تحقيقات

“الفلاح اليوم” فى بحيرة إدكو لكشف المستور عن المزارع السمكية

المزارع السمكية

تحقيق: هيثم خيرى

تحلق النوارس فوق رؤوس عمال الصيد وتجميع وفرز الأسماك في مزارع الجميزة التابعة لمركز إدكو، في انتظار وجبة أسماك دسمة من البلطي والشبار والبوري والتوبار.. من المؤكد أن النوارس ستحصل على وجباتها بلا زيادة أو نقصان، لكن المؤكد أيضا أن المواطنين في القاهرة يشتهون وجبة دسمة كتلك التي تلتهمها النوارس بلا أمل، خاصة وإن كانوا من محدودي الدخل.

خلال أسابيع قليلة، قفزت أسعار أرخص أنواع البروتينات سعرا وهي الأسماك لأعلى بسرعة يصعب فهم أسبابها، ووصل سعر البلطي إلى 40 جنيها و65 لكيلو البوري والسردين البلدي لـ65 جنيه والمكرونة لـ70 جنيها.. فما الذي جرى؟

الفلاح اليوم” توجهت فورا لمزارع الجميزة ببحيرة إدكو، وهي واحدة من أهم منافذ الاستزراع السمكي على مستوى الجمهورية، لتستطلع عن قرب أسباب القفزة الجنونية التي طالت أسعار السمك، وتعرف من الصيادين وعمال فرز الأسماك والتجار وأصحاب المزارع بالورقة والقلم تكاليف تربية الأسماك، كما استمعت لمطالبهم بتعديل قانون الاستزراع السمكي الذي ينص على إقامة المزارع على مياه الصرف الزراعي.

في الثانية عشرة ليلا، يبدأ عمال صيد وفرز الأسماك أعمال حصاد السمك بعد موسم مرهق لميزانية أصحاب المزارع، وفي السادسة صباحا تكون مهمتهم قد انتهت وبدأ العمال في نقل الأسماك من المزارع إلى “بورصة السمك“.

حرفة فرز السمك

محمد سلام يعمل في فرز الأسماك بالمزارع، ويشرح حرفته قائلا إن الفرز المتفق عليه هو تقسيم السمك إلى 3 درجات، فهناك أسماك سوبر وهي 3 سمكات بلطي في الكيلو، والوسط وهو نمرة 2 ونفرز به 5 سمكات في الكيلو تقريبا، ثم الدرجة الثالثة وهو أسماك البلطي الصغيرة.

ويتابع بالقول: أيام حصاد الأسماك في المزارع تضم عددا كبيرا من العمال، مضيفا أن هذا الموسم مر على خير بدون نسبة نفوق كبيرة، لكن المشكلة كانت في ارتفاع تكاليف الإنتاج.

ويلتقط عامل آخر طرف الحديث قائلا إن حرفة فرز السمك ليست سهلة كما تبدو، وليس كل العمال بإمكانهم العمل باحتراف، لأن العامل الماهر هو الذي ينجح في تربيح صاحب المزرعة بالفرز السليم والحفاظ على الأسماك طازجة.

وينتمي عمال فرز الأسماك بإدكو لمنطقة رشيد، كانوا مزارعين في أراضيهم أو أراضي الغير، ثم انتقلوا تباعا للعمل في المزارع السمكية.. يقول أحدهم، ويدعى محمد عبد القادر، إنهم يعملون في المزارع السمكية منذ 15 عاما على الأقل، ويتعلم الفلاحون في بداية الأمر أحجام السمك وكيف يقومون بفرزها واصطيادها، ثم يتعمل العمال الفوارق بين صيد البوري والتوبار والبلطي، حيث إن “أول ضربة” في الحوض السمكي تصطاد التوبار والبوري حيث يظهر عائما ويتقافز في المياه، ثم يتم جمع البلطي الذي يعوم غالبا في الأعماق، ويليها أسماك الثعابين.

ويضيف الرجل بالقول إن عملهم يبدأ من الثانية عشرة ليلا وقد ينتهي عند الفجر أو حتى السابعة صباحا، حسب الكميات ومتطلبات السوق وسعة الأحواض وحجم الإنتاج السمكي فيها، مؤكدا في الوقت نفسه أن إنتاج المزارع هذا العام قليل و”السوق شرقان” وهو ما تسبب في رفع أسعار السمك فجأة في السوق المصري. وبحسب محمد عبد القادر وصل سعر التوبار في المزرعة إلى 30 جنيها للكيلو والبوري بـ38 والبلطي 28 جنيه.

أسباب نقص المعروض من الأسماك

محمد سالم، متعهد التاجر لدى المزارع، حيث يعتبر حلقة الوصل بين المزارع السمكية وحلقة السمك، يقول بشكل قاطع إن هذا العام يعاني من قلة فادحة في الإنتاج وأن السوق “مفيهوش سمك“. ويضيف بالقول: الأحواض لم تعد تنتج سمكا بالقدر الكافي، فضلا عن فتح باب التصدير على مصراعيه إلى دول الخليج بدون أن يكون السوق المحلي متكفيا من السمك، وهو ما تسبب في رفع أسعاره بالإضافة إلى تضاعف تكاليف الإنتاج.

ويطالب بوقف تصدير السمك المحلي المصطاد والمنتج في المزارع مؤقتا لحين استعادة أسعاره، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن أصحاب المزارع مظلومين، حيث إن الكثير من أصحاب المزارع يكتبون شيكات على أنفسهم لدى مصانع الأعلاف وفي المرحلة الأخيرة من الصيد يتبين أن الإنتاج ضعيف للغاية، بلا أي دعم من الحكومة أو إرشاد أو توجيه للمزارع.

ويرى أن بداية موسم المزارع هذا العام ليس جيدا على الإطلاق، حيث شهدت المزارع نفوق نسب كبيرة من الأسماك، ولم يتبين بعد إن كان بسبب الاستزراع على مياه الصرف الزراعي أم لأسباب أخرى.

ويؤكد طارق شهاب الدين، مدير 300 فدان مزارع سمكية في المنطقة، أن هناك العديد من المشكلات التي تواجه المستهلكين في مقدمتها عدم توافر الأسماك في السوق وارتفاع أسعاره بصورة غير مسبوقة، والأسباب الرئيسية هي أن مصر الآن تعتبر في بداية موسم استزراع سمكي جديد مع قلة المعروض، كما أن رفع الدعم عن المحروقات زاد من أسعار الجاز اللازم لتشغيل المزارع، حيث وصل سعر “تنك” الجاز إلى 7 آلاف و100 جنيه، مشددا على أن أسعار الأعلاف في ارتفاع بصورة جنونية حيث تبدأ من 8 آلاف و200 جنيه بخلاف تكلفة نقله، بعد أن كان يباع العام الماضي بـ 4 آلاف و500 جنيه، ومن المتوقع ارتفاع أسعاره إلى 10 آلاف جنيه مع زيادة الطلب عليه فور دخولنا الموسم الجديد.

توقعات بقفزات فى أسعار الأسماك

ويتوقع طارق شهاب الدين توافر أسماك البلطي في الأسواق في منتصف الصيف المقبل وهبوط سعره بنسبة ضئيلة، لكنه في كل الأحوال لن يتوافر بسعر 12 جنيها كما كان في الماضي، ولن يقل عن سعر 22 جنيه، أما في رمضان المقبل فمن المتوقع أن تشهد أسعار السمك زيادات أخرى بخلاف الزيادات الجارية الآن.. “وفي كل الأحوال لنا الله”.

ويبرر طارق شهاب الدين ارتفاع سعر السمك إلى زيادة أسعار كل مدخلات إنتاج المزارع السمكية، لذا فلابد من توفير هامش ربح للمنتجين وأصحاب المزارع، ولذا اضطروا لرفع أسعار السمك.

مواشى ودواجن ميتة لتغذية الأسماك

يبقى سؤال مهم حول تغذية الأسماك في المزارع ومدى صحة ما يشاع عن أن المربين يلقون المواشي والدواجن النافقة للأسماك كمصادر للتغذية؟

يؤكد شهاب الدين أن بعض صغار المنتجين من الصيادين يلقون بـالمواشي النافقة أمام الترع وفي البحيرات لتغذية الأسماك بطريقة غير آمنة، أما أصحاب المزارع فليس من مصلحتهم رمي الحيوانات النافقة في الأحواض السمكية لأنها تنشر الأمونيا والمواد القاتلة للأسماك، كما أن الكثير من المنتجين يخضعون لإشراف الاتحاد الأوروبي طبقا لبرنامج مع الاتحاد التعاوني للثروة المائية، ويمر مراقبون من الاتحاد على المزارع شهريا لمتابعة تغذية وأعلاف الأسماك، مضيفا أن أصحاب المزارع العشوائية “ممكن يعملوا أي حاجة، وكل مجال فيه الفاسد والصالح”، ويجب أن تراقب أجهزة الحكومة المزارع لمطأنة المستهلكين وعدم خلط الفاسد بالصالح وضمان أن المواطنين يحصلون على أسماك نظيفة وآمنة.

وبالنسبة لما يثار عن أن المزارع السمكية تلجأ لتغذية الأسماك بـ”السبلة” وهي فضلات الدواجن، فيقول شهاب الدين إن هذا الأمر وارد ويحدث بالفعل، حيث يقوم المربون بإلقاء السبلة لـ”تسميد” وتخصيب المزرعة في مرحلة تجهيزها، لأنه من المفيد وضع طحالب في المزرعة تكون غذاء طبيعيا مساعدا للأسماك، وفي الوقت نفسه تتغذى هذه الطحالب على “السبلة” بصورة غير مباشرة حيث تنتج “السبلة” كائنات عضوية تتغذى عليها الطحالب.

هل أسماك المزارع المصرية مسمومة؟

يجيب شهاب الدين بلا تردد: “استحالة يكون مسموم.. بشهادة الاتحاد الأوروبي والخواجات.. وقطع لسان اللي يقول كده.. وأقسم بالله العظيم إن بعض خبراء تربية الأسماك الأجانب يشترون منا السمك لاستهلاكه”.

ودعا لتعديل قانون الاستزراع السمكي وخاصة المادة التي تنص على إقامة المزارع السمكية على مياه الصرف الزراعي، وتغييرها إلى “مياه صالحة للاستزراع السمكي”، خاصة وأن الكثير من الدول الأوروبية ترفض استيراد أسماكنا المحلية.

أسباب ارتفاع سعر السمك

المهندس مدحت عاشور، صاحب مزارع سمكية، يوضح أسباب ارتفاع سعر السمك بشكل أكثر تفصيلا قائلا إن العام لدى المربين ينقسم إلى موسمين، نصف “شحية” أي قليلة الإنتاج ونصفها “وفرة”، والآن مصر تقف في مرحلة “نصف الشحية” وستأتي الوفرة في فصل الصيف. مضيفا أن بعض أصحاب المزارع امتنعوا هذا الموسم عن إلقاء الزريعة في الأحواض بسبب ارتفاع سعر العلف وستعجز عن تغذيتها.

ويذكر تفصيلا مكونات العلف بأنها 5 مكونات هي الذرة وفول الصويا و”الرجيعة” أو فوائض الأرز وزوائد القمح والسمك، منها 3 مكونات مستوردة بالدولار، مضيفا أن من مصلحة المنتجين أن يكون سعر الأسماك متوازنا حتى يزيد العرض والطلب على الأسماك وبالتالي ترتفع عوائد المنتجين.

ويفجر عاشور مشكلة عدم تقنين أوضاع الأحواض السمكية في منطقة الجميزة قائلا: أعمل منذ عشرين عاما على الأقل وإلى الآن لم أحصل على عقد شراء أراضي الأحواض من الدولة، وهذا الوضع البائس يعرفه ويتعامل معه كل المنتجين هنا ويعانون منه، حيث يعمل معظم أصحاب المزارع على مستوى الجمهورية تحت مظلة عقود الإيجار للمزارع، رغم أن المربين هم الذين يقومون بإجراء كل التجهيزات للأحواض ولم تتكلف الحكومة مليما منذ عشرات السنين إلى الآن، وتحصل على قيمة الإيجارات دون تسليمنا الأراضي بعقود بيع نهائية.

ويقول: بإمكاننا أن نجعل الشعب المصري كله يأكل سمك بوفرة بأسعار قليلة خلال موسم واحد فقط، بشرط توفير العقود النهائية للمربين، وإعادة النظر في أسعار الأعلاف وخفضها بأي طريقة، عن طريق إنتاج الأعلاف محليا أو تقليل قيمة الجمارك عن مكونات الأعلاف، إضافة إلى التصنيع الزراعي لأنه يضمن قيمة مضافة لصناعة الأسماك في مصر.

وأفاد بأنه على المستوى الشخصي من المستحيل أن يقوم بعمليات تصنيع زراعي أو التفكير في أي تعظيم للقيمة المضافة من السمك لأنه كمنتج “تعبان” وسط منتجين آخرين يعانون الكثير من المشكلات، مضيفا أنه لا يستطيع ضخ أموال في الأسماك طالما أنه لا يزال يخسر بسبب الكثير من العثرات التي يعاني منها المنتجون، فطالما ارتفعت أسعار السمك إلى هذا الحد لن يستطيع تحقيق أي مكاسب. وتابع بالقول: لو علينا نبيع السمك بهامش ربح بسيط جدا، حتى ولو بـ 15 جنيها فقط، لكن “ما باليد حيلة”.

ويطالب عاشور الهيئات الحكومية بعمل محطات تدوير للمياه، سواء مياه الشرب أو الصرف الزراعي وتنقيتها وتهيئتها للاستزراع السمكي بدلا من إحياء أسماك المزارع في مياه الصرف.

نقص الإنتاج السمكى بسبب الإهمال

نتجول في أرجاء الأحواض السمكية، لنكتشف بقليل من الجهد أن الأحواض التي من المفترض أن تنتج 8 إلى 10 أطنان سمك في الموسم تنتج 5 أطنان فقط، ونسأل مدحت عاشور عن السبب؟ وما إذا كانت هيئة الثروة السمكية تتابع الإنتاج السمكي في المزارع، فيجيب على الفور بالنفي، ويقول: “مفيش أي جهة بتتحرك لمساعدة المربين والمزارع”.

واختتم عاشور بقوله: “كلنا نسمع أن التجار والحلقات الوسيطة جشعين، لكني أود التأكيد أن التاجر ليس جشعا، ويحقق هامش ربح معقول وليس مبالغا فيه، إنما المشكلة الحقيقية هي ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه المصري، فضلا عما ترتب عن ارتفاع قيمة المحروقات والسولار وجميع مدخلات الإنتاج من ارتفاعات جديدة لأسعار المنتج النهائي وهو السمك.

ضعف العائد من المزارع السمكية

أحمد عبده، المدير المالي لإحدى المزارع السمكية بالجميزة، يؤكد أن تربية الأسماك تحقق هامش ربح ولكن ضعيف للغاية، حتى مع ارتفاع أسعاره، مؤكدا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة أسعار السولار بنسبة 30% وتضاعف أجور العمالة وتضاعف أسعار الآلات ومعدات التشغيل، رفع بدوره تكاليف كل مدخلات الإنتاج وبالتالي اضطررنا لتحميل جميع الزيادات على المستهلكين رغما عنا، حتى نستطيع الاستمرار في العمل، مضيفا أن تكلفة السولار وحدها على كيلو السمك يوازي نحو 6 جنيهات.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى