذها او الاشراف عليها، الوزارات والمصالح الحكومية المختلفة. ويكون هذا النوع من التبويب عادة خطة متوسطة الأجل (5 سنوات) وعلى ضوء ذلك تظهر البرامج والمشاريع في وثيقة الميزانية السنوية لها وتقسم البرامج إلى مشاريع وترصد الاعتمادات اللازمة لتنفيذها في الميزانية العامة.

ومن مميزات هذا التبويب انه يبين النشاطات التي تقوم بها كل دائرة وزارية وتكاليفها. والى جانب ذلك انه يحقق رقابة أفضل من التبويبات السابقة لانه لايقدم بيانات حسابية لعدم تجاوز الاعتمادات الممنوحة فقط بل ويقدم كذلك بيانات مفصلة عن مسار تنفيذ المشاريع والبرامج الامر الذي يساعد على مدى متابعة ومراقبة التنفيذ ومدى استعمال مؤشري الكفاءة والفعالية في ذلك.

5 – التبويب على أساس الأداء: يؤكد هذا التبويب على الأهداف والغايات التي ترصد من اجلها الاعتمادات المالية وتكاليف البرامج والمشاريع المقترحة للوصول الى تلك الاهداف وعدد الوحدات التي انجزت او ستنجز من كل برنامج في الوقت المحدد وتكاليفها. بحيث يتطلب في هذا التبويب وجود جهاز رقابي فعال يقوم بتقديم تقارير شهرية وسنوية من اجل متابعة عن كثب مسار المشروع ومراحل انجازه وتكاليفه ومختلف العقبات التي تواجهه.

مراحل الميزانية العامة

ـ إعداد الميزانية العامة: تتولى إدارة الميزانية بـوزارة المالية جمع كافة التقديرات المشار إليها سابقا وتنسيقها بعد أن تتصل بالوزارات المختلفة إن دعت الحاجة لذلك وطلب ما يحتاجون إليه من بيانات ومستندات، ويكون مشروع الميزانية الذي يرسل إلى اللجنة المالية بالوزارة، وتعد هذه اللجنة مشروع الميزانية، ويتم عرضه بعد ذلك على السلطة التشريعية في الموعد المحدد قانونا.

يتضح مما سبق أن عملية إعداد الموازنة يتم على نحو روتيني مثل كافة الأعمال الحكومية الأخرى، حيث تقوم كل إدارة من لإدارات الدولة قبل نهاية كل سنة بتحديد احتياجاتها من النفقات والإيرادات عن السنة القادمة.

تقدير النفقات والإيرادات العامة

سبق وأنه عرفنا الموازنة العامة التقدير المعتمد لنفقات الدولة وإيراداتها خلال مدة مقبلة، ومن الطبيعي أن يواجه معدي الموازنة العديد من الصعوبات، كما أن عملية إعداد الموازنة أول ما تثير هو شكل تقدير النفقات والإيرادات الواردة بالموازنة، ولهذا سنتعرض فيما يلي لدراسة هذا المشكل بصورة موجزة.

أ– تقدير النفقات: تقدير النفقات في المعتاد لا يثير صعوبات فنية كثيرة ولا يتطلب إلا أن يكون صادقا. تقدر النفقات بطريقة التقدير المباشر، من قبل الموظفين المختصين في الهيئات المختلفة تبعا للحاجات المنتظرة مع مراعاة الدقة بمعنى أن يكون هذا التقدير واقعي وبعيد عن المغالاة حتى يمكن تطبيقه في أرض الواقع ويطلق على المبالغ المقترحة للنفقات “اعتمادات” ولا يجوز للسلطة التنفيذية أن تتجاوزها أثناء التنفيذ الفعلي، وإن دعت الضرورة لتجاوز هذه الاعتمادات عليها الحصول على موافقة مسبقة من السلطة التشريعية.

ويمكن بطبيعة الحال الاسترشاد بأرقام النفقات العامة الواردة بالموازنات السابقة مع مراعاة ألا تكون منطوية على إسراف أو متضمنة لبعض النفقات العارضة أو الاستثنائية، كما ينبغي على معدي الموازنة أن يأخذوا في اعتبارهم نتائج الدراسات والأبحاث المتعلقة بالأحوال الاقتصادية المحلية والدولية السائدة، والتغيرات المتوقع حدوثها خلال السنة المالية القادمة، لذلك فإن تقديرات النفقات التي تتولى الوزارات والهيئات العامة إعدادها تتم مراجعتها في وزارة المالية، التي تراعي وجود معدلات للإنفاق وتستشهد بالإنفاق الفعلي في السنتين الأخيرتين، كما أن هناك مراجعة أخرى لتقديرات النفقات تتم في اللجنة الفنية المختصة في السلطة التشريعية.

ب- تقدير الإيرادات: إن تقدير الإيرادات يثير صعوبات فنية ناشئة عن ارتباط حصيلة الضرائب بالنشاط الاقتصادي خلال السنة القادمة ،ولهذا يجب دراسة هذا النشاط بمختلف توقعاته ، وكلما كانت هذه الدراسة دقيقة كان تقدير الإيرادات أقرب ما يكون إلى الواقع إن تقدير الإيرادات بدقة يقتضي الإلمام بكافة المتغيرات الاقتصادية المؤثرة في حجم الدخل الوطني، ومن ثم حصيلة الضرائب المحصلة لحساب الدولة وهناك أربعة أساليب لتقدير الإيرادات العامة هي:

⦁ طريقة التقدير المباشر: ترمي هذه الطريقة بصفة أساسية إلى التنبؤ باتجاهات كل مصدر من مصادر الإيرادات العامة على حدة وتقدير حصيلته على هذه الدراسة المباشرة.

وفي هذه الطريقة تترك الحرية لمحضري الميزانية في تقدير الإيرادات المنتظر تحصيلها على أساس إجراء تحليل مباشر لواقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال العام المقبل.

⦁ طريقة السنة قبل الأخيرة: بمقتضى هذه الطريقة يتم تقدير الإيرادات العامة للموازنة الجديدة على أساس إيرادات السنة قبل الأخيرة، فمثلا إذا أردنا تقدير إيرادات موازنة السنة (ن) ستعتمد على إيرادات السنة الأخيرة التي عرفت نتائجها،دون إجراء أي تغيير إلا في الحالات الاستثنائية (فرض ضريبة جديدة مثلا).

⦁ طريقة الزيادة أو النقص النسبي: تقضي هذه الطريقة بأن يدون في مشروع الميزانية الجديدة أرقام الإيرادات وفق آخر سنة مالية منقضية بعد زيادتها بمعدل محدد إذا كان من المتوقع ازدياد النشاط الاقتصادي أو بعد تخفيضها بمعدل محدّد إذا كان هبوط النشاط الاقتصادي هو الأمر الأكثر توقعا.

⦁ طريقة التقدير الوسطي: حسب هذه الطريقة يتم تقدير الإيرادات للميزانية الجديدة على أساس متوسط الإيرادات المتحققة فعلا خلال فترة سابقة (ثلاث سنوات عادة).

اعتماد الموازنة

1- السلطة المختصة بالاعتماد: إذا كانت مرحلة الإعداد والتحضير قد أسندت إلى السلطة التنفيذية باعتبارها الأقدر على ذلك، أما مرحلة الاعتماد فتنفرد به السلطة التشريعية باعتبار أنها جهة الاختصاص التي تتولى مراجعة الحكومة في جميع أعمالها، بالإضافة إلى كونها ممثلة الشعب بوصفه مصدر كل السلطات في النظم الديمقراطية.

يعتبر حق السلطة التشريعية في اعتماد الموازنة من الحقوق الرئيسية التي اكتسبتها السلطة التشريعية عبر التطور التاريخي، وعليه فإن اعتماد السلطة التشريعية للموازنة لابد أن يسبق التنفيذ، بمعنى أن السلطة التنفيذية لا تستطيع البدء في تنفيذ الموازنة إلا بعد اعتمادها من طرف السلطة التشريعية.

2- إجراءات اعتماد الموازنة: بعد أن تقوم السلطة التنفيذية بإعداد مشروع الموازنة تقوم بعرضه على السلطة التشريعية حيث يقوم وزير المالية بإلقائه على البرلمان لأنه يمثل الشعب الذي يتحمل الأعباء المالية اللازمة لتغطية الإنفاق العام. يخضع اعتماد الموازنة لإجراءات دستورية تستهدف الانتهاء من بحثها في حينها حيث يتعين عرض مشروع الميزانية على السلطة التشريعية قبل بداية السنة المالية نظرا لزيادة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، أصبحت الميزانية وثيقة معقدة يصعب فهمها لدى العامة.

غالبا ما يكون هناك لجان مختصة لمناقشة مشروع الميزانية، ومعظم ما يدور حوله النقاش هو جانب النفقات وعلى الأخص على التغيرات المقترحة في مشروع الميزانية بعد التعديلات التي تجريها اللجان المختصة.
وبعد المناقشة والتداول يكون واحد من النتائج الثلاث:

⦁ اعتماد مشروع الميزانية وبعدها يطلق عليه قانون الموازنة.
رفض مشروع الموازنة وهذا الإجراء في المجتمعات الديمقراطية يؤدي إلى تغيير سياسي مثل استقالة الحكومة أوحل البرلمان.

* اعتماد مشروع الموازنة بعد إدخال بعض التعديلات عليه فإن هذه المرحلة تنتهي بصدور قانون الميزانية أو صدور الميزانية العامة كوثيقة قانونية قابلة للتنفيذ.

تنفيذ الموازنة

يقع على عاتق السلطة التنفيذية وحدها مسؤولية التنفيذ، وتقوم به من خلال الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، حيث يتم في هذه المرحلة جباية الإيرادات وصرف النفقات حسب الاعتماد المخصص لكل دائرة، ويتم الإنفاق من خلال الوحدات الإدارية وفقا لما هو مخول لها قانونا.

ويمكن توضيح عملية التنفيذ وبشكل مختصر من خلال المراحل التالية:

1- عمليات صرف النفقات: تهيمن وزارة المالية على عمليات الصرف في جميع الأجهزة والمصالح الحكومية التابعة لها عن طريق من ينوب عنها، وتمر عملية الصرف بأربعة مراحل متتالية يمكن تلخيصها فيما يلي:

⦁ الارتباط بالنفقة: ويحصل هذا الارتباط عندما تتخذ السلطة التنفيذية قرار ينتج عنه دين في ذمة الدولة يجب سداده (التوقيع على شراء سلعة …الخ.

⦁ تحديد النفقة: وهو قرار تصدره الجهة المختصة (السلطة التنفيذية) بتقدير المبلغ المستحق للدائن وخصمه من الاعتمادات المقرر في الميزانية.

ج – الإذن بالصرف: وهو الأمر الموجه إلى أمين الصندوق في الدوائر المعنية يدفع مبلغ من المال لشخص ما (الدائن) علما أن هذا الأمر يصدر من جهة رسمية مفوضة لذلك. د- صرف النفقة: أي صرف قيمة النفقة المحددة سابقا للشخص صاحب العلاقة،وقد تكون عملية الصرف (الدفع) نقدا أوشيكا مهما كان نوعه.

2- عمليات تحصيل الإيرادات العامة: تقوم الجهات الحكومية المختلفة وذات صاحبة الاختصاص بتحصيل ما ورد في الموازنة (بنود الإيرادات العامة)،وهذا طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها ولا يجوز لأي جهة كانت أن تتجاوز صلاحياتها المخولة لها قانونيا والقاعدة هي (عدم تخصيص الإيرادات العامة) وهي تعني أن تختلط جميع الإيرادات التي تحصلها الخزانة لحساب الدولة في مجموعة واحدة بحيث تمول كافة النفقات العامة للدولة دون تمييز بين إيراد وآخر حسب مصدره.

كثيرا ما يحدث في الحياة العملية اختلاف بين الإيرادات المتوقعة والإيرادات المحصلة فعلا.فإذا كانت الإيرادات المحصلة فعلا أكبر من ما هو متوقع أي أن هناك فائض في الخزانة العامة في هذه الحالة يتم تحويل الزيادة (الفائض) إلى المال الاحتياطي. أما إذا كانت الإيرادات المتوقعة أكثر من الإيرادات المحصلة فعلا أي تصبح النفقات أكبر من الإيرادات المحصلة فعلا أي تصبح النفقات أكبر من الإيرادات وبالتالي ظهور عجز في الموازنة (الخزانة العامة)، وعلى الدولة أن تغطي هذا العجز وذلك عن طريق:

⦁ فرض ضرائب جديدة أو زيادة معدلات الضرائب القائمة.

⦁ الإصدار النقدي الجديد.

⦁ كما تلجأ إلى الاقتراض.

أما إذا تبين خلال عملية تنفيذ الميزانية أن الاعتماد المخصص لغرض ما غير كافي سواء كان ذلك نتيجة خطأ في التقدير أو نتيجة ظروف طارئة فعندئذ تلجأ الحكومة إلى السلطة التشريعية للموافقة على فتح اعتمادات إضافية والتي تشمل:

– الاعتمادات التكميلية: وهي التي تقرر لتكملة إعتمادات واردة في الموازنة ولكن يتضح أثناء التنفيذ عدم كفايتها.
– الاعتمادات غير العادية: وهي الاعتمادات التي تقرر لمواجهة نفقات جديدة لم تكن واردة أصلا في الوازنة غير أنها تكون ضرورية ومهمة بسبب حدوث ظروف كانت غير متوقعة أثناء إعداد الموازنة.
والواقع أنه بعامل المرونة الذي ينبغي أن تتسم به الموازنة العامة أثره على التنفيذ وهي ضرورية لضمان نجاح مرحلة التنفيذ.

الرقابة على تنفيذ الميزانية العامة

تعد هذه المرحلة هي المرحلة الأخيرة التي تمر بها الميزانية العامة للدولة، والهدف منها هو التاكد منان تنفيذ الميزانية قد تم على الوجه المحدد للسياسة التي وضعتها السلطة التنفيذية وأجازتها السلطة التشريعية. وتأخذ الرقابة على تنفيذ الميزانية العامة صورا مختلفة ،وهي الرقابة الإدارية والرقابة التشريعية والرقابة المستقلة.

أ- الرقابة الإدارية.

ب- الرقابة التشريعية: تتمثل هذه الرقابة في حق السلطة التشريعية (البرلمان) في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية للحكومة وتتمثل تلك الرقابة، التي يطلق عليها كذلك الرقابة السياسية في مطالبة المجالس النيابية للحكومة بتقديم الإيضاحات والمعلومات التي تساهم في التأكد من سير العمليات الخاصة بالنفقات والإيرادات العامة، سواء تم ذلك في صورة أسئلة شفوية أو خطية أو حتى بالاستجواب، وعلى هذا فإن الرقابة التشريعية على الموازنة العامة تتمثل في مرحلتين: المرحلة المعاصرة لتنفيذ الميزانية والمرحلة اللاحقة على تنفيذ الميزانية العامة للدولة.

ج- الرقابة المستقلة: تعتبر هذه الرقابة أكثر أنواع الرقابة فاعلية وتتولى هذه الرقابة هيئة فنية مستقلة عن كل من الإدارة والسلطة التشريعي، وتنحصر مهمتها في رقابة تنفيذ الميزانية والتأكد من أن عمليات النفقات والإيرادات قد تمت على النحو الصادرة به إجازة السلطة التشريعية وطبقا للقواعد المالية المقررة في الدولة وذلك عن طريق مراجعة حسابات الحكومة ومستندات التحصيل والصرف ومحاولة كشف ما تتضمنه من مخالفات ووضع تقرير شامل عن ذلك.

والهيئة التي تقوم بالرقابة الخاصة (المستقلة) تختلف من دولة إلى أخرى، ففي فرنسا مثلا تتولى هذه الرقابة هيئة قضائية مستقلة(محكمة الحسابات) وفي مصر الجهاز المركزي للمحاسبات.

التوازن المالي للموازنة العامة والتوزان الاقتصادي

تطوّر مفهوم توازن الموازنة العامة للدولة

لقد تطور مفهوم توازن الموازنة العامة من توازن كمي بين الإيرادات العامة والنفقات العامة إلى توازن مالي واقتصادي واجتماعي للموازنة العامة كما يتضمن التوازن الكمي والنوعي أيضا، فيسعى التوازن المالي للموازنة العامة إلى إقامة توازن بين الأصول والخصوم وتحسين النفقات في جانب الخصوم والإيرادات في جانب الأصول، ويفترض في هذا التوازن ألاّ يكون حياديا في الحياة الاقتصادية للبلاد بل يجب أن يكون فاعلا ومؤثرا ومتدخلا ومنفعلا بها ليطوّر واقعها بشكل إيجابي. لهذا فالتوازن المالي بصفة عامة هو ما تحدثه المصادر الإيجابية في موازنة الدولة من حقن يعوض ما يترتب على مصادرها السالبة(النفقات) من تسرب بما يؤدي إلى التطابق بين العناصر المالية والعناصر الاقتصادية التي يتكون منها هيكل الاقتصاد الوطني، أي ما يقود في النهاية علاوة على التوازن الكمي (أو الحسابي) إلى إحداث توازن كيفي يتمثل في التوازن الاقتصادي العام. وبمعنى آخر يمكن القول أنّ وراء توازن النفقات (التسرب) مع الإيرادات (الحقن) في فترة الموازنة يجب الأخذ بعين الاعتبار التوازن الكمي والكيفي للجانبين السلبي والإيجابي في موازنة الدولة ويدخل عموما في الجانب الإيجابي إيرادات الدولة الاقتصادية وحصيلة الضرائب المفروضة، أما في الجانب السلبي الدين العام بكافة صوره وجميع الالتزامات التي تتحمل بها الدولة، ويمكن تفسير ذلك بما هو معلوم من أنّ عرض كل عنصر من العناصر السابقة يتمثل في إنتاج مقدار معين من المنافع الاقتصادية، وذلك عن طريق استخدام الدخل فيتحقق التوازن الاقتصادي للمالية العامة.

فالتوازن المالي للتمويل بالعجز يفترض استخدام القروض والإصدار النقدي في استثمارات ذات طابع إنتاجي تستطيع عوائدها من أرباح وسلع وخدمات وفاء هذا الدين وخدمته، أما التوازن الاقتصادي للموازنة العامة يفترض أن تكون منفعة إنفاق الإيرادات العامة لا تقل عن منفعة بقائها لدى القطاع الخاص، وهكذا فالتوازن الاقتصادي للمالية العامة يتحقق عندما تكون زيادة الدخل الوطني أو زيادة المنفعة الاقتصادية العامة في الاقتصاد الوطني معادلة على الأقل للمنفعة التي حجبت عن الدخل الوطني نتيجة اقتطاع هذه الأموال، أما إذا انخفض الدخل الوطني نتيجة ذلك فهذا يعني أنّ النفقات العامة قد تجاوزت حدها الأعلى في حين تظهر زيادة الدخل الوطني من حيث النتيجة سياسة مالية سلبية تتجلى في عدم الوصول إلى مرحلة الضغط الضريبي.

أما التوازن الاجتماعي للموازنة العامة فيقوم على أساس زيادة القوة الشرائية لدى الطبقات ذات الدخل المحدود، وكذا رفع مستواها المعيشي، وتخفيض حدة التفاوّت الطبقي بين فئات المجتمع المختلفة، فالدولة تقتطع أموالا وتعيد توزيعها فيما بعد بشكل يفترض تخفيض حدة فقر الطبقة الفقيرة وتخفيض فحش الطبقة الغنية. وعلى هذا الأساس فقد أصبح ينظر إلى توازن الموازنة ليس على الاستقلال ولكن من خلال التوازن المالي، فأي زيادة في الجاني السلبي من الذمة المالية للدولة يجب أن يتمخض عنه زيادة في الجانب الإيجابي تكون مساوية لها على الأقل.

توازن الموازنة والتوازن الاقتصادي العام

من المهام الأساسية للموازنة العامة في المفهوم الحديث أن تسهل عملية تقويم مقترحات المشروعات العامة ويمكن تعريف المشروعات العامة بأنّها: وحدة اقتصادية تملكها الدولة إما كليا أو جزئيا، مستقلة عن الجهاز الإداري للدولة، تتولى إنتاج السلع والخدمات، وتعمل في نطاق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تسعى الدولة لتحقيقها. يعتبر توازن الميزانية من أهم عوامل تحقيق التوازن الاقتصادي العام للاقتصاد الوطني والمحافظة عليه، فإذا لم يتحقق مثل هذا التوازن فإنّ ذلك من شأنه يؤدي إلى عدم توازن اقتصادي.

يتكامل التوازن المالي للموازنة العامة (التوازن بين الأصول والخصوم) مع التوازن الاقتصادي لأنّه يفرض تعادلا بين الوسائل المالية المستخدمة في المالية العامة، فعندما يفرض التوازن المالي أن يقوم تعادل بين المنفعة الاقتصادية للقطاع مع مديونيته، وبالتالي مع مديونية الدولة عندما يمول المشروع عن طريق الخزينة العامة فإنّ ذلك يعني على مستوى الاقتصادي العام منع حدوث الخلل بين المنفعة العامة والتكلفة العامة، وعندما يفرض التوازن المالي للموازنة أن يكون المردود المالي لزيادة المنفعة الاقتصادية قادرا على الوفاء بالقروض التي تمّ التمويل بها وأداء خدمة هذه القروض، فهو يفرض بذلك عدم حصول تراجع في الدخل الوطني للبلاد.

مما سبق نلاحظ أنّ مشاريع الدولة يفترض فيها تحقيق التوازن المالي أو تحقيق جدوى اقتصادية من استخدام الأموال فيها وربح وعائد معقولين، فإنّه في الوقت نفسه يفترض فيها زيادة في الدخل الوطني وصولا إلى تحقيق التوازن الاقتصادي العام. يتكامل التوازن الاقتصادي للموازنة العامة مع التوازن الاقتصادي العام حيث يفرض التوازن الاقتصادي للموازنة العامة رفع مردودية النظام الاقتصادي بما يتطلبه من تحليل دقيق لحدود الاقتطاع العام نوعا وكما بحيث يمنع هذا التوازن أن تقوم الدولة باقتطاع أموال من القطاع الخاص وتقوم بعدها بإنفاقها بحيث لا تكون زيادة في الدخل الوطني معادلة على الأقل لزيادته فيما لو بقيت هذه الأموال لدى القطاع الخاص، فالسياسة المالية السلبية هي التي تسعى من خلالها الدولة إلى تحقيق توازن اقتصادي كلي جديد أعلى من سابقة المحتمل قبل القيام بالاقتطاع والإنفاق, وفيما يتعلق بميزانيات البرامج والاداء فان ميزانيات البرامخ تختص بها السلطة العليا وتختص السلطة الادني بتنفيذ ميزانيات الاداء.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى