رئيس التحرير

أسامة بدير.. يكتب: أوجاع الفلاحين في 2017 هل من علاج؟!

أيام قليلة تفصلنا عن العام الجديد. لا أحد يدري ما سيحمله لـ40 مليون فلاح، لكن من المؤكد أنّه لن ينجو من تبعات ما حدث في عام 2017، الذي شهد اشتعال العديد من القضايا الفلاحية.

لم تكن الأمور هادئة في مصر هذا العام فيما يخص القطاع الريفى، فمنذ بدايته شهد اشتعال قضايا اجتماعية اقتصادية حساسة، وملفات كبيرة إلى جانب أزمات السياسة والاقتصاد.

في هذا المقال سوف أحاول إلقاء الضوء على أبرز تلك المحطات الاجتماعية الاقتصادية الفارقة التي شهدها عام 2017 وكانت لها تداعيات خطيرة على أبناء المجتمع الريفى.

أنوه فقط، إلى أننى سأكون مُتحيزا للفلاحين على اعتبار أن هذه الشريحة الأكثر والأهم والأضعف – دعما ماديا ومعنويا ولوجستيا وحضاريا – من شرائح المجتمع التى تحملت ولا زالت معاناة وظلم وقهر واستبدال وحرمان من جميع حقوقها الإنسانية على مدار تاريخ مصر الحديث، رغم أنها تنتج مأكل ملايين المصريين، وتوفر المواد الخام التى تحتاجها كثير من الصناعات المحلية لنهضة الاقتصاد الوطنى.

ورغم كل هذه الجهود التى يبذلها الفلاحين لبناء نهضة مصر ، كشفت مؤخرا دراسة أعدها نخبة متميزة من أساتذة علم الاجتماع الريفى بـمركز البحوث الزراعية التابع لـوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، برئاسة الدكتور أحمد جمال الدين وهبة، أستاذ علم الاجتماع الريفى والوكيل الأسبق لـمركز البحوث الزراعية لشؤون الإرشاد والتدريب، والتى حملت عنوان «الآليات العملية لتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمعات الريفية في مصر» أن 83,5% من  الريفيين، يرون أنه لا توجد عدالة اجتماعية في الريف، وأرجعوا ذلك إلي ثلاث حزم من الأسباب المادية كان أهمها سوء حالة البنية الأساسية والمرافق، وأسباب سلوكية أهمها غياب العدالة والمساواة وانعدام الشفافية وفساد المحليات، وأسباب تتعلق بـالعنصرية أهمها الاهتمام بالحضر وإهمال الريف، وعدم وجود حد أدني وحد أعلي للإجور.

ولذا وجب على كباحث فى مجال الزراعة والفلاحين رصد أوجاعهم خلال عام 2017، فى محاولة لتحليل هذه الأوجاع من أجل توضيح صورة الواقع الذى يعيشه أبناء المجتمع الريفى على حقيقتها أمام صانع ومتخذ القرار..

لنبدأ بأهم وأخطر ملفات القطاع الريفى التى كان لها مردود سلبى على حياة ومعيشة الفلاحين وأسرهم، وهو ملف مستلزمات الإنتاج الزراعى أساس عملية الإنتاج الزراعى وأحد أهم عناصر الزراعة المصرية، حيث تأثرت أسعارها وجودتها ودرجة توفرها فى الأسواق بمحددات عديدة منها، تدنى حالة الاقتصاد عامة، وتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار وإملاءات صندوق النقد الدولى خاصة، ما ساهم فى صعودها بشكل متوالية هندسية مع سبق الإصرار والترصد.

فكانت زيادة أسعار الأسمدة الكمياوية خلال عام 2017 مرتين، وفي غضون أقل من عشرة شهور، حيث فاجأت الحكومة المزارعين بزيادة جديدة في أسعار الأسمدة للمحاصيل الزراعية بقرار اللجنة التنسيقية للأسمدة بـوزارة الزراعة، بالموافقة على قرار رفع سعر طن الأسمدة من 2959 جنيها وستين قرشا لليوريا إلى 3200، بزيادة قدرها 241 جنيها فى الطن، وارتفعت أسعار النترات إلى 3100 جنيه للطن، وتم تفعيل القرار بداية من 2 أكتوبر 2017 فى كل الجمعيات الزراعية.

الزيادة الأولي التي أقرتها الحكومة في يناير الماضي عقب تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار بمقدار 50%، أي رفع سعر طن الأسمدة من 2000 إلى ما يقرب من 3 آلاف جنيها لليوريا.

وإذا تحدثنا عن تقاوى المحاصيل الزراعية فقدت شهدت أسعارها خلال عام 2017 تصاعد بلا ضابط نتيجة قرار تعويم الجنيه، حين قررت وزارة الزراعة زيادة أسعار التقاوي للموسم الشتوي بالنسبة للمحاصيل والبرسيم.

وكان الارتفاع الأكبر في أسعار تقاوي القمح بجميع أصنافه، وزاد سعر الشيكارة زنه 30 كيلو جرام من 180 إلى 220 جنيها، بواقع 40 جنيها، والفول البلدي 460 جنيها للعبوة زنة 35 كيلو جرام، وتقاوي الشعير بكافة أصنافه 180 جنيها للعبوة زنة 35 كيلو جرام.

بينما وصل سعر عبوة تقاوى البرسيم زنة الكيلو جرام إلى 30 جنيها، وعبوة الحبة السوداء زنة الكيلو جرام 150 جنيها، والفاصوليا 30 جنيها للعبوة زنة الكيلو جرام، و37 جنيها لعبوة تقاوي البسلة زنة الكيلو جرام.

وعن تقاوى وشتلات الحاصلات البستانية التى يتم استيرادها من الخارج فقدر خبراء الاقتصاد الزراعى ارتفاع أسعارها بنسبة تراوحت ما بين 25 إلى 30% وفقا لسعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال فترة الاستيراد، مع ملاحظة أن الأسعار مرشحة للزيادة وفقا لقوى العرض والطلب على التقاوى والشتلات فى الداخل المحلى.

أيضا شهد عام 2017، زيادة كبيرة فى أسعار المبيدات والمحروقات عصب العملية الإنتاجية الزراعية، قدرها الخبراء بحوالى 30% بعد قرار تحرير العملة المصرية مع الوضع فى الاعتبار أسعار السوق السوداء وعمليات الغش، وما يتعرض له الفلاحين من استغلال وخسائر فادحة بسبب التجارة غير المشروعة فى جميع مستلزمات الإنتاج الزراعى، ما ساهم فى زيادة معانتهم على الصعيد الاجتماعى الاقتصادى وارتفاع معدلات الفقر وأعداد الفقراء فى الريف.

وفى هذا السياق، كشفت دراسة علمية أجريت عام 2016 أعدها فريق بحثى من مركز البحوث الزراعية، بعنوان «آليات الحماية الاجتماعية لـفقراء الريف» أن آليات الحماية وإستراتيجيات المواجهة الخاصة بمفهوم الحماية الاجتماعية للريفيين إرتبط إرتباطاً وثيقاً بالبيئة الريفية والنشاط الزراعى، حيث جأت أولى هذه الآليات من وجهة نظر الريفيين: توفير ودعم مستلزمات الإنتاج الزراعى، ووجود نظام عادل للإيجارات الزراعية، وفى المرتبة الثانية اهتم الريفيين بالجوانب المادية المحسوسة مثل تقديم الدعم المادى للفئات الفقيرة والمهمشة، وتوفير السلع والخدمات الأساسية بأسعار مناسبة، فى حين أن إدراك الريفيين بالجوانب غير المادية جاء فى مرتبة متاخرة مثل مساعدة المرضى وذوى الإحتياجات الخاصة.

وأكدت الدراسة، على أن الحماية الاجتماعية تعتبر عاملاً أساسياً فى تحقيق السلام الاجتماعى، كما تعتبر ضرورة لتماسك المجتمع وتحقيق الاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى والأمن القومى. كما تعتبر أحد آليات تنمية المجتمعات ودعامة قوية من دعائم الاستقرار المجتمعى وتقليل الصراع بين شرائح المجتمع، وتمكين الفقراء – خاصة – بعد تطبيق برامج الخصخصة، والاصلاح الاقتصادى، والتكيف الهيكلى.

وثانى القضايا الفلاحية التى أود الإشارة إليها وهى لا تقل أهمية عن سابقتها بل ربما تزيد ألا هى غياب رؤية متكاملة الأبعاد لتنمية القطاع الريفى ذات بعد استراتيجى، لا تتغير معالمها الرئيسية بتغير قيادات وزارة الزراعة وأجهزة البحث العلمى الزراعى فيها، شريطة أن تراعى الجانب الاجتماعى والحضارى لأبناء المجتمع الريفى خاصة الذين يعملون بمهنة الزراعة.

ولعل أهم مظاهر غياب هذه الرؤية وضبابية المتاح منها أن قانون الزراعة التعاقدية الذى صدر منذ شهر أبريل الماضى لا زال حتى الأن مجرد حبر على ورق، فالقانون يقوم على إنشاء مركز لتسجيل العقود الزراعية بين الفلاحين والدولة وهو ما لم يحدث حتى الآن، وينبغى على التعاونيات الزراعية أن تقوم بتسويق محاصيل المزارعين خاصة الأساسية والتى تعد استراتيجية للدولة، على أن يحصل المزارع على كامل مستحقاته بسرعة، وذلك للحد من سلسلة الوسطاء والمحتكرين، بما يضمن للفلاح عائدا مجزيا من بيع محصوله.

وكشفت نتائج دراسة علمية بعنوان «الزراعة التعاقدية لأهم المحاصيل الاستراتيجية فى جمهورية مصر العربية (القمح والأرز والقطن)»، أعدها فريق بحثى من مركز البحوث الزراعية عام 2017، أن فكرة الزراعة التعاقدية في أراضي الإصلاح الزراعي من أنجح التجارب ليس فقط لمحصول القطن ولكن لجميع المحاصيل الزراعية، حيث تلتزم التعاونيات الزراعية بتوفير معظم مستلزمات الإنتاج الزراعى في مقابل الالتزام بتوريد المحصول، كما أوضحت النتائج أن عمليات الغش في الميزان أثناء إجراء وزن المحصول لتقدير كمية الإنتاج من أكبر عوائق إتمام الزراعة التعاقدية.

وفى سياق إهمال رأس المال البشرى فى القطاع الريفى تأتى إشكالية عشوائية تنظيمات العمل الجماعى وعدم إصدار قانون موحد حتى الان يؤسس لمثل هذه التنظيمات الجماعية بالشكل الذى يحقق هدفها وفقا لمعايير منظمة العمل الدولية.

وكان إعلان الحريات النقابية العمالية في 12 مارس عام 2011 الذى تضمن “حق العمال في إنشاء وتكوين نقاباتهم والانضمام إلى النقابات التي يختارونها، وكذلك الاستقلال التام لـنقابات العمال عن الدولة في كافة أمورها، إلى جانب حق النقابات العمالية في تكوين اتحادات فيما بينها والانضمام إلى الاتحادات الدولية دون إذن الدولة” بمثابة ميلاد تأسيس نقابات واتحادات فلاحية لتمارس دور بارز فى دعم قدرات الفلاحين للمشاركة الجادة فى فعاليات التنمية الريفية على اختلاف مجالاتها.

وفى هذا السياق، تأسست عدة نقابات فلاحية بلغت أكثر من 58 نقابة واتحاد حتى نوفمبر عام 2017 (مكتب الاتصال النقابى، 2017، بيانات غير منشورة) بدعوى توحيد مصالح الفلاحين والدفاع عن حقوقهم المشتركة أمام الغير، وصولا إلى تحقيق حزمة الأهداف المتمثلة فى دعم المزارعين في مجال تسويق المحاصيل الزراعية، والتصدى لمحاولات استغلال صغار المزارعين من البنك الزراعى المصرى – بنك التنمية والائتمان الزراعى سابقا – والعمل على ايجاد بدائل اُخرى تناسب ظروفهم الاقتصادية، والضغط على الجهات المسئولة لتحرير عقود نهائية للمنتفعين بأراضى أملاك الدولة أو الإصلاح أو الأوقاف طالما كانوا يزرعونها بأنفسهم، وتمكين العمال الزراعيين من تملك مساحات مناسبة من الأراضى المستصلحة بدلا من تمليكها للأثرياء ورجال الأعمال، وتوفير الخدمات الاجتماعية والثقافية والتعليمية للمزارعين، وتمثيل صغار المزارعين أمام كافة الجهات الرسمية فى الداخل والخارج، وحماية المصالح الاقتصادية والاجتماعية لصغار المزارعين، وتحسين الدخل وارتفاع مستوى معيشة المزارعين وأسرهم من خلال التأمين الاجتماعى، وتعميم قواعد التأمين الصحى لجميع المزارعين، والمساعدة على صرف معاش بعد سن الـ60 مثل باقى المهن الاخرى.

لكن الأمر كله حتى الأن لا يزال مجهول وسط عشرات النقابات الفلاحية التى تفتقر فلسفة وماهيتها وثقافة العمل الجماعى والدفاع عن مصالح أعضائها أمام الدولة ممثلة فى أجهزتها الرسمية الزراعية والبحثية على السواء.

ويبدو أن الأمر متروك ربما عن عمد أو سوء تقدير لكن يظل الفلاحين هم ضحايا التهميش والإفقار فى ظل سياسة الخضوع لإملاءات قيادات ربما تفتقر إلى رؤية واضحة المعالم نحو ضمان واقع ومستقبل أفضل ملايين من أبناء القطاع الريفى.

ورغم التأكيد على دور الفلاح الكبير والمتعاظم في الاقتصاد الوطنى، وما يقوم به من إنتاج حقيقي وعمل مضنى من أجل رفعة وتنمية الوطن، إلا أنه لا يزال بعيد كل البعد عن بؤرة الاهتمام الرسمى خاصة على الصعيد الصحى والحياة الآمنة من خلال توفير وإتاحة منظومة التأمين الصحى فى ظل تعرضة لمخاطر جمة أثناء ممارسة مهنة الزراعة.

وفى هذا السياق، كشفت دراسة علمية أعدها فريق بحثى من مركز البحوث الزراعية عام 2016، بعنوان «دراسة استطلاعية لآراء المزارعين فى نظام التأمين الصحى على الفلاحين وعمال الزراعة»، أن 82% من الفلاحين غير مشتركين في نظام التأمين الصحي، وهذا يعكس أن نظام التأمين الصحي على الفلاحين وعمال الزراعة لم يُفعل بعد، وأن نسبة المشتركين في هذا النظام – رغم ضآلتها – لم تتعد تسجيل الأسماء أو تجميع صور بطاقات الرقم القومي، مشيرة إلى أن الأسباب الاقتصادية كانت من أهم الأسباب التي تفسر عدم سداد الفلاحين لقيمة الاشتراك السنوي للتأمين الصحي بسبب ارتفاع قيمة الاشتراك السنوي وضعف المقدرة المالية للفلاحين، علاوة على موسمية الدخول الزراعية وتأثرها بمواعيد جني المحاصيل، يليها الأسباب النفسية المتمثلة في عدم الثقة في الدولة والأجهزة الحكومية، والتشكك في تقديم خدمة طبية متميزة، والخبرات السيئة السابقة في نظم التأمين الصحي بصفة عامة.

ثم تأتى حزمة من المظاهر السلبية التى زادت من حدة معاناة المزارع هذا العام أخطرها على مستقبل الزراعة والتنمية فى مصر هى نقص مياه الرى ومتوقع زيادتها خاصة بعد بناء سد النهضة الإثيوبى، والبدء فى تخزين المياه بالسد وحرمان مصر من حوالى 30% من حصتها السنوية البالغة 55,5 مليار متر مكعب.

وكشفت دراسة أعدها الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة فى جامعة القاهرة، عام 2016 جأت بعنوان «الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المحتملة لـسد النهضة الإثيوبى وانعكاساتها على مستقبل الزراعة المصرية»، أن السيناريو الأسوأ على الإطلاق سوف يحدث إذا ما قررت إثيوبيا أن تملأ بحيرة السد فى ثلاث سنوات فقط إذ ترتفع الكمية المحجوزة سنويا إلى 24,7 مليار م م نصيب مصر منها 18,5 مليار م م سنويا، ترتفع إلى 25,5 مليار م م سنويا فى حالة الفيضان الضعيف. الأمر الذى يعنى تبوير 4,6 مليون فدان أى أكثر من 51,5% من الرقعة الزراعية الحالية.

كما أوضحت دراسة علمية حديثة أن سد النهضة، خطر إذا اكتمل بناؤه وتخزين المياه به، وسط تجاهل إثيوبيا للأضرار الواقعة على مصر، لافتة إلى أنه سيؤدى إلى كارثة إذا إنهار، دون أن تكون مصر فى حالة استعداد لهذه الكارثة.

الدراسة هى رسالة دكتوراه عام 2017 للباحث أحمد كمال عبدالحميد، من كلية الآداب بجامعة بنها، بعنوان «التأثيرات البيئية لـسد النهضة بـإثيوبيا على بحيرة ناصر باستخدام نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بُعد».

تناولت الرسالة، مدى تأثير سد النهضة بـإثيوبيا على بحيرة ناصر التى تعد خزان المياه الرئيسى لـمصر التى تمدها بإمدادات المياه السنوية، واستخدم فى ذلك أحدث التقنيات العلمية لدراسة هذه التأثيرات وأهمها نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بُعد والنماذج الهيدرولوجية، وقام بتحليل الصور الفضائية القديمة والحديثة لدراسة التطورات والتغيرات بمنطقة سد النهضة وتأثيرها على مصر.

وأظهرت دراسة بعنوان «بعض الآثار الاجتماعية الاقتصادية المتوقعة لـسد النهضة الإثيوبى على الريف المصرى»، أعدها ثلاثة من باحثى مركز البحوث الزراعية وهم: د.أسامة بدير، د.ماجدة قطب، د.سامى الغمرينى، عام 2015، أن بندى الآثار الاجتماعية الاقتصادية المتوقعة لـسد النهضة الإثيوبى على الريف المصرى اللذين كانا فى المُقدمة هما نقص الحصة السنوية من المياه، وارتفاع أسعار الغذاء، ثم تلاهما البند الخاص بزيادة معدل الهجرة من الريف إلى الحضر.

وأوصت الدراسة بـ40 مقترح للتكيف مع بعض الآثار الاجتماعية الاقتصادية المتوقعة لـسد النهضة الإثيوبى على الريف المصرى أهمها استنباط أصناف من المحاصيل تتحمل العطش والملوحة وقصيرة العمر بالتربة، وإعادة النظر فى التركيب المحصولى بهدف ترشيد استخدام مياه الرى، وإقامة مجتمعات زراعية صناعية متكاملة فى الريف.

وكان من نتيجة عدم توفر الاحتياجات المائية اللازمة لزراعة المحاصيل لجأ كثير من المزارعين إلى اعتزال مهنة الزراعة نهائيا بشتى الطرق أهمها التعدى على الأراضى وتحويلها لأغراض اخرى يمكن أن تدر عليهم دخل لمواجهة متطلبات الحياة المعيشية لهم ولأسرهم، وفى هذا السياق كشفت الدراسة التكاملية «لمشكلة التعدي على الأراضي الزراعية.. الأسباب والجذور- المقترحات والحلول» عام 2017، التى أعدها فريق من باحثى مركز البحوث الزراعية، أن هناك حزم من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والسياسية والأمنية والبيئية، هى التى تؤدى حتما إلى تفشى هذه المشكلة وصعوبة حلها بالطرق التقليدية على المستوى المحلى والوطنى، ويترتب عليها مظاهر وإشكاليات عدة تشوه قطاعات الاقتصاد الوطنى، وتؤثر بشكل خطير على بنية المجتمع وشبكة علاقته الاجتماعية.

إن الواقع الأليم الذى بات يعيش فيه الفلاح المصرى اجتماعيا واقتصاديا وحضاريا لابد وأن يتغير إذا توافرت الإرادة السياسية والعمل الجاد من أجل انتشال مصر من كوبتها الاقتصادية، فمصر فى الأساس هى بلد زراعى، ولن تنهض إلا بـالزراعة والاهتمام والارتقاء بأبناء المجتمع الريفى والتصدى بكل حزم لقضاياهم المهنية والمعيشية والخدمية على السواء وبالتوازى، حتى تتحق تنمية ريفية حقيقية تضمن وتؤكد أن القطاع الريفى بكل إشكالياته على أجندة صانع القرار ومنهج عمله الدائم.

الفلاحون هم أساس مصر.. عزها وكرامتها.. صانعى نهضتها لو أحسن متخذ القرار الريفى إدارة وتنمية هذه الطاقة البشرية صاحبة العطاء بلا حدود.. وداعا 2017 بكل ملفاته وقضاياه المُحزنة على ملايين الفلاحين فى طول مصر وعرضها، أصحاب البشرة السمراء والأيدى التى تُنبت كل الخير، وتزرع تقاوى الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية لجميع المصريين، أملا فى مستقبل واعد لوطننا تسود فيه روح العمل والمساواة والكفاح من أجل أن نحقق الاكتفاء الذاتى فى احتياجاتنا الغذائية ونملك حرية قرارنا.. ومرحبا عام 2018 الذى أتمنى أن يحمل الخير لأهلنا فى الريف، وأن يكون فيه صانع القرار على دراية كاملة بمصالح الفلاح وقضاياه وهمومه وأوجاعه إذا أردنا أن نكون بحق دولة تحترم نفسها، وترغب اللحاق بركب الدول المتقدمة.

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى