رأى

تجربة زراعة القمح مرتين فى العام تحت المجهر العلمى

قمح التبريد

بقلم: د. شريف رجب العريض

أولا بوجه عام  نود قبل الدخول فى الموضوع أن نقرر شىء مهم جدا وهو أن أى فكرة جديدة مقدمة من أى باحث فى المجال العلمى لابد من الترحيب بها سواء كان عليها إعتراض أو عليها قبول ما دامت الفكرة تحت التجريب فالباحث يفترض نظرياً بأن فكرته إيجابية لحين التجريب والتأكيد بعد تحليل النتائج إحصائيا, سواء كانت النتائج إيجابية طبقا لما فرضه الباحث أو كانت النتائج سلبية جاءت عكس ما افترضه الباحث ففى كلتا الحالتين نتيجة تخدم وتدعم البحث العلمى ففى الحالة الاولى (ايجابية النتائج) يتم تطبيق الفكرة على المستوى العام سواء كان فى المجال الزراعى أو الصناعى أو الطبى أو الهندسى……الخ من العلوم وفى الحالة الثانية (سلبية النتائج) أيضا تخدم البحث العلمى حيث توفر الوقت والجهد والتكاليف التى قد يبذله باحث أخر قد يقوم بنفس التجربة فسلبية النتائج تلغى عند الأخرين الإعتقاد بشئ خطأ يرونه صحيحا.

كما أن الرد على الفكرة والاعتراض عليها لابد أن يكون باسلوب وأدلة علمية معتمدة ومستندة على المراجع والأبحاث العلمية القيمة خاصة إذا كان الرد من متخصصين فى المجال أما الرد بكلمات خارجة عن النطاق العلمى فهذا لا يليق فى دائرة البحث العلمى.

ثانيا بخصوص تجربة زراعة القمح مرتين فى العام

ففى الحقيقة الباحثين الافاضل الذين قامو بهذه التجربة من الواضح أنهم بذلوا مجهود كبير ولهم كل الشكر والتقدير فنحسن الظن بهم بأنهم يريدون الخير لمصرنا الحبيبة ولكن أظن لو أنهم إطلعوا إطلاع جيد على محصول القمح من حيث أنواع وطرز القمح, ظروف النمو وخاصة تأثير درجة الحرارة, الامراض والحشرات التى تصيبه, تربية القمح, مكونات محصول القمح, تصميم وتحليل التجارب الخاصة بمحصول القمح, الإتجاهات الحديثة لتطوير محصول القمح لأعادوا النظر مرة اخرى فى تجربتهم المطروحة ونحن بإيجاز شديد جدا نطرح عدة نقاط.

قام الزملاء الافاضل الباحثين بالاعلان عن نجاح التجربة وهم لم يحصدوا النتائج أصلا فإن كان حصدوا العروة الاولى من الزراعة كما يقولون فيبقى نتائج العروة الثانية ولو قاموا بإجراء البحث من قبل وتم توثيقه علمياً ونشره فنحن نتسأل فى أى مجلة أو مؤتمر تم طرح البحث ونشره؟ فلابد من الاعلان عن ذلك.

السؤال المطروح للزملاء الأفاضل ماذا تقصدون من الزراعة مرتين؟ هل تقصدون الزراعة مرتين على نفس القطعة من الارض؟ اذا كانت الاجابة بنعم فالتجربة التى قمتم بتنفيذها ليست هى المقصودة وبها خطأ كبير لأنكم زرعتم على قطعتين مختلفتين واذا كانت الاجابة بلا فنحن هنا بصدد تجربة عادية يمكن تسميتها بتقييم زراعة القمح فى ميعادين مختلفين أحدهما مبكر والاخر متأخر وهنا لابد من طرح سؤال اخر وهو ما الهدف من التجربة؟ حتى نستطيع فتح باب المناقشة والنظر فى التجربة وتطويرها إما بالحذف أو بالإضافة لأنه فى حالة إذا كانت التجربة تقييم زراعة القمح فى ميعادين مختلفين (ميعاد مبكر واخر متأخر) فالتجربة تحتاج لتطوير كبير منها مثلا (أ) على الاقل لابد من تقييم عدد كبير من التراكيب الوراثية وليس تركيب وراثى واحد فقط كما قمتم فى التجربة باستخدام صنف واحد فقط وهو جميزة 11 (ب) ما هو الهدف من الميعاد المبكر؟ هل الهدف منه زراعة القمح بعد أصناف الارز المبكرة؟ فلابد من توضيح الهدف (ج) ما الهدف من زراعة القمح فى الميعاد المتأخر؟ هل الهدف هو زراعة القمح بعد  المحاصيل المتأخرة فى الحصاد مثل البطاطس والبصل والثوم التصديرى؟ (د) هل الهدف من التجربة مواجهة التغيرات المناخية (Climate change) وتعديل مواعيد الزراعة. فلابد من الاعلان عن أهداف التجربة  فما أكثر هذة التجارب فى مصر (تجارب التقييم فى مواعيد مختلفة) على معظم المحاصيل وباستخدام أصناف مختلفة, وأضرار التبكير والتأخير عن الميعاد الامثل للزراعة بالنسبة لمحصول القمح يعرفه معظم المزارعين فى مصر كما أن هناك برامج تربية متخصصة فى إستنباط أصناف مبكرة فى النضج تتناسب مع الزراعة المتأخرة وأصناف اخرى تتناسب مع الزراعة المبكرة يقوم بها متخصصون فى مجال تربية القمح والذين كا ينبغى أن يتم مشاركتهم حتى ولو فى الراى قبل البدء فى تنفيذ التجربة فمشاركة المتخصصين المختلفين فى البحث الواحد يعتبر من أبجديات البحث العلمى حتى يتم تنفيذ التجربة بالصورة المثلى.

هل نظرتم لتأثير التجربة على التركيب المحصولى فى مصر عند تطبيقها عملياً وذلك فى حالة نجاحها؟ فلو افترضنا نجاح التجربة فسوف يكون هناك تأثير سلبى كبير جدا على التركيب المحصولى.

فى حالة العروة الثانية كما تطرحون هناك كثير من الامراض والحشرات التى سوف تهاجم محصول القمح وأهمها فطر الصدأ الاسود الذى يأتى فى فترة ما بعد نضج المحصول فى حالة الزراعة المثلى وبالتالى تأثيره يكون غير اقتصادى فى حالة الزراعة المثلى ولكن فى حالة العروة الثانية كما تطرحون فيكون تاثير فطر الصدا الاسود اقتصادى بدرجة كبيرة جدا ويٌراجع فى ذلك المتخصصين فى أمراض ووقاية النبات الذىين كان ينبغى أن يتم مشاركتهم فى التجربة قبل التنفيذ بالاضافة الى زيادة الاستهلاك المائى فى حالة الزراعة المتأخرة.

بخصوص تبريد حبوب القمح بتعريضه لدرجات حرارة منخفضة فى ثلاجات ثم زراعته للحصول على محصول عالى. تعرف عملية تعريض الحبوب أو الاجزاء الخضرية من النبات لدرجات حرارة منخفضة للتهيئة الفسيولوجية لعملية الازهار بالارتباع (Vernalization) والذى اكتشفها العالم الألمانى Gustav Gassner عام 1928م وتتم طبيعيا لبعض المحاصيل مثل القمح والشعير الشتوى والراى وبنجر السكر والكرنب والجذر والاقحوان الذى يزرع فى المناطق الباردة ولابد من أن يتعرض لدرجات حرارة منخفظة جدا لفترة من الوقت حتى تتم عملية التزهير واذا لم يتعرض لدرجات الحرارة المنخفضة لا يتم التزهير مطلقا وبالتالى لا يعطى حبوب. أما طبيعة نمو القمح الموجود فى مصر يسمى بـالقمح الربيعى وهو الذى لا يحتاج اطلاقا الى درجات حرارة منخفضة حتى يتم التزهير فالغرض الاساسى من الارتباع هو التهيئة الفسيولوجية للوصول واتمام عملية التزهير فاذا قمنا بزراعة قمح شتوى فى مصر لا نحصل على أى حبوب لانه لا يصل الى طور التزهير ((Flowering stage الا بعد تعريضه لدرجات حرارة منخفضة.

هناك ما يعرف بدرجات الحرارة المتجمعة (Accumulated Temperature) وتختلف درجة الحرارة المتجمعة من محصول إلى اخر وتحسب درجة الحرارة المتجمعة ليوم واحد بطرح درجة حرارة صفر النمو من متوسط درجة حرارة هذا اليوم, وفى حالة زراعة القمح فى الميعاد المتأخر فإنه يصل الى طور طرد السنابل والتزهير (Heading and Flowering) أسرع من الميعاد المبكر و كذلك الميعاد الأمثل وذلك لان درجات الحرارة تكون مرتفعة وبالتالى يحصل النبات على الحرارة المتجمعة الخاصة به فى وقت قصير ويكون النبات تحت إجهاد بيئى (إجهاد الحرارة) مما يندفع الى التزهير بسرعة للحفاظ على بقائه وهذا امر طبيعى جدا كما وضحته أبحاث ومراجع علمية كثيرة.

زراعة القمح مرتين فى العام الواحد يتم فى بعض البلدان التى تحتوى على مرتفعات ومنخفضات (High & low land) تختلف اختلاف كبير فى الارتفاع عن منسوب سطح البحر وبالتالى درجات الحرارة تختلف بين المنطقتين فى نفس الوقت مما يتيح زراعة القمح مرتين فى العام الواحد.

وفى نهاية المقال أود ان أنصح جميع الباحثين المشتغلين بالبحث العلمى بالإطلاع الجيد على فكرة البحث من خلال الابحاث والمراجع السابقة وكذلك لابد من مشاركة جميع المتخصصين فى العلوم المختلفة فى البحث محل التنفيذ فالبحث الواحد يسع لعدد كبير من التخصصات المختلفة حتى تكون النتيجة مثمرة ونخرج من دائرة الفوضى العلمية التى لا تؤدى الى أى شى سوى إهدار الوقت والجهد والتكاليف وتفشى الجهل فى المجتمع المصرى.

*كاتب المقال: أستاذ بكلية الزراعة، جامعة بنى سويف

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى