رئيس التحرير

الأبعاد الاجتماعية لسد الفجوة الغذائية

د/أسامة بدير

بقلم: د. أسامة بدير

يعتبر الأمن الغذائي من التحديات الرئيسية في الوطن العربي، فعلى الرغم من توفر الموارد الطبيعية من أرض ومياه وبشر، فإن الزراعة العربية لم تحقق الزيادة المستهدفة من الإنتاج الزراعى لمقابلة الطلب المتزايد على الغذاء، واتسعت هوة الفجوة الغذائية.

وتسعى الدول العربية إلى توفير احتياجاتها من الغذاء عن طريق إنتاج السلع الغذائية محليا أو من خلال توفير العملة الصعبة لاستيراد النقص من الإنتاج المحلي من تلك الاحتياجات الغذائية.

وتُعد مشكلة النقص أو العجز في إنتاج الغذاء أحد أهم مظاهر الأزمة الاقتصادية في الدول العربية، ما يدل على قصور السياسات الاقتصادية الزراعية والتنموية التى تم اتباعتها خلال الفترة السابقة، ولذا أضحى التغلب على هذا القصور هو الشغل الشاغل لجميع  الدول العربية.

فى مصر يؤدى القطاع الزراعى دورا مُهما وحيويا في الاقتصاد الوطنى على اعتبار أنه القطاع المسئول عن تحقيق الأمن الغذائي بعناصره الأربعة لجميع المصريين، ويعمل فيه نحو 34% من القوى العاملة، ويُسهم بحوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي، وبـ15% من قيمة الصادرات الكلية، ويسكن نحو 57,5% من إجمالى السكان فى المناطق الريفية.

وتُعد مشكلة الأمن الغذائي في مصر من أهم المشكلات التي تواجه الاقتصاد الوطنى، وتمثل عائقا أمام تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، نظرا لتعدد أبعاد المشكلة اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا، حيث فاقت معدلات النمو في الاستهلاك المحلي معدلات النمو في الإنتاج المحلي لكثير من السلع الغذائية الرئيسية، وازدادت هوة الفجوة الغذائية اتساعا عاما بعد الآخر، الأمر الذي ترتب عليه تزايد اعتماد الدولة علي استيراد كثير من السلع الغذائية الرئيسية من الخارج وانعكاس ذلك على زيادة الأعباء علي ميزان المدفوعات الذى أثر بالسلب علي جميع برامج التنمية الشاملة والمستدامة.

وتمثل محاصيل الحبوب الركيزة الأساسية للإنتاج الزراعى وإنتاج الغذاء فى مصر وعلى رأس هذه المحاصيل يأتى محصول القمح باعتباره أحد أهم السلع الغذائية الإستراتيجية فى مصر وفقا لاعتبارات الأمن الغذائى، حيث تنتج مصر من القمح حوالى 10 مليون طن سنويا، بينما يبلغ حجم الاستهلاك 18 مليون طن، أى يتم استيراد نحو 8 مليون طن سنويا لتغطية العجز من الإنتاج المحلى من محصول القمح.

بالإضافة إلي محاصيل البذور الزيتية التي تمثل مصدرا هاما لتوفير الزيوت النباتية كأحد مكونات الغذاء الأساسية في النمط الغذائي المصري، وتتسم محاصيل الزيوت النباتية الغذائية بوجود فجوة كبيرة بين إنتاجها واستهلاكها، على اعتبار أن مصر لا تُنتج أي من زيوت الطعام سوى زيت الزيتون وتستورد الباقي من الخارج بنسبة 100%،  ومن ثم فمشكلة توفير الزيوت الغذائية للمستهلك المصري تعتبر أحد التحديات الاقتصادية الرئيسية في القطاع الزراعي.

أن سد الفجوة الغذائية وتحقيق الاكتفاء الذاتي يواجهان العديد من التحديات التي تتعلق في غالبيتها بالسياسات المتبعة في المجال الاقتصادي بوجه عام، وفي المجال الزراعي بشكل خاص، وهي: تدنى نصيب الفرد من الرقعة الزراعية لتصل إلى أقل من 12% من الفدان، والزيادة الكبيرة المتوقعة خلال السنوات القادمة للسكان، ما يزيد العبء الملقى على إنتاج الغذاء وتباين الفرق بين الإنتاج والاستهلاك، وزيادة معدلات التحضر وتغير أنماط الاستهلاك الغذائي، وتأثر أنماط الاستهلاك بالأذواق في البلاد الغربية.

وثمة أسباب أخري للفجوة الغذائية منها: ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات الزراعية نتيجة غياب السياسة الزراعية الرشيدة، وسيطرة تجار السوق السوداء على حركة تجارة الأسمدة والمبيدات، أدى ذلك إلى ضياع حقوق الفلاحين من أصحاب الملكيات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالى عزوف الفلاحين عن شرائها، وما يتبعه من تأثيرات مباشرة على تراجع إنتاجية الفدان. كما ساهمت أزمة السياسة المائية الزراعية المتبعة في ري الأراضي الزراعية بالغمر، ولا سيما أن مصر تُعد من الدول الفقيرة مائيا، إلى عدم وصول مياه الري إلى نهايات الترع، بما أدى إلى تبوير آلاف الأفدنة الزراعية في عدة محافظات، وأثر سلبا على تراجع الرقعة الزراعية المخصصة للمحاصيل الاستراتيجية. كذلك ساعدت الثقافة الغذائية للمصريين واعتمادهم على استهلاك منتجات القمح، ما جعل مصر في ظل الزيادة السكانية المتنامية من أكبر الدول المستوردة للقمح.

كما ساهمت الثقافة الغذائية فى اتباع المجتمع المصرى لأنماط استهلاكية تبنت سلوكيات غذائية خاطئة وضارة بالصحة العامة، أدت إلى استهلاك الزيوت النباتية بكميات كبيرة خلال طرق مختلفة لطهى الأطعمة، فى الوقت نفسة ليس لدينا إنتاج يقلص فجوة الاستهلاك، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع فاتورة واردات الزيوت النباتية.

ويمكن القول أن ثمة حزمة من المحددات الاجتماعية كالمهنة والدخل وعدد أفراد الأسرة والوعى أو الأمية والتعدى على الأراضى الزراعية بجميع أشكال التعدى ودرجة الارتباط بالأرض والإقامة فى الريف، يمكن أن تُساهم بشكل مباشر، وإلى حد كبير فى سد الفجوة الغذائية من المحاصيل الاستراتيجية وعلى رأسها، محصول القمح والمحاصيل الزيتية التى تُنتج الزيوت النباتية، على اعتبار أن جميع هذه المحددات الاجتماعية سالفة الذكر تخضع لبنية المجتمع، تؤثر فيه وتتأثر به، سلبا وإيجابا، قوة وضعفا، من خلال شبكة العلاقات الاجتماعية فى اطار من التوازن والتوافق والتعاون الذى يسمح بالتأثير على سلوكيات الأفراد فى سياق العقل الجماعى للمجتمع ومصالحه العليا.

للتواصل مع الكاتب: [email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى