رأى

اقتصاديات إنتاج اللبن

د.محمود سلامة

بقلم: د.محمود سلامة

لا يختلف أحد على أهمية إنتاج حليب نظيف داخل المزارع المنتجة للألبان؛ وذلك لأن اللبن من أهم البيئات الغذائية التي توفر أفضل الظروف لنمو الكثير من السلالات البكتيرية، بالإضافة إلى أنه سريع الفساد – إن لم يتمَّ التعامل معه بشكل صحي جيد بعد الحلابة، وحتى وصوله للمصنع؛ لإجراء العمليات التصنيعية المختلفة عليه، إلى أن يصل للمستهلك في نهاية رحلته.

ولإنتاج لبن نظيف هناك بُعدان: بُعدٌ فني داخل المزرعة، والذي يترتب عليه البُعد الثاني وهو البُعد الاقتصادي.

فهناك أربع وسائل رئيسة مستخدمة لإنتاج لبن نظيف في المزرعة يحتوي على أقل عدد ممكن من الميكروبات، وهي: العناية بصحة ونظافة الحيوان، صحة ونظافة العمال القائمين برعاية الحيوان وحَلْبه، مكان الحليب، أواني الحليب في المزارع الصغيرة والمحالب الآلية في المزارع الكبيرة.

وهناك عدة مُعاملات تُجرى على اللبن منذ حلبه حتى وصوله للمصنع: عملية الحليب، تصفية اللبن في المزرعة للتخلص من الشوائب المرئية، تبريد اللبن في المزرعة.

ينزل اللبن من الضرع بدرجة حرارة الجسم، وهي حرارة مناسبة ومثالية لنمو الكثير من الميكروبات الضارة وغير المرغوب فيها والتي تصل للبن من البيئة المحيطة.

ولإظهار الأهمية الاقتصادية لهذا الأمر؛ تحضرني قصة حدثت بالفعل، حكاها لي أحد الأصدقاء وهو استشاري في الثروة الحيوانية، حيث اتصل به أحد أصحاب المزارع المنتجة للألبان يطلب منه استشارة بخصوص خصم الشركة التي يورد إليها اللبن عشرة قروش عن كل كيلوجرام لبن مقابل عدم نظافة اللبن، فلنا أن نتصور حجم الخسائر التي تتكبدها مزرعة كهذه، فإذا افترضنا أنها تنتج يوميًّا ثلاثة أطنان من الحليب فقط، أي 3000 كجم × 10 قروش = 30000 قرش ÷ 100 قرش (جنية) = 300 جنية يوميًّا، أي 9 آلاف جنية شهريًّا كخصم لعدم نظافة اللبن.

بالفعل ذهب هذا الاستشاري للمزرعة، وتابع سير عملية الحلابة واكتشاف الخلل، وبدء في وضع برنامج ينفذه العمال في المحلب الآلي بشكل أسبوعي، فتحسن اللبن بصورة مذهلة وتوقفت الشركة التي تحصل على اللبن من خصم العشرة القروش عن الكيلوجرام لبن، بل مع استمرار التحسن وارتفاع جودة اللبن المنتج أضافت الشركة خمسة وعشرين قرشًا على سعر اللبن، كبدل نظافة.

يعني ارتفاع الربح وإيرادات المزرعة عن كل كجم لبن منتج (35) قرشًا بدلاً من خصم (10) قروش.

وبعد أن وصلت الأمور إلى هذا الحد بعد رفع وعي العمال ومحاربة العادات السيئة والاهتمام بنظافته المحلب، طلب الدكتور الاستشاري من صاحب المزرعة صرف مكافآت مالية لهؤلاء العمال نظيرَ هذا التطور في عادات المزرعة، إلا أنه رفض وأصرَّ على ذلك، فقام العمال بتلويث الآلات والمعدات بـالمحلب أكثر مما كان عليه الأمر قبل تعليمهم البرنامج، الذي من خلاله يُنتَج لبن نظيف؛ لأنهم أصبحوا على علم بالعمليات الفنية التي تنظِّفُ وتطهر، وبالتالي يقومون بالتلويث أيضًا بعلم، فتدهور الوضع بـالمزرعة ورجعت إلى سابق عهدها!

*كاتب المقال: باحث ومحاضر

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى