رأى

أزمة الغذاء .. بند جديد في قائمة الأزمات الأمنية

أ.د/ علي إبراهيم

بقلم: أ.د/ علي إبراهيم

أستاذ بمعهد بحوث البساتين – مركز البحوث الزراعية

في ضوء أسعار قياسية للطاقة، وإنتاج زراعي يتضاءل، وطلب استهلاكي يتزايد.. يدق ناقوس الخطر للتحذير من أزمة غذاء، وفقر يتحول إلى قاعدة، واضطرابات سياسية وأمنية قد تكتسح العالم بوجه عام والمنطقة العربية بوجه خاص، ورغم ذلك فما نشهده هذه الأيام ما هو إلا بدايات ومؤشرات عما يمكن أن تؤول إليه الأحوال، لاسيما في ضوء تزايد الأصوات المحذرة من احتمال حدوث أزمة غذاء لم يسبق لها مثيل.

وفي ظل توقع ارتفاع عدد سكان العالم إلى 8,8 مليارات نسمة بحلول عام 2030، وهو الأمر الذي يتطلب المسارعة لوضع خطة طوارئ عاجلة للمعالجة الجذرية لتلك الأزمة، داخليا وإقليميا ودوليا، وفق استراتيجية شاملة تطبق على مراحل، فورية ومتوسطة وطويلة المدى.

كما يتطلب من المنطقة العربية – التي تعاني من عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي في سد الاحتياجات الغذائية – الإجابة عن الاستفسار الذي يطرح نفسه بشكل استفزازي، وهو: هل نجم العجز الغذائي العربي عن معوقات طبيعية أم عن عدم تكافؤ الموارد الزراعية مع الموارد البشرية بحيث أصبح الوطن العربي يستهلك أكثر مما ينتج؟ وفي الجانب الآخر، كيف منعت الخلافات السياسية العربية من تبني استراتيجية فاعلة للخروج من تلك الأزمة؟.

البرنامج القومي لانتاج التقاوي

استغرق تطور البحث العلمي وأسس التفكير عدة قرون في تاريخ البشرية، حيث تعتبر مصر القديمة والإغريق هما أول من أسس هذا النوع من البحث والتفكير بالشكل التجريدي والعملي، تبعهم بخطى واسعة العرب حين استخدموا الملاحظة والتجربة كأحد أدوات البحث العلمي وبذلك هم أول من نهج المنهج التجريبي وتقصي الحقائق اكتملت دعائم التفكير وأسس البحث العلمي في أوروبا من القرن السابع عشر إلى العصر الحالي وأطلق على هذه الفترة من الزمن بالعصر الحديث.

وأصبح لمصر رصيد ضخم تعتز به من العلماء والخبراء القادرين على تطويع المنجزات العلمية لخدمة المجتمع وتنمية موارده وقدراته من خلال مراكز البحث العلمي، وترتكز أهم سياسات البحث العلمي في مصر على مجموعة من المرتكزات أهمها:

1ـ تطوير التشريعات المصرية التي تحكم التنظيم والإدارة والأداء في معاهد ومراكز البحث العلمي والتنسيق بين جهاته المتعددة.

2ـ إصدار تشريعات جديدة في مجال حقوق الملكية الفكرية بما يتوافق مع القوانين الدولية للمساهمة في دفع وتطوير قطاع صناعة البرمجيات في مصر.

3ـ البدء في تنفيذ برنامج طموح لنقل أساليب التكنولوجيا المتقدمة والملائمة لبناء قاعدة لتطوير ونقل واستحداث تكنولوجيا يكون لها دور في تطوير الإنتاج

4ـ الاستفادة من خبرة العاملين المصريين بالخارج والذين يعملون في مجالات الأبحاث والدراسات التكنولوجية التي تساهم في تطوير المخترعات الحديثة بما يتلاءم مع الظروف المحلية وبما يمكن من تطوير المنتجات المصرية للمنافسة في الأسواق العالمية.

5ـ استمرار التطوير لبرامج وطرق التعليم والتوسع في استخدام الوسائط المتعددة لإعداد أجيال جديدة من أصحاب المهارات والقادرين على استيعاب تكنولوجيا المعلومات وتوظيفها في خدمة التنمية ومواكبة ثورة المعلومات فضلاً عن استنباط تكنولوجيا توائم ظروف المجتمع المصري.

ومن هنا كانت البداية لوضع برنامج قومي للتقاوي.. إن قضية الأمن الغذائي من أهم القضايا التي برزت في الآونة الأخيرة وأصبحت واحدة من أهم خمس مشاكل رئيسية تواجه العالم النامي (الغذاء- المياه – البطالة – الديون الخارجية – التلوث).

يؤدى قطاع الزراعة دوراً هاماً وحيوياً في الاقتصاد القومي المصري, فهو القطاع المسئول عن تحقيق الأمن الغذائي للشعب المصري, حفاظاً على الأمن القومي, ويعمل في هذا القطاع نحو 34% من القوى العاملة المصرية, ويساهم بحوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي, وبنحو 15% من قيمة الصادرات الكلية, وهو أساس القطاع الريفي المصري الذي يمثل أكثر من 50% من عدد السكان.

وعلى منتجات هذا القطاع تقوم عدد كبير من الصناعات المصرية كالصناعات الغذائية والدوائية وصناعات الحلج والنسج والغزل, والزيوت والأعلاف الحيوانية والداجنية وغيرها, كما أن هذا القطاع يستوعب منتجات عدد من الصناعات مثل الأسمدة الكيماوية والمبيدات الزراعية, والألات والمعدات الزراعية, وصناعات البلاستيك والبولي إيثيلين وغيرها, إحداثاً لما يعرف بالتكامل الزراعي الصناعي.

ومع زيادة السكان في مصر, تزداد الحاجة إلى تنمية القطاع الزراعي بمعدلات تفوق معدلات النمو السكاني, وحتى لا يزداد الاحتياج إلى الاستيراد في تغطية الاحتياجات الغذائية المصرية والإخلال بالميزان التجاري المصري بما له من أثار سلبية على الاقتصاد القومي.

هذا وتقوم الدولة بجهود كبيرة لزيادة معدلات التنمية الزراعية, ولقد استهدفت استراتيجية التنمية الزراعية حتى عام 2017, تحقيق معدل نمو يصل إلى 4.1% من خلال التوسع الرأسي والتوسع الأفقي.

ان توفير الغذاء الصحي وبشكل يستطيع تكوين البنية الاساسية الصحية للمواطن المصري تعد أحد قضايا الأمن القومي، فبعد الثورة في 25 يناير لا مجال من استمرار سوء الادارة للموارد المؤثرة على عملية التغذية للمواطن المصري والتي عاني  منها كل المصريين في الفترات السابقة.

فكلنا يعلم مدى التردي الذي وصلت اليه صناعة الغذاء من سوء الرقابة والفساد ومن ذلك يجب بداية الاهتمام بكل الصناعات الخاصة بهذا الفرع الاقتصادي بل ودعمها خلال الفترة القادمة ان كنا نريد أي تقدم او رخاء.

فلا مجال لأي تنمية بدون توفير الغذاء المناسب وبالعناصر المطلوبة لبناء الجسم السليم ومنه بناء العقل السليم، وإن كانت مشكلة الغذاء تأتي في الأولوية نظرا لأنه في حد ذاته لا يستطيع الإنسان الإستغناء عنه كما إنه حق أساسي من حقوق الإنسان يجب على مختلف الدول مهما كانت أنظمتها الاقتصادية وتوجهاهتا السياسية أن تعمل على توفيره بكافة الوسائل والسبل وفي الحقيقة فإن هنا علاقة وثيقة لا يستطيع احد ان ينكرها بين الأمن الغذائي والامن القومي لاي مجتمع. فاي مجتمع لا يملك تامين قوت سكانه لن يملك حريته ومن هنا يظهر الاهتمام بقضايا الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي للسكان في الدول والمجتمعات بصفة عامة والدول العربية على وجه الخصوص.

لقد أصبح لمصر رصيد ضخم تعتز به من العلماء والخبراء القادرين على تطويع المنجزات العلمية لخدمة المجتمع وتنمية موارده وقدراته من خلال مراكز البحث العلمي.

وتعتبر زراعة الخضر من الزراعات الهامة فى كل اقطار العالم حيث هى مصدر اساسى لعناصر غذائية كثيرة وقد حبا الله مصر بمناخ يسمح بزراعة الخضر في معظم مناطقها.

تبلغ متوسط المساحة المنزرعة بمصر من محاصيل الخضر 2,116,681 فدان تنتج 18,938,231 طن سنويا، رغم ذلك نستورد معظم ان لم يكن كل تقاوى الخضر من الخارج بمبالغ طائلة حيث نستورد تقاوى خضر سنويا بمبلغ 1,5 مليار دولار ولا ننتج تقريبا اى تقاوى خضر محليا ولم يوجد اى اهتمام من قبل بإنتاج تقاوى الخضر محليا اللهم فقط شركة انتاج التقاوى الوحيدة التى استؤصلت منذ زمن ألا وهى شركة نوبا-سيد والتى لم تلقى اى دعم للحفاظ عليها او تطويرها ليصبح هناك اكثر من شركة محلية تنخرط فى صناعة انتاج التقاوى فى مصر وكذلك لم يحدث اى اهتمام من تجار التقاوى فى مصر ولم يحدث لهم التطور الطبيعى للتحول من مجرد تجار تقاوى الى مستثمرين فى مجال انتاج التقاوى وإنشاء شركات محلية تدخل هذا المجال وليصبح قى مصر صناعة انتاج تقاوى.

إشكالية إنتاج التقاوي

إن إشكالية إنتاج تقاوي الخضر فى مصر ليست بالمعضلة التي يصعب حلها والتي أستغرقت هذه المدة السابقة والتي أمتدت إلى ما يقارب من خمسة وعشرون عاماً والتي كان من أهم أسبابها:

1ـ اعتماد منهج علمي وفكري واحد في حل الإشكالية والمتمثل في “إنتاج الهجن” بشكله التقليدي اليدوي والمعتمد على مجموعة من العاملات ذوات العدد المحدود وفي مساحة محدودة مع ارتفاع نسبة الأخطاء أثناء عمل التهجينات بين السلالات بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف إنتاج تلك الهجن مع مردود ضعيف بكميات وجودة الهجن المنتجة ما أدى هذا النهج إلى فقدان السوق المصري لإنتاج التقاوي بكامله لصالح الشركات الأجنبية ووكلائهم داخل مصر.

لا تواجه مواعيد زراعة الخضر أي إشكاليه إلا في شهور “مايو ويونيو ويوليو” كموعد لزراعة الشتلات في الحقل نظراً لارتفاع درجات الحرارة، ومن الغريب والملفت لنظر أي متخصص في إنتاج التقاوي أن أصحاب ذلك الاتجاه والذي يتهم بتسليم السوق المصري لإنتاج التقاوي كلقمه سائغة للشركات الأجنبية لم يستطيعوا أو يقتربوا من حل هذه المعضلة أبداً، بل كان الاهتمام بلون الثمار وكمية المحصول في العروات التي لا تشكل أي مشكلة بالنسبة للمزارع المصري.

بالرغم من انعدام المردود الإنتاجي والتنافسي لتقاوي تلك الهجن بالسوق المصري فقد حصل على كامل الدعم المادي من ميزانية وزارة الزراعة على امتداد ربع قرن من الزمان والذي كان من محصلتة تهالك البنية التحتية لمزرعة ذات شأن في إنتاج تقاوي الخضر مثل مزرعة بحوث الخضر بقها التابعة لـمعهد بحوث البساتين مع سيطرة وسطاء الشركات الأجنبية العاملة في مجال إنتاج تقاوي الخضر على مقدرات السوق المصري من حيث السعر وزيادة الأعباء على كاهل المزارع المصري.

 4ـ مع تقدم مسيرة العلم في دول العالم وسيطرة شركات متعددة الجنسيات على أليات جديدة وسريعة مثل الهندسة الوراثية والبذور المهيأه الإنبات (primed seeds) في إنتاج تقاوي الخضر مازال البعض يحاول استنساخ نفس المنهج والأسلوب الذي ثبت فشله في حل الإشكالية مع استخدام بعض المصطلحات الحديثه مثل “مقاومة التغيرات المناخية“.

 5ـ هشاشة السوق المصري لإنتاج التقاوي وعدم القدرة على مواجهة انهيار المقاومة الوراثيه أو المستحدثة للهجن الأجنبية، ولعل أوضح مثال لذلك هو ماحدث مع هجين الطماطم (023) وتكبد آلاف المزارعين خسارة بملايين الجنيهات جراء ذلك النهج.

الحل:

ـ وضع خطه سريعة ومحكمة لإنتاج تقاوي الأصناف الثابتة وراثياً والمسجلة ذات السمعة الجيدة بين المزارعين المصريين، خاصة أصناف محاصيل العائلة البقولية (فاصوليا – لوبيا – بسلة) لاستعادة ما فقد من السوق المصري لصالح الأصناف والهجن الأجنبية مع الحصول على مدخلات مالية سريعة تساهم في دعم الخطة الإنتاجية لباقي الأصناف.

ـ إقامة كيان زراعي عملاق كقاعدة لإكثار جميع بذور المربي (النواه) لأصناف محاصيل الخضر والتي تتميز بالأتي:

1ـ هذه الأصناف ذات قاعدة وراثية عريضة لها القدره على تحمل التغيرات المناخية والأفات المتوطنة بالبيئة المصرية.

2ـ ذات سمعهةجيدة للمزارع والمستهلك المصري على مدار سنوات طويلة.

3ـ تتميز بتكاليف إنتاج منخفضه مقارنة بتكاليف إنتاج الهجن.

4ـ ذات احتياجات سمادية ومعدلات ري أقل بكثير من احتياجات الهجن.

5ـ تلك الأصناف قد مضى على استنباطها ما يزيد على 20 سنة أي لا ينطبق عليها اتفاقيات الاتحاد الدولي لحماية الأصناف الجديدة من النبات  (UPOV).

6ـ من أهم مميزات الأصناف أن مجرد تواجدها بالأسواق يعمل على ضبط أسعار التقاوي المستوردة لوجود منافس لها قادر على ملء الفراغ الإنتاجي لهذه الشركات تحت أي ظرف طارئ.

ـ التواصل مع شركات إنتاج التقاوي الوطنية بالقطاع الخاص للتعاون المشترك في مجال إنتاج تقاوي الخضر بما يعود بالنفع على الطرفين وعلى المزارع المصري في المقام الأول.

ـ قام فريق من الباحثين بالتواصل  مع بعض الشركات ووضع برنامج طموح لانتاج التقاوي في مصر وبعد التنفيذ حقق نتائج أولية ممتازة.  

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى