رأى

المشروعات القومية الكبرى والعادات المصرية القديمة

أ.د/صلاح يوسف

بقلم: أ.د/صلاح يوسف

وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الأسبق

مع كل حاكم في مصر القديمة تطمس الاثار ويتغير التاريخ ليمحو مجد من قبله وينسب كل ما هو حسن لنفسه أو يعتنى فقط بما يقدمه هو، ومن خلال دراسة الاثار ترى تماثيلا مقطوعة الرأس أو الايد أو الارجل، بل وترى رسما أو كتابة أو نقشا فوق نقش سابق، وحينما تزور المواقع الأثرية ترى هذا واضحا فتتعجب من هذا التفكير والسلوك الذى لا يضيف لصاحبه بل ينتقص منه.

ومع كل قيادة سياسية تبنى مشروعات قومية كبرى تفخر بها البلاد ويفخر بها الشعوب وقتها، يدفع تكلفة هذه المشروعات كل أبناء البلد ليكون مردود هذه المشروعات القومية عليهم وعلى الاقتصاد والناتج القومى، ومع مرور الزمن وتغير القيادة السياسية تتغير الاهتمامات فتجد اهمالا لتلك المشروعات القومية القائمة لتركها تموت ببطء من خلال تحميلها اعباء إضافة بطريقة ضرائب تارة أو تكاليف طاقة أو تكاليف مستلزمات إنتاج أو غير ذلك من القيود والأعباء أو بسرعة من خلال إجراءات خصخصة أو بيع بثمن بخس عادة أو فساد واهدار قيم اقتصادية بنيت على حساب الشعوب، وكم رأينا فساد في خصخصة بذريعة وجوب تولى الحكومات الاشراف وسن القوانين والأنظمة دون التدخل في الإدارة أو التنفيذ أو السيطرة على رأس المال أو منافسة القطاع الخاص وغير ذلك من الذرائع التى لا تنتهى والتى دائما في كل مكان وحين يحدث عكسها أو ما يقال دون فهم لأى استنكار الشئ وضده، وبالرغم من هذا تجد الحكومات تتبنى مشروعات قومية آخرى جديدة تبنيها على حساب الشعوب.

وفى كل الاحوال تتحمل الشعوب النفقات والخسائر ولا يتوفر لها المشاركة في الارباح أو ثمن البيع أو حتى الاشراف على البيع والتأكد من سلامة إجراءاته حيث كلها قرارات وإجراءات سيادية ومجالس الشعوب والبرلمانات هى جاهزة بختم الصك أو إزهاق البصمة عليه تلو البصمة، فهم غالبا يبصمون باسم الشعب الذى ليس له من الامر شئ، ومن جانب آخر تجد لتشجيع الاستثمار تولى الحكومات الانفاق على البنية التحتية وتمهيد التربة المناسبة لتنفيذ تلك المشروعات بمبالغ طائلة تفوق أحيانا أو غالبا التمويل اللازم لاستكمال المشروعات، ثم تقدم تلك المشروعات على طبق من فضة لمستغل محلى وهذا مزعج أو لمستغل أجنبى وهذا مضجر باسم تشجيع الاستثمار.

وبالتأكيد أنا مع المستمر الاجنبى والمحلى الجاد والشريف الذى يضيف للبلد وليس الذى يستهلك مقومات البلد وامواله من خلال البنوك التى لا تملك إلا أموال الشعوب، على الرغم من أن تشجيع الاستثمار يكون بتوفير بيئة أو مناخ يشجع الاستثمار مثل محاربة الفساد والتخلص منه كلية ومثل وجود قرارات عادلة تضمن حق المستمر فيم ينفق من ماله الخاص وليس من مال بنوك الشعب وتضمن في نفس الوقت حق الشعوب في استغلال مواردها الطبيعية وارضها الخصبة واهلها الطيبين الذين يتحولون دائما إلى القيام بدور الاجير وليس دور المالك بينما الحكومات واهل الأنظمة دائما من طبقة مختلفة عن العامة الذين دورهم هم فقط من يتحملون تكاليف نفقات اى شئ وكل شئ، بينما أصحاب القرارت دائما من الملاك وربما يكونون أو بعضهم من الاجراء بشكل آخر.

وهنا لا تستطيع أن تستوعب المدخل الاقتصادى لتلك الحكومات هل هى مع المشروعات القومية أم ضدها، هل هى مع تولى الحكومة انشاء المشروعات القومية أو مع الخصخصة، فليس من المنطق مهما كانت المبررات الساذجة التى تساق للسير في اتجاهين متضادين. من اليسير إن نفهم إن الحكومات مع كل المشروعات القومية السابقة والحالية والمستقبلة تنميها وترعاها وتضمن قدراتها على المنافسة وعلى مواكبة التطور الذى يحدث دائما بحكم الزمن وليس بحكم احد، نفهم إن حق المشروعات القومية أن تستمر وان تتعاظم قدراتها وطاقاتها ومردوداتها مع الزمن وأن أى شئ غير هذا هو فساد يجب محاسبة القائمين عليه أو مسببيه.

وعلى الجانب الاخر، إذا كانت المشروعات القومية السابقة لا تتناسب مع الحاضر ويجب تصفيتها أو التخلص منها فلا تقوموا بـمشروعات قومية يأتى من بعدكم ليتخلص منها أيضا بنفس الداعى، اعتمدوا منهاجا واحدا، اعلموا إنه مهما طال الزمان بكم فهو منقضى لا محالة، ولا تطمئنوا إلى عدم الحساب في الدنيا فحساب الاخرة أعسر وأشد، ولا تنتظروا استغفارا أو عمرة أو حجا يطهركم من هذا فحقوق الناس لا يغفرها إلا الناس، ووقت القيامة الجميع يبحث عن اى شئ ينجيه فلن تجدوا من يعفو عنكم أو يترك لك حسنة تتسولونها وقتئذ.

أنا أؤيد بشدة المشروعات القومية الكبرى فهى لصالح الشعوب وضد خصخصة اى مشروع قومى سابق مهما كان حيث كل من يأتى بعدكم سيحتقر كل ما قدمه سابقوه بذريعة الخسائر أو قدم التكنولوجيا أو تآكل الفائدة، ارحموا أنفسكم قبل شعوبكم واهتموا بما قدمه سابقوكم يحترمكم ويقدركم معاصروكم وتالييكم، وأنا بالتأكيد أكون من المقدرين لكم ولما تبذلون.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى