البيئة

أسامة بدير يكتب: التنوع الغذائى هو الحل لمواجهة آثار التغير المناخي

التنوع الغذائى لمواجهة التغير المناخي
التنوع الغذائى لمواجهة التغير المناخي

ثمة تساؤلات عديدة تم طرحها فى محافل علمية عقب كم هائل من التوقعات التى بُنى بعضها على بحوث علمية رصدت وحللت ظاهرة التغيرات المناخية بشكل أقرب إلى الواقع، بل وتوقعات حدوث سيناريوهات تتعلق بآثار خطيرة لهذه التغيرات المناخية على المحاصيل الزراعية، وما يتبعه ذلك من تأثر غذاء قرابة 7 مليارات شخص يعيشون على ظهر المعمورة.

لعل أهم هذه التساؤلات: هل يُمكن لأنوع معينة من الغذاء أن تختفي، أو تنقرض، أم أن الأمر مبالغ فيه؟

في وقت سابق من هذا العام، حذر العلماء من ستة مخلوقات قد تنقرض نتيجة التغيرات المناخية. فهل يمكن أن يحدث الشيء ذاته للمحاصيل الزراعية، وما نتناوله من غذاء أيضا؟

من الواضح أن المزارعين في أماكن عديدة حول العالم سيواجهون صعوبات في العقود القادمة. فهل يمكن للبحوث العلمية أن تستنبط محاصيل تستمر لفترات أطول فى التربة الزراعية دون الحاجة إلى الماء، وذلك باستخدام جينات من النباتات المتجددة. لكن إن لم يكن باستطاعتنا إيجاد السبل لحماية الأغذية الأخرى، فهل بإمكانها أن تعيش رغم التغيرات المناخية؟

على الرغم من تحذير بعض العلماء والمتخصصين من احتمال انقراض بعض الأغذية، إلا أنه لا يوجد دليل علمى قاطع حتى الأن يؤكد على أن أغذية مثل الفاصوليا والشوكولاتة والذرة والقمح سوف تنقرض. بمعنى أن المحصول نفسه لن ينقرض، ففي مكان ما من العالم سوف ينمو، وعلى الأرجح علينا أن نغير مكان زراعتنا لأنواع معينة من المحاصيل الزراعية، حيث يتزايد ارتفاع الحرارة في بعض المناطق دون الاخرى. فمن الملاحظ أن الجانب السلبي يتمثل في أن المزارعين المحليين سيعانون بموجب هذا السيناريو، وبعض الناس سيواجهون صعوبة في الحصول على بعض أنواع الغذاء.

فى رأى أن هذه الإشكالية حتى لو حدثت فإن إنتاج الغذاء لن يتأثر بشكل عام، والمؤكد أن تأمين الغذاء يمكن أن يتأثر بالطبع، وبمعنى آخر، حتى لو استمر إنتاج وزراعة أنواع معينة من الغذاء في مناطق معينة من العالم، فهذا لا يعني أن الجميع سيحصلون على نفس الكمية التي يحصلون عليها في الوقت الراهن.

فى هذا السياق استطيع القول بشكل عام، أن وفرة الكثير من الأغذية سواء من المواد الغذائية الأساسية أو كماليات الحياة مثل القهوة والشوكولاتة على الأرجح سوف تتأثر أيضا بتغير التغيرات المناخية. الكيفية التي سنشعر بها لهذه الندرة من المحاصيل الغذائية تعتمد على مدى ارتفاع درجة الحرارة ونوعية المحصول، لكن بشكل عام، ارتفاع الحرارة إلى ما بعد مستوى 30 درجة مئوية يعتبر في غاية السوء للمحاصيل الزراعية خاصة الأساسية منها، فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة إحصائية عن انتاج الذرة وفول الصويا في الولايات المتحدة انخفاضا حادا في كمية الإنتاج عند تجاوز الـ30 درجة مئوية.

الشاهد أن الولايات المتحدة الأمريكية التي هي أكبر منتج في العالم لمحصولى الذرة وفول الصويا يمكن للمزارع أن ينتقل إلى الشمال لدرجة معينة، لكن في المستقبل من المرجح أن تعاني المحاصيل الغذائية لأن التربة  فى الشمال سوف تنخفض جودتها، نتيجة للتوسع الجليدي.

كما أوضحت دراسات أخرى عن القمح في الهند وعن الذرة في أفريقيا إلى أنه إذا تجاوزت درجات الحرارة حدا معينا فإن كمية المحاصيل المنزرعة تبدأ في التراجع، فالمحاصيل يمكنها التأقلم والانتقال ولكن إلى حد معين.

لقد بات من المؤكد أن العامل المشترك بين جميع الأبحاث العلمية هو التوصل إلى أن درجات الحرارة المرتفعة جدا سوف تؤثر بصورة جوهرية على نمو المحاصيل الغذائية، لكن حدود هذا التأثير تتفاوت من محصول إلى آخر.

أعتقد أنه إذا صحت التنبؤات لنهاية القرن الحالى، فإن كثيرا من المناطق الزراعية في الولايات المتحدة وأجزاء كبيرة من العالم ستصاب بأضرار وخسائر فادحة، وفى الظروف الحالية يتعرض حوالي 4% من الأراضي المزروعة بالمحاصيل في العالم إلى الجفاف، لكن بحلول نهاية القرن الحالى يُتوقع أن تصل النسبة الى 18% سنويا.

أشارت بعض الدراسات إلى أن المحاصيل البستانية بشكل عام يمكن أن تكون الأشد تأثرا بشكل عام بسبب التغيرات المناخية، نظرا لأنها محصورة في مناطق جغرافية أصغر، حيث يوجد 18% من مناطق زراعة البن في وسط أفريقيا والبرازيل يمكن أن تصبح غير ملائمة بحلول عام 2050، بينما يرجح أن يكون للتغير المناخي آثار عميقة على إنتاج الكاكاو في غرب أفريقيا، وعليه فالنوعية الفاخرة من الشوكولاتة ستصبح أقل توفرا في المستقبل، وإن رغبت فيها، فعليك أن تدفع ثمنا أعلى للحصول عليها.

هذا يعني أن بعض أنواع الأطعمة ستكلف من يرغبون فيها أسعارا أعلى، لكن بالنسبة لمن لا يستطيعون دفع أسعار مرتفعة، سيلجأون إلى شطب هذه الأنواع من قائمة غذائهم نهائيا، أى أنه كلما قلت المحاصيل، تراجعت وفرتها، وارتفع سعرها.

ثمة تغير آخر سينتج عن التغيرات المناخية يتمثل فى اعتمادنا على المحاصيل الغذائية الأساسية مثل القمح وفول الصويا والذرة والأرز والتي تزود الجنس البشري بنحو 75% من السعرات الحرارية، إما مباشرة أو بشكل غير مباشر من خلال الحيوانات التي نربيها على هذه المحاصيل، وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية شهد العالم تزايدا في تساوي معايير الغذاء، فالطعام الذي نتناوله اليوم على مستوى العالم متشابه بنسبة 36% أكثر مما كان عليه عام 1961. وتعتبر تلك معلومات سارة بالنسبة لسكان العالم الفقراء الذين يستهلكون الآن سعرات حرارية، بروتين ودهون أكثر مما في السابق، إلا أن التجانس فيما نتناوله على مستوى العالم والاعتماد الزائد على مجموعة قليلة من المواد الغذائية الأساسية يجعلنا عرضة لتهديدات متعددة مثل الجفاف والمرض وانتشار الحشرات والتي يتوقع أن تزداد في عدة أماكن حول العالم نتيجة التغيرات المناخية.

يقينى أن هناك عدة وسائل لتخفيف كارثة نقص الغذاء العالمي على المنظور القريب والمتوسط والبعيد لعل أهمها ضرورة العمل على التوصل إلى محاصيل مقاومة للجفاف ودرجات الحرارة عن طريق الهندسة الجينية. ومازال من المبكر الحكم على مدى نجاح هذه المساعى، فالعلماء متفائلون تجاه إمكانية هندسة محاصيل غذائية تقاوم درجات الحرارة المرتفعة، لكن البعض الآخر خاصة في وزارة الزراعة الأمريكية أكثر حذرا. فالهندسة الوراثية هي أحد الحلول التي ينبغي أن نواصل تطويرها، لكنها ليست العصا السحرية التي ستحل كافة المشاكل، على اعتبار أن جميع نتائج البحوث التى تمت خلال السنوات العشر الأخيرة أشارت إلى أن الهندسة الوراثية لم تحدث تغييرا جذريا ثوريا في الزراعة.

وإلى أن تؤتي الهندسة الوراثية ثمارها، فإن حلولا أخرى يمكنها المساهمة في التغلب على بعض جوانب المشكلة، بما في ذلك زيادة كمية السماد، واتباع طرق ري أفضل، واستخدام الماكينات والآلات الزراعية التي تنتج المحاصيل الزراعية بسرعة من حقولها، أو بإقامة صوامع للتخزين تمنع التسوس للمحاصيل الزراعية، إضافة لتنويع اعتمادنا على المحاصيل الحساسة للحرارة مثل الأرز والقمح والذرة، فالعقود الماضية شهدت تغييرات جذرية فيما نأكله نتيجة لحركة التجارة العالمية، وأعتقد أن الميل إلى التنويع الغذائى سوف يستمر، فالاعتماد على عدد أكبر من المحاصيل الغذائية ينتج عنه نظام غذائي أكثر صلابة وأقل خطورة، وهو أمر يوفر تشكيلة أوسع من متطلبات التغذية للإنسان.

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى