رئيس التحرير

انتفاضة الأمية فى مصر

د. أسامة بدير

بقلم: د. أسامة بدير

لا تقتصر عملية التنمية المجتمعية على المتغيرات الاقتصادية فحسب ولكنها تتأثر أيضاً بالمتغيرات الاجتماعية والثقافية والتربوية، بحيث لا يمكن أن تكون الاصلاحات الاقتصادية ذات جدوى إذا اختلت منظمومة القيم الاجتماعية والأخلاقية، وانتشرت الفوضى وسلوكيات الجريمة والفساد، ويصبح التسيب التنظيمي والإداري هو سيد الموقف.

ولهذا فإن مشروعات التنمية والتى يقوم بها الصندوق الاجتماعى للتنمية تأخذ كل هذه الجوانب ضمن أنشطتها التنموية والتى تستهدف تحسين نوعية الخدمات في المناطق ذات الدخل المنخفض للنهوض بمجال التنمية البشرية لسكانها، وذلك من خلال مشروعات البرنامج التى تشمل أنشطة التنمية الاجتماعية في مجالات: التعليم والصحة والتدريب والبيئة ومحو الأمية وغيرها.

وتعتبر الأمية من أخطر المشكلات الموجودة فى الريف المصرى والتى بذلت جهود كبيرة للقضاء عليها حيث تعود جهود محو الأمية في مصر إلى نهايات القرن التاسع عشر في محاولات بدأت عام 1886م، ولكنها لم تأخذ الشكل القانوني كما أنها لم تنفذ على نطاق قومي واسع، واستمرت هذه الجهود في بداية القرن العشرين إلى أن صدر أول قانون لـمحو الأمية في عام 1944، وأوكل أمر تنفيذه لـوزارة الشئون الاجتماعية.

كما أقرت مصر قانون التعليم الإجباري للأطفال ما بين سن 6 إلى 12 عام سنة 1953 وتبنت سياسة مكافحة الأمية عام 1976، واستطاع البرنامج المعد فى اطار هذه السياسة أن يـمحو أمية 4,5 مليون شخص، إلا أنه بالرغم من تناقص نسبة الأمية بين السكان آنذاك، فإن أعداد الأميين أخذت تزداد طبقا لمعدلات النمو السكاني السريعة.

وتشير التقارير الرسمية أن عدد المصريين الذين كانوا يجهلون القراءة والكتابة بلغ نحو 14 مليون شخص في عام 1976، حيث كانت نسبة الأمية فى ذلك العام 39,4%، انخفضت إلي 28.6% في عام ٢٠٠٦، وقدر عدد الاميون بنحو 17,1 مليون شخص، تقلص إلى 16,3 مليون شخص عام 2008، ثم ارتفع أواخر عام 2009 إلى 17 مليون شخص منهم 69% من الآناث و20% من الذكور.

وأشار التقرير الذى أصدره الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن 24,9% نسبة الأمية للسكان 10 سنوات فأكثر عام 2012 مقابل 30,1% عام 2007، وقد انخفضت نسبة الأمية للذكور من 22,2% إلى 17,6%، بينما انخفضت النسبة للإناث من 38,3% إلى 32,5% خلال نفس السنوات، و17,7% نسبة الأمية فى الحضر عام 2012 مقابل 30,7% فى الريف.

وتنتشر الأمية في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية بوجه عام حيث ترتفع نسبة الأمية بصورة عامة في محافظات الصعيد وتعتبر محافظة الفيوم هي أكبر محافظة بها أكبر عدد من الأميين على نطاق الجمهورية، وتقدر بحوالي 595 ألف أمي أي ما يعادل 42% من عدد سكان المحافظة، فيما بلغت في محافظتى المنيا وأسيوط 37%، وبلغت حوالى 28% فى محافظات القاهرة والبحيرة والدقهلية والجيزة والشرقية، وتصل نسبة الأمية فى المحافظات الحضرية إلى 19,49 % وفى الوجه البحرى إلى 28,8% وفى الوجه القبلى 33,1% وفى المحافظات الحدودية 12,1%، وتبلغ نسبة الأمية حاليا 27,7% من جملة سكان مصر.

إن ظاهرة التسرب من التعليم هى أحد أهم روافد الأمية فى مصر، فالمدارس أصبحت طاردة وليست جاذبة بنسبة 32% خلال العام الواحد خاصة فى ظل زيادة أعداد الفقراء، وهو ما يعنى وجود تقارب بين عدد الفقراء وعدد الأميين حيث توجد قري نسبة الأمية فيها بين الإناث ١٠٠%.

وما من شك فى أن الأمية لها تأثير مباشر على معدلات إحداث التنمية فى مصر لارتباطها الوثيق بالفرد ومدى تأهيله كونه هو المحرك الرئيسى والمستفيد من عوائدها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وبالتالى فالأمر بالغ الأهمية عندما يكون هيكل العمالة في مصر هيكل ضعيف وبه قصور شديد، نظراً لأن الأميين في مصر يمثلون نحو ٤٥% من قوة العمل، وهو ما ينتج عنه أداء منخفض وضعيف.

لذلك كان لزاما أن تركز الدولة جهودها فى مجال محو الأمية على الفئة العمرية المستهدفة التى تقع بين 15 و35 سنة والتى بلغ فيها عدد الأميين فيها نحو 5ر5 مليون بنسبة أمية بلغت 20%، بينما وصل عدد الاميين فوق هذه الشريحة العمرية إلى 2ر11 مليون.

إن حركة مواجهة الأمية فى مصر تتقدم بخطى حثيثة على عدة محاور تضمنتها استراتيجية متكاملة تهدف إلى خفض الأمية إلى النصف اتفاقا مع التزامات مصر الدولية فى تحقيق الأهداف الإنمائية وذلك من خلال جهود مؤسسات عدديدة فى مصر حيث تم انفاق حوالى 1,5 مليار جنيه خلال العشر سنوات الماضية.

ومن بين المؤسسات التى تبذل جهود حثيثة للتعامل مع انتشار الأمية فى مصر هو الصندوق الاجتماعى للتنمية الذى يعمل فى اطار منظومة متكاملة من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية بهدف القضاء على أمية 5 ملايين شاب وفتاة في الفئة العمرية من‏15‏ ـ‏ 35‏ عاما خلال‏ الأعوام الثلاثة القادمة.

قام الصندوق الاجتماعي للتنمية خلال الفترة من يناير 1992 إلى نوفمبر 2015 بإنفاق أكثر من 15 مليار جنيه في مجالات التنمية الشاملة والمستدامة، منها 5,2 مليار جنيه في مشروعات تنمية البنية الأساسية والتنمية الاجتماعية بهدف الارتقاء بالبيئة العامة من خلال تنفيذ المشروعات العامة في المناطق الأكثر احتياجا والأكثر فقرا ومنها مشروعات مياه الشرب، وفصول محو الأمية، كما قام الصندوق بمنح قروض خلال نفس الفترة قيمتها 7,9 مليار جنيه لتمويل مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر بهدف توفير فرص عمل.

لعل المرحلة القادمة من عمر الدولة المصرية، سوف تشهد انتفاضة حقيقية لـمحو أمية مواطنيها، شريطة أن تتوافر الإرادية السياسية والتنفيذية الجادة لتحقيق ذلك الهدف الإنمائى النبيل، على اعتبار أنه السبيل الوحيد نحو انطلاقة قوية للنمو الاقتصادى والاجتماعى والحضارى لملايين المصريين.

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى