الإشعاع وحفظ الغذاء: التعريف والتصنيف وأساسيات التأثير البيولوجي
روابط سريعة :-

إعداد: أ.د.مصطفى محمد محمد إبراهيم
رئيس بحوث بقسم بحوث تكنولوجيا اللحوم والأسماك بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية
الإشعاع من عناصر البيئة التي نعيش فيها ونتأثر بها ونؤثر فيها، وهو موجود في كل مكان ولا يستطيع الإنسان أن ينعزل عنه. ومع تطور الإنسان وتزايد تفاعله مع البيئة وتأثيره فيها وتأثره بها، ومع زيادة الاعتماد على الطاقة النووية في الحياة العادية، وجب عليه أن يكون لديه حد أدنى من المعرفة بالإشعاع، ليعرف كيف يستفيد منه من ناحية، وكيف يتقي أخطاره من ناحية أخرى.
لقد كانت بعض المعلومات متوفرة عن تأثير الأشعة Radiation على الأحياء الدقيقة والطفيليات والحشرات منذ أوائل هذا القرن، ولكن لم يظهر منها ما يخص الغذاء إلا في أواخر عام 1940. وتعتبر الأبحاث التي بدأها Proctor وزملاؤه في معهد تكنولوجيا الأغذية بنيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية أواخر هذا العام من أوائل الأبحاث التي استهدفت استخدام الأشعة في حفظ الأغذية.
تنقسم التفاعلات الكيميائية إلى قسمين أساسيين:
الأول: والأقدم عمرًا وتاريخيًا، هي التفاعلات الكيميائية على حدود الذرات الخارجية، حيث ينتقل إلكترون أو أكثر من مدار الذرة إلى مدار آخر لذرة أخرى، أو تتلاقى إلكترونات الذرات في وسط المسافة بينهما لتكون روابط كيميائية.
النوع الثاني: هو ما نطلق عليه كيمياء نواة الذرة. فالالكترون هو شحنة كهرباء سالبة ووزنه جزء من وزن ذرة الهيدروجين (أخف الذرات)، والبروتون وحدة الكهرباء الموجبة ويوازي وزنها وزن ذرة الهيدروجين. والنيوترون مكون للذرة ولا يحمل أي شحنة كهربائية، وهو مؤلف من بروتون وإلكترون، والنواة في الوسط هي العامل المسؤول عن إعطاء كل ذرة وزنها المعين ومواصفاتها الفيزيائية. والإلكترونات حول النواة ليست ثابتة في مركزها، فهي في حركة دائمة بسرعة فائقة في مدارات خاصة.
وعليه، فإن ظاهرة المواد المشعة التلقائية ترجع إلى عدم استقرار التركيب النووي لذرات هذه العناصر، مما يترتب عليه انطلاق إشعاعات على مراحل متتالية، وتتخلف في كل مرحلة ذرات عنصر جديد ذو نشاط إشعاعي آخر، فيكون في حالة غير مستقرة إلى أن يتكون في النهاية للتسلسل الإشعاعي ذرات عنصر آخر.
وتختلف التفاعلات النووية عن التفاعلات الكيميائية في أن أنوية العناصر في التفاعلات النووية يحدث لها تغير في عدد الوحدات البنائية، وأن وزن المواد الداخلة في التفاعل النووي لا يساوي وزن المواد الناتجة عنه، وهذا النقص في الكتلة يتحول إلى طاقة تصاحب هذه التفاعلات، أي ينطبق عليها قانون بقاء الطاقة.
تعريف الإشعاع
يمكن تعريف الإشعاع ببساطة على أنه طاقة متحركة تتخلل الأجسام التي تعترض طريقها، وتترسب جزئيًا أو كليًا في هذه الأجسام، وتتأثر الأجسام حسب مقدار الطاقة التي تمتصها من هذا الإشعاع.
تصنيف الإشعاع
يمكن تصنيف الإشعاع إلى نوعين رئيسيين:
A) الإشعاع الموجي
يشمل جميع صور الطاقة الكهرومغناطيسية التي تنتقل على هيئة موجات. تتحرك الموجة بحيث ترتفع إلى أعلى نقطة نسميها قمة الموجة Crest، ثم تنزل إلى أدنى نقطة نسميها قاع الموجة Trough. وعليه، فإن طول الموجة هو المسافة بين قمتين متتاليتين أو قاعين متتاليين، ويختلف اختلافًا شاسعًا بين الصور المختلفة للطاقة الكهرومغناطيسية، من جزء من مائة من الأنجستروم في أقصر موجات أشعة جاما، إلى مئات الأمتار في أشعة الراديو.
(الأنجستروم وحدة طول مقدارها 10^-10 متر، أي جزء من مائة مليون من المتر.)
خاصية أخرى هامة بالنسبة للموجات الكهرومغناطيسية هي التردد Frequency، وهو عدد مرات صعود الموجة إلى قمتها وهبوطها إلى قاعها في الثانية الواحدة. سرعة جميع الموجات الكهرومغناطيسية ثابتة وهي سرعة الضوء، والتردد يتناسب عكسيًا مع طول الموجة: كلما طالت الموجة، قل ترددها.
معادلة العلاقة:
السرعة = التردد × طول الموجة
توجد الموجات الكهرومغناطيسية بجميع الأطوال، من أقل طول في أشعة جاما إلى أطول طول في أشعة الراديو، ويطلق على هذه الموجات مجتمعة تعبير الطيف الكهرومغناطيسي Electromagnetic Spectrum. والضوء العادي جزء صغير من هذا الطيف، ويتراوح طول موجاته بين 3900 أنجستروم للضوء البنفسجي و7700 أنجستروم للضوء الأحمر، وهو المدى الذي تؤثر به على العين البشرية.
تصنيف موجات الإشعاع الموجي:
-
أشعة جاما Gamma Rays: طولها الموجي بين 0.001 – 1 أنجستروم، مصدرها الرئيسي النظائر المشعة الطبية أو الصناعية.
-
أشعة إكس X Rays: طولها الموجي بين 1 – 400 أنجستروم، توجد في الطبيعة نتيجة التفاعلات النووية والكيميائية الطبيعية، وتستخدم في التشخيص والعلاج.
-
الأشعة فوق البنفسجية: طولها الموجي بين 400 – 3900 أنجستروم، مصدرها الطبيعي أشعة الشمس، وتعمل طبقة الأوزون على الحد منها على سطح الأرض.
-
الضوء المرئي: طول موجاته بين 3900 – 7700 أنجستروم.
-
الأشعة تحت الحمراء، الميكروويف، وأشعة الراديو: أطوالها الموجية تتزايد من 7700 أنجستروم إلى مئات الأمتار.
B) الإشعاع الجسيمي (Particle Radiation)
الإشعاع الجسيمي عبارة عن سيل من الجسيمات دون الذرية، ويشمل النيترونات، البروتونات، والإلكترونات، وأشعة ألفا (نويات ذرات الهيليوم)، وأشعة بيتا Beta rays أو أشعة الكاثود Cathode rays، وهي سيل من الإلكترونات ذات سرعة عالية، والأشعة الكونية Cosmic Rays.
الإشعاع المؤين (Ionizing Radiation):
تشمل جميع الأشعة ذات الطول الموجي الأقل من الأشعة فوق البنفسجية المرئية، وكذلك الإشعاع الجسيمي، حيث أن اختراقها لأي جسم يترك فيه كمية من الطاقة تؤدي إلى تأينه (تحول ذراته إلى أيونات نتيجة فقد بعض إلكتروناته). جميع صور الإشعاع المؤين ضارة للكائنات الحية نتيجة الطاقة التي تنقلها إلى الأنسجة.
وحدات القياسات الإشعاعية
-
الكوري Curie: وحدة قياس النشاط الإشعاعي لأي مادة مشعة، وتعرف بعدد التحللات الإشعاعية في الثانية لجرام واحد من الراديوم النقي 226، ما يعادل 3.7 × 10^10 تحلل/ثانية.
-
البكريل Becquerel: وحدة قياس أصغر، تعادل تحلل إشعاعي واحد في الثانية.
-
الرونتجن Roentgen: لقياس مدى التعرض للأشعة السينية، على أساس الطاقة المنقولة لتأين الهواء الجاف.
-
الراد Rad: تقدير الطاقة الممتصة في الأنسجة الحية، 0.01 جول/كجم = 100 إرج/جرام.
-
الجراي Gray: وحدة أكبر من الراد، 1 جراي = 1 جول/كجم = 100 راد.
-
الريم Rem: لتقدير التأثير البيولوجي للإشعاع، 1 ريم = 1 راد × معامل نوعية الإشعاع.
-
السيفرت Seifert: وحدة أكبر من الريم، 1 سيفرت = 100 ريم.
أساس الحفظ بالإشعاع
تشبه هذه الطريقة طريقة التعليب، حيث تستخدم الطاقة للحد من أو القضاء على عوامل فساد الأغذية، لكن الطاقة هنا هي الطاقة المؤينة Ionizing Radiation. الأبحاث أثبتت أن الأشعة قادرة على القضاء على جميع الأحياء الدقيقة في الأغذية، مع بعض الاستثناءات النادرة.
يجب استخدام جرعات تكفي للقضاء على سبورات البكتيريا السامة مثل Clostridium botulinum، بينما مقاومة بعض البكتيريا القليلة للأشعة لا تؤثر بشكل كبير على جودة الغذاء.
تختلف الأنزيمات عن الأحياء الدقيقة في مقاومتها للإشعاع، وللقضاء على الأنزيمات قد نحتاج جرعات عالية قد تصل لعشرة أضعاف تلك اللازمة للقضاء على الأحياء الدقيقة، مما قد يغير صفات الغذاء ويجعله غير صالح للاستهلاك. يمكن الجمع بين الإشعاع والتخزين المبرد أو المعاملة الحرارية للقضاء على إنزيمات التحلل الذاتي.
🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.



