رئيس التحرير

ازدواجية معايير وزير الزراعة!

بقلم: د.أسامة بدير

انطلاق من القاعدة التى تقول أن الإنسان ما دام يعمل ويجتهد فلابد أن يُخطأ.. والذكى هنا من يدرك ويصوب أخطائه ويتعلم منها حتى لا يكررها أو ينكر آراء الآخرين، وحقهم فى رصد نتائج تلك الأعمال بالنقد والتقييم بلا هوى أو غرض شخصى، إنما المصلحة العامة هى الدافع والمحرك الرئيسى فى سبيل الوصول إلى أقصى درجات الكمال حسبة لله ثم الوطن.

وفى هذا السياق، يمكننى التعليق على تصريحات الدكتور عز الدين أبوستيت، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، حين قال عقب حضوره اجتماع لجنة الدراسات الزراعية بـالمجلس الأعلى للجامعات، مطلع الأسبوع الماضى “أن الاجتماع كان غنيا وثريا، وتناول عددا من الموضوعات التي تتعلق بـالزراعة المصرية والمشاكل التي تواجهها، وكيفية إيجاد حلول تطبيقية وعملية لها.. ووضع خطة بحثية مشتركة تساهم فيها المراكز البحثية بالوزارة بالتعاون مع كليات الزراعة .. ومساهمة كليات الزراعة مع الأجهزة المعنية بالوزارة في تدعيم الخطط الإرشادية..”.

الشاهد، أننى وقفت كثيرا عند تلك التصريحات التى أراها جد خطيرة، وتعبر عن مكنون ما يجول بعقل وفكر أعلى سلطة فى ديوان عام وزارة الزراعة المنوط لها تسيير شئون القطاع الزراعى ووضع سياساته وإعداد وتنيفذ ومتابعة وتقييم خططه فى إطار السياسة العامة للدولة المصرية والأمن الوطنى للمجتمع.

حقيقة أن سبب اندهشى من تلك التصريحات التى أدعوا المتخصصين للوقوف أمامها، والبحث فيما تعبر عن تبنى وزير الزراعة لمنطق أو منهج، ربما يحتاج إلى مراجعة حفاظا على أجهزة البحث العلمى الزراعى وكليات الزراعة والفارق بينهما فيما يتعلق بالهدف والوظيفة فضلا عن ميكانزمات العمل لكل منهما.

الغريب فى تلك التصريحات، إشارة وزير الزراعة أنه بحث مع لجنة الدراسات الزراعية بـالمجلس الأعلى للجامعات حلول تطبيقية وعملية لمشاكل الزراعة المصرية، ومساهمة كليات الزراعة في تدعيم الخطط الإرشادية.

فهل هذا معقول..؟ أن يطالب الوزير بحلول تطبيقية وهو رأس أعلى سلطة تنفيذية تتعلق بالشأن الزراعى، ولديه أكبر مركزىن بحثيين تطبيقيين فى المنطقة العربية، يستطيعا بكوادرهما التصدى بكل حزم وحسم لجميع المشاكل المزمنة للزراعة المصرية إذا ما توافرت لهما الإمكانات المالية والإدارية واللوجستية.

ثم يشير وزير الزراعة، إلى مساهمة كليات الزراعة فى دعم الخطط الإرشادية، فما علاقة كليات الزراعة بالخطط الإرشادية للوزارة؟ خاصة إذا ما علمنا أن الوزارة لديها معهد بحوث الإرشاد الزراعى والتنمية الريفية الذى يملك كوادر بحثية قادرة على إعداد وإدارة وتنفيذ الخطط والبرامج الإرشادية بكل كفاءة واقتدار، مع مرعاة واقع البيئة الريفية بكل جوانبها الإنسانية ومواردها الطبيعية المتاحة وإشكالياتها المزمنة.

لقد اتهمنا سلفا وزير الزراعة، حين سأل “الفلاح اليوم“، خلال اجتماعه بالمرشحين لمناصب رئيس مركز البحوث الزراعية، بـالعنصرية حين سألنا “لماذا لم يقتصر أعضاء اللجنة المنوط لها اختيار قيادات مركز البحوث الزراعية على علماء المركز فقط؟، فقال الوزير، التنوع فى الرؤى مطلوب وتبادل الخبرات يسمح باختيارات أفضل لتولى المناصب الهامة، مشددة على عدم العنصرية فى مسألة تشكيل اللجنة، فمصر لابد أن تبنى بتكامل جميع المؤسسات ولا نعمل فى جزر منعزلة.

أما وأننا لا نملك حق اتخاذ القرار، فإن الضرورة تقتضى تطبيق نفس المعايير على كليات الزراعة، التى لا تستعين بعلماء وباحثى مركزى البحوث الزراعية والصحراء فى اللجان العلمية الخاصة بها، أو طلب مشاركتهم فى وضع المهناهج الدراسية التى يبنى عليها إعداد الطلبة مهنيا لسوق العمل، رغم الأهمية القصوى لمشاركة الباحثين فى ذلك لأنهم الأقدر والأكفاء على تحديد متطلبات وخصائص وسمات الخريجين لسوق العمل لان طبيعة عملهم الميدانى تمنحهم تلك المزايا.

يقينى، أن وزير الزراعة وفقا للخلفية الأكاديمية القادم منها – أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة جامعة القاهرة – لديه إرث كبير يتعلق بحزم المشاكل التى تعانى منها الزراعة المصرية وإدراكه التام بفشل كل من تولى حقيبة الوزارة ذات خلفية تمرست وتربت على العمل التطبيقى بمركزى البحوث الزراعية والصحراء، ولذلك لديه قناعة تأكدت منها فى كثير من تصريحاته، وحتى قراراته فى التأصيل وتبنى لفكرة قاطرة القيادة لابد أن تكون من أساتذة كليات الزراعة يخططون ويضعون أفكارههم والوزارة بجميع مراكزها وقطاعاتها المختلفة تنفذ بلا مناقشة أو تفكير بما هو مطلوب حتى ولو كان ضد الصالح العام أو أنه غير متوافق مع البيئة موضع التنفيذ.

مرة ثانية أؤكد لوزير الزراعة، أقدر مجهودكم وتطلعكم الحثيثة من أجل تحقيق طفرة كبيرة فى القطاع الزراعى، وتنمية شاملة ومستدامة حقيقية ترتق بأبناء المجتمع الريفى خاصة والمصريين عامة، لكن الأمر يحتاج إلى مراجعة بشكل يتسم بالتكامل لا الصراع، التعاون لا التنافر، واختلاط الأهداف والوظائف بين الجهات والمؤسسات الأكاديمية والبحثية التطبيقية والصراع بينهما ليس فى مصلحة أحد إلا أعداء مصر والمتربصين بها.

وأخيرا، أقول لوزير الزراعة، كليات الزراعة والقائمين عليها لهم دور فى تأهيل الطلبة لسوق العمل وفقط، بينما المراكز البحثية التابعة للوزارة منوط لها التعامل مع الواقع الميدانى رصد وتحليل مشاكل الزراعة، وإيجاد الحلول المناسبة وتطبيقها بالشكل الذى يعالج ويقضى على المشكلة، فضلا عن إنتاج أفكار تساهم فى زيادة الإنتاج الزراعى وتقليص الفجوة الغذائية وصولا إلى الأمن الغذائى، وليس معنى كلامى الانعزال بين المؤسسات العلمية الأكاديمية والبحثية التطبيقية، فمبدأ المشاركة بين الباحثين على اختلاف تخصاصاتهم العلمية سعيا لدراسة المشكلة من كافة جوانبها، والتأكيد على أهمية مبدأ المشاركة كتوجه عالمى فى إعداد وتنفيذ البحوث لمختلف التخصصات العلمية سواء فى الداخل أو خارج الحدود الوطنية يساهم فى إيجاد حلول واقعية لمشكلات الزراعة المصرية، شريطة عدم التعدى على وظائف ومهام وفلسلفة عمل الآخر.

 للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. القربة مخرومة
    يادكتور أسامه…القادمون من الجامعات ..لاينسون أبداً أن دورهم مع الخريج ينتهى بمنحه الشهادة الجامعية أو الماجستير أو الدكتوراة…وعليه أن يقوم بتطوير الواقع إلى الأفضل ..وبالتالى تكون نظرتهم علوية دائماً لتلامذتهم فى المراكز والمعاهد البحثية…وينسون أن تلاميذتهم تم فطامهم بمجرد الحصول على الدرجة العلمية…وأن عليهم استكمال مسيرة البحث العلمى من خلال البحوث والتجارب الميدانية….وللسياسة نصيب فى ذلك الفهم…تحياتى لتناولكم الموضوع على أطراف الأصابع

  2. قيااسا على ذلك… منصب وزير الزراعة لابد أن يكون من المطبخ اى من قيادات وزارة الزراعة وليس من أساتذة الجامعات لان الاول هو اكثر دراية وخبرة بمشاكل الزراعة وله القدرة على ايجاد حلول لها … المهم اختيار الاكثر كفاءة وليس الاكثر ثقة … تحياتى الىى شخصكم الكريم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى