رأى

الاقتصاد المائي

د.جيهان رفاعي

بقلم: د.جيهان رفاعي

المياه عصب الحياة وأساس الخضرة وإنتشار الخير والمزروعات، فهي ركيزة أساسية في عجلة التطور والتقدم، فلا يمكن للزراعة والصناعة وغيرها من المشاريع أن تزدهر وتنمو إلا بوجود المياه بالإضافة إلى أهميتها البالغة في إستمرار حياة الإنسان والحيوان والنبات، وبالتالي عدم إستمرار إمدادتها يهدد حياة الشعوب ويمثل خطراُ حقيقياُ على الأمن القومي لأي دولة، لذا فمعرفة كمية المياه اللازمة لإنتاج منتج أو تقديم خدمة هو أمر ضروري لتحديد المنتجات والخدمات غير الأساسية التي يجب الإستغناء عنها لعجزها عن تقديم فائدة توازي وتفوق قيمة المياه التي أستهلكت في إنتاجها، لذلك يجب أن تعرف كمية المياه التي تستهلكها كل يوم وكيف يمكن تغيير نظامك الغذائي والحد من بصمتك المائية.

فـالبصمة المائية لأي منتج هي مجموع الماء العذب الذي أستخدم في إنتاجه، ويندرج تحت هذا المسمى كل مياه أستخدمت في إنتاجه سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، اى التي أستخدمت من لحظة البدء بإنتاج وتحضير المواد الخام المكونة للمنتج حتى وصوله إلى المستهلك جاهزاُ، ويتم إحتساب نسبة التبخر وكميات المياه الملوثة الناتجة من عمليات الإنتاج فيه ضمن البصمة المائية للمنتج، وهذا يجعل البصمة تتغير حسب نوع المنتج نفسه وحسب المنطقة الجغرافية التي ينتج فيها … وقد تم تقسيم الماء الذي يستخدم لأي منتج إلى ثلاث أقسام حيث يطلق الماء الأزرق على كمية المياه العذبة الكلية المستخدمة في إنتاجه، بينما يطلق مصطلح الماء الأخضر على المياه المتبخرة وهى مياه الأمطار التي تستهلك لري المحاصيل أثناء عملية الإنتاج أما الماء الرمادي فهو الماء اللازم لتخفيف الماء الملوث أو تنقية الناتج عن العملية ليكون صالحا للإختلاط مع المياه العذبة.

وهناك ايضا البصمة المائية للدولة وهي كميات المياه التي يستهلكها كافة مواطنيها سواء بطريقة مباشرة أو من خلال السلع والخدمات التي يحصلون عليها وتقسم إلى قسمين هما بصمة مائية داخلية وتعني كل المياه التي يتم إستهلاكها داخل الدولة وبصمة مائية خارجية وهي بصمات مائية للسلع التي تم إستيرادها من خارج البلاد مقسوماُ على عدد سكانها.

وتعتمد البصمة المائية لأي دولة على عاملين أساسيين هما معدل إستهلاك الفرد للمياه وكفاءة نظام إدارة الموارد المائية لتلك الدولة وتعتبر مؤشراُ حقيقياُ للمياه المستخدمة، ولقد دخل هذا المفهوم لنشر وزيادة الوعي بأهمية المياه وبضرورة ترشيدها والتقليل من إستهلاكها سواء داخلياُ أو خارجياُ أي سواء بالإستهلاك الوطني وإستخدام موارد المياه لإنتاج السلع والخدمات المستهلكة من قبل السكان المحليين مضاف إليها البصمة المائية الخارجية للدولة والتي تعرف بأنها المياه المستخدمة لإنتاج البضائع والخدمات المستوردة والتي تستهلك من قبل مواطني تلك الدولة مطروحاُ منها حجم المياه الإفتراضية المصدرة إلى دول أخرى.

والمياه الإفتراضية هي كمية المياه الكلية التي أستخدمت في إنتاج مادة غذائية وخاصة المنتجات الزراعية، ويهدف إستخدام هذا المفهوم إلى تحسين أرصدة الموارد المائية من خلال تحديد المحاصيل الزراعية التي يمكن إنتاجها محلياُ والأصناف التي يجب إستيرادها من خلال إضافة حساب الجدوى المائية عند حساب الجدوى الاقتصادية والإجتماعية لها.

ويمكن لهذه الطريقة أن توفر كميات هائلة وذلك بعدة طرق فمثلاُ يتم الإستغناء عن زراعة بعض المحاصيل ذات كميات المياه الإفتراضية المرتفعة ويتم إستيرادها من دول أخرى، بينما يتم زراعة محاصيل بـمياه إفتراضية أقل، ويمكن أيضاُ إستغلال هذه العملية في تغيير طرق الري والزراعة التقليدية وإستعمال وسائل حديثة وأكثر كفاءة وأيضاُ يمكن تقليل الإعتماد على المياه العذبة في زراعة الأعلاف وإستعمال مياه رمادية، فتوفير المياه من الأمور التي تسعي إليها جميع الدول والبصمة المائية هي أحد الوسائل التي تدفع المستهلك لإعادة النظر والتدقيق في مفهوم وفكرة الترشيد من كافة الجوانب والأبعاد من خلال معرفة المحتوى المائي الإفتراضي لمختلف السلع والخدمات، فلم تعد فكرة الترشيد التقليدية من الحلول المثالية التي يجب الإكتفاء بإتباعها نظراُ للتقدم التكنولوجي والأبحاث العلمية التي تجبرنا كمستهلكين على التعاطي مع المؤشرات الحالية بكثير من الحكمة والوعي والعمل على تبني المسئولين إتجاه حماية مواردهم الطبيعية وفي مقدمتها المياه، وإستخدام هذا المفهوم يساعد على تحقيق الأمن المائي في المناطق الجافة.

وتطالب بهذا هيئات دولية وهو كيفية إستخدام ملصق يوضح قيمة البصمة المائية على كل سلعة تباع في الأسواق وذلك من أجل تشجيع المزارعين وأصحاب الشركات الصناعية على زيادة الإهتمام برفع كفاءة إستخدام المياه في نشاطهم وذلك لتحسين صورة منتجاتهم عند المستهلكين.

نحن نعيش في عالم مائي يستهلك الفرد فية 2000 جالون من المياه يومياُ تذهب ما نسبتة حوالي 5% فقط من هذه الكميات للإستخدامات المنزلية ودورات المياه والحدائق، أما النسبة العظمى التي تقدر بحوالى 95% من بصمتك المائية فهي توجد في الطعام الذي نتناوله والطاقة التي نستعملها والمنتجات التي نشتريها والخدمات الأخرى التي نعتمد علىها.

إن المشاكل المائية ترتبط إرتباطاُ وثيقاُ ببنية الاقتصاد العالمي، فلقد قامت العديد من الدول بإخفاء بصمتها المائية عن طريق إستيراد البضائع المستهلكة للماء بشكل كبير من دول أخرى وهنا يزداد الضغط على الموارد المائية في هذه الدول المصدرة وخصوصاُ إذا كانت هذه الدول تعاني أصلاُ من نقص في الآليات المناسبة في ترشيد المياه وإدارتها فإن إحداث تغير في صنع القرار يمكن أن يساعد على الحصول على مياه نظيفة.

ويمكن حساب البصمة من خلال أبحاث تطبيقية تحدد كمية المياه المستخدمة لكافة مراحل إنتاج السلعة، ويمكن حساب الإستهلاك الوطني لأي دولة عن طريق تجميع بصمة السكان مضافاُ إليها البصمة المائية للسلع والخدمات والمنتجات المستوردة مطروحاُ منها بصمة السلع والمنتجات المصدرة.

والبصمة المائية للفرد في مصر تساهم فيها ثلاث قطاعات مختلفة هي على الترتيب القطاع الزراعي والقطاع الصناعي والقطاع المنزلي، وكذلك تختلف البصمة للمنتجات الحيوانية عن النباتية فالحيوانية تكون عالية جداُ وتليها المحاصيل الزيتية ثم محاصيل الحبوب.

فهي أداه لحساب الاحتياجات المائية الدقيقة للدولة وتساهم في توفير المياه المستهلكة عن طريق التوسع في إنتاج المحاصيل ذات البصمة المائية الأقل والقيمة الاقتصادية الأعلى وإتخاذ الإجراءات المناسبة لتقليل الهدر والفقد أثناء الحصاد والتخزين، وكان يوسف الصديق أول من إعتمد مفهوم المياه الإفتراضية كحل لتوفير الأمن الغذائي لشعبه، فبدل من تخزين مياه للزراعة قام بزراعة القمح وتخزينه في سنبله لضمان مياهه وهو ما يطلق علية حالياُ المياه الإفتراضية وهو أحد محاور ترشيد إستهلاك المياه وخلق وعي مائي للأفراد وبيان أثر تجارة المياه على الحالة الاجتماعية والمحلية والاقتصادية فينعكس تأثير ذلك على الأمن القومي وخلق فرص عمل والحد من الفقر.

*كاتبة المقال: باحث بمركز البحوث الزراعية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى