تقارير

اختلاف فترات الليل والنهار ..  كيف تؤثر على نمو النباتات؟

كتب: د.مدحت مراد يؤدي اختلاف فترات الليل والنهار طولا أو قصرا إلى حدوث الفصول المناخية التي تختلف فيما بينها فى عواملها المناخية كدرجة الحرارة والرطوبة الجوية والإضاءة كما ونوعا والضباب وسرعة الرياح الخ.

ويؤدى تعاقب الليل والنهار دورا هاما  في سريان الطاقة في النظام الحيوي على سطح الأرض خاصة النباتات التي تقوم بالعمليات الحيوية كإنبات البذور والتمثيل والانتحاء الضوئي ونمو المجموع الخضرى والتزهير وتساقط الأوراق وغير ذلك من العمليات التى تحتاج الى وجود الضوء لكى يتنظم الشكل الخارجى (المورفولوجى) والداخلى (الفسيولوجي) للنبات.

وأول العمليات الفسيولوجية في النبات التى تتأثر كثيرا بالزيادة أو النقص في عدد ساعات الليل والنهار هى عملية التزهير Flowering التي تعتبر مرحلة فسيولوجية أساسية يقوم بها المجموع الخضري لإنتاج البراعم الزهرية التى تنضج لتعطى الأزهار التى يتم تلقيحها فتنتج منها الثمار والبذور.

ويمتاز كل نبات بوجود موعد ثابت لا يحيد عنه لإتمام الإزهار فيه  إلا فى حالة  حدوث اختلال في عدد ساعات النهار، حيث إذا زادت ساعات الإضاءة التي يتعرض لها عن ساعات الظلام فإنه يتحول للنمو الخضري دون الدخول في مرحلة الأزهار.

وقد أوضح علماء النبات أن هناك عاملين مؤثرين معا على النبات من حيث ساعات الإضاءة  وكمية الإشعاع الساقط  ونوعه، وكذلك درجات الحرارة ليلا ونهارا هما فترة التعرض للضوء وفترة التعرض للحرارة اللتان تتحكمان في التغيرات الفسيولوجية الحادثة فى كل مرحلة من مراحل نمو النبات.

أولاً: التوقيت الضوئي Photoperiodism

يتعرض النبات لعدد من ساعات الإضاءة تقل فى الليل عنه فى النهار والعكس صحيح كما يزداد عدد ساعات النهار صيفا فى حين يقل في فصل الشتاء حيث تطول ساعات الليل. كما يتميز الصيف بارتفاع درجة الحرارة عن تلك التي تحدث فى الشتاء فى حين يتساويان في فصلى الربيع والخريف. وعلى ذلك قسمت النباتات تبعا لإزهارها إلى:

ـ نباتات النهار المحايد وهى التى يلزمها أي عدد من ساعات الإضاءة يومياً.

ـ نباتات النهار الطويل وهى تلك التى تحتاج ما بين 14 –  15 ساعة إضاءة يومياً.

ـ نباتات النهار المتعادل وهى التى تحتاج إلى  12 ساعة إضاءة يومياً.

ـ نباتات النهار القصير وهى التى تحتاج إلى 10 ساعات إضاءة يومياً.

وتختلف حساسية النباتات لفترات التعرض الضوئي بدرجة كبيرة باختلاف خطوط العرض على سطح الكرة الأرضية لذا يجب معرفة الاحتياجات الضوئية لكل جنس نباتى (من حيث شدة الإضاءة ونوع الضوء وكميته) التي تدفع لنبات للإزهار.

وقد توصل العلماء إلى أن فترة الظلام هى الجزء الحرج فى دورة التعاقب هذه وأن عملية التزهير النباتات لايمكن حثها مالم تتعرض النباتات لفترة ظلام متصلة حيث تلعب فترة الظلام دورا هاما في تحديد نشأة البراعم الزهرية الأولية، فى حين تتركز أهمية فترة الإضاءة في التأثير على عدد منشأت البراعم الزهرية.

من ذلك يتضح أن العامل المحدد في فترة التعرض الضوئى هو طول الليل وليس طول النهار مع الأخذ فى الاعتبار شدة الإضاءة المؤثرة على عملية التمثيل الضوئي والتأثير الكمي والنوعي للفترة الضوئية لهذا قسم العلماء النباتات مرة أخرى على أساس طول فترة الليل وليس طول فترة النهار.

وتعتبر أوراق النبات هي آداة الإدراك  للتعرض الضوئي التى تحث على التزهير. وتؤثر المنطقة الحمراء والزرقاء والبنفسجية أثناء امتصاصها بواسطة صبغة الكلوروفيل والأصباغ المساعدة من الطيف الكهرومغناطيسى على عملية التمثيل الضوئي فى حين تؤثر المنطقة الحمراء البعيدة في عملية التزهير من خلال الصبغة النباتية المعروفة بالفيتوكروم phytochrome وهى المختصة بالإدراك الحسي والحثى لفترة التعرض الضوئي والتحكم في عملية التزهير والإنبات وبعض الظواهر المورفولوجية الوراثية الأخرى.

وعملية التحول الداخلي للفيتوكروم ما هي إلا جزء من ميكانيكية قياس الزمن في النبات والتعبير عن توقيت حدوث فترة الظلام التي تتفاعل مع العمليات الدائرة فى النبات. وهذه العمليات الإيقاعية المتزنة أو حفظ الزمن الخلوي ما هى إلا تجسيد وانعكاس للساعة البيولوجية الحيوية biological clock في النبات.

وعندما يتعرض النبات إلى نظام بيئي متغير فإن الساعة البيولوجية يعاد تركيبها أو تكيفها مع الوقت مما يدل على مرونة عملية ميكانيكية التوقيت الزمني من خلال تأثير نظام الفيتوكروم على الساعة البيولوجية للنبات أثناء فترة الإظلام.

ولم تثبت أهمية الضوء رغما عن دوره الهام  في عملية التمثيل الضوئي إلا في عام 1779م بواسطة العالم انجنهوس الذي تعرف على عملية البناء الضوئي. فى حين أشار القرآن الكريم منذ أكثر من 12 قرنا من الزمان الى عامل مختلف حيث قال تعالى  ( وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً )  – الأنعام 99.

وبذلك بينت الآية الكريمة أن العنصر الأول و الأهم في عملية التمثيل الضوئي هو الماء الذي تنبت به البذور لتخرج أجنة النباتات إلى الحياة و بذلك ينتقل النبات إلى مرحلة البادرة التي تخرج أجزاءها الهوائية الخضراء المكونة من ساق يحمل أوراقا تنشأ في خلاياها البلاستيدات الخضراء التى تحمل الصبغة الخضراء (الكلوروفيل) والأصباغ المساعدة المختصة التى تقوم باقتناص الطاقة الضوئية من أشعة الشمس لتستخدم في تفاعل الماء مع غاز ثاني أوكسيد الكربون لتكوين السكريات وبذلك تتحول الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية (الجلكوز).

مراحل خروج النبات من الأرض وإنبات الأوراق الخضراء

وتوجد عناصر عملية التمثيل الضوئي في السماء القريبة والبعيدة حيث  توجد الطاقة الشمسية وثاني أوكسيد الكربون و فى التربة كالماء. ولا غنى للنهار عن الليل والعكس صحيح ففي عملية البناء الضوئي تتم التفاعلات سالفة الذكر في النهار، وهى تعرف بتفاعلات الضوء، أما في الليل فتستكمل التفاعلات بما يعرف بتفاعلات الظلام وفيها تزداد كميات ثاني أكسيد الكربون فينخفض الرقم الهيدروجينى pH في الخلية النباتية، ويتحول السكر إلى مادة أكثر تعقيدا هي النشا الذي ينتقل إلى مراكز تخزين النشا في البلاستيدات الخضراء ومنها إلى أنسجة خاصة في الحبة أو البذرة (نسيج الأندوسبرم أو الفلقات) أوبعض السيقان أو الجذور النباتية.

وقد ثبت أن اللون الأخضر ينعكس ولا تمتصه النباتات ولا تستفيد منه العمليات الحيوية في النبات إلا بقدر ضئيل جدا وهو بذلك يخرج من النبات بينما تمتص الأطياف الأخرى من الضوء للاستفادة منها.

وتتكون كل حبيبة من  حبيبات النشا المتكونة داخل البلاستيدة الخضراء أو أماكن التخزين الرئيسية (حبوب – درنات – ثمار – بذور – جذور …..الخ) من  سرة helium تتراكب حولها طبقات من النشا تبعا لنوع النشا الخاص بكل نبات لذلك فإن الطاقة الضوئية تتحول ليلا إلى طاقة كيميائية تتحول بدورها في النظام الحيوي إلى طاقة حرارية أثناء عملية تنفس الأوكسجين بواسطة الكائنات الحية.

وتبعا لقانون بقاء الطاقة الذي يؤكد أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث وإنما تتحول من صورة إلى أخرى تنتقل الطاقة من صورة إلى أخرى فى النبات.

ثانياً: التوقيت الحراري Thermoperiodism

يقصد بالتوقيت الحرارى تلك الفترة الحرارية يستقبلها النبات طوال حياته واللازمة للوصول بالنبات إلى مرحلة الإنتاج. لذا يحتاج كل نبات إلى دورة حرارية للوصول إلى مرحلة النضج أو الإنتاج. ولكل مرحلة من مراحل نمو النبات درجة حرارة مثلى تعطيه أعلى كفاءة حرارية لتلك المرحلة بدءا من مرحلة الإنبات حتى مرحلة الأزهار ونضج الثمار.

وتتأثر النباتات بعاملين هما درجة الحرارة وتغير طول النهار، ويؤثر تتابع الفصول المناخية من الفصل البارد ذات النهار القصير إلى الفصل الدافئ ذات النهار الطويل بدرجة كبيرة على الحالة الظاهرية  للنبات.

كما تؤثر درجة الحرارة على النضج السليم والطعم الممتاز للثمار نتيجة تعرضها لدرجات حرارة منخفضة خصوصا أثناء الليل. وتعتبر النباتات التي تتعرض إلى تعاقب درجات الحرارة النهارية مع درجات الحرارة الليلية هى الأفضل نموا و محصولا بعكس تلك التي تتعرض إلى درجات حرارة ثابتة طوال اليوم.

والخلاصة مما سبق أن سريان الطاقة في الأنظمة البيئية الحية يرتبط ارتباطا وثيقا بعملية البناء الضوئي التي تتعاقب خلالها تفاعلات الضوء مع تفاعلات الظلام لتعطي المادة العضوية (الطاقة الكيميائية) وينطلق الأكسجين اللازم للأنظمة الحيوية المختلفة وكل هذه التفاعلات ما هي إلا إرهاصات لاختلاف الليل والنهار.

وتبين أن الماء هو أساس حياة كل كائن حي لأن منه ينشأ الأوكسجين اللازم للتنفس كما أنه يشارك الهيدروجين في تصنيع المادة العضوية (المادة الغذائية والماء ذاته) وبذلك تنشأ المواد الثلاث اللازمة لحياة أي كائن على سطح الأرض من الماء.

كما لاحظ العلماء أن نشأة الأزهار وعدد منشئات الأزهار يهيمن عليها اختلاف الليل والنهار كما أن التوقيت الحراري له باع كبير في نضج الثمار وطعمها  وبالتالي إكثارها من البذور.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى