رأى

أزمة الزراعة.. بين روتين لجان المخصبات والمبيدات

محمد فتحى سالم

بقلم: محمد فتحى سالم

ما تتعرض له الزراعة المصرية حالياً من معوقات روتينية تكبل تحقيق مصر الاكتفاء الذاتى فى أهم المحاصيل الاستراتيجية، وهى القمح وفول الصويا والذرة الصفراء والزيوت النباتية والسكر والقطن وتقاوى الخضروات وأيضاً اللحوم الحمراء واللحوم البيضاء والأسماك وما تتكلفه خزانة الدولة ما يقرب من 400 مليار جنيه سنوياً نتيجة استيراد هذه المحاصيل من الخارج لسد الجوع فى فم 104 ملايين مواطن مصرى يعيشون على رقعة زراعية تتجاوز 9 ملايين فدان موزعة بين أراضٍ قديمة بالدلتا وأراضٍ مستصلحة حديثاً.

وهذه الفجوة تتزايد سريعاً بسبب ضعف الرؤية العلمية السليمة واختيار اللجان العلمية فى وزارة الزراعة وفقاً للأهواء ومبدأ أهل الثقة وأحياناً الجهل بدلاً من أهل العلم والكفاءة فى هذه اللجان.

وبناءً عليه لا توجد معايير علمية فى اختيار اللجان العلمية فى مجالى المبيدات ومكافحة الآفات من عدم تسجيل المبيدات الممنوعة عالمياً مثل مجموعة الكلوروبيروفوس Chlorpyrifos ومجموعة الجليفوسات Glyphosate والتى أجمع العالم كله على عدم استخدامهما فى الزراعة لما تسببه من أضرار صحية جسيمة تسبب السرطان للإنسان وقد تم منعهما من الاستخدام عالمياً بقرارات ملزمة من الاتحاد الأوروبى منذ عدة سنوات ولكن لأننا ليس لدينا اطلاع علمى حول ما يجرى حولنا من متغيرات وخاصة لدى دول الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى الأكبر لمصر (70% من صادراتنا للاتحاد الأوروبى) والباقى موزع بين دول الخليج العربى.

وفى هذه النقطة لابد من شكر دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة فى حكومتها الرشيدة عندما قامت منذ 3 سنوات فى عام 2014 بإلغاء استخدام ما يقرب من 238 مبيداً زراعياً ممنوعاً عالمياً من الاستخدام حفاظاً على ولحماية صحة المواطن الإماراتى، وبناءً عليه تم منع الصادرات الزراعية المصرية من دخول الإمارات العربية لما تحتويه من متبقيات هذه المبيدات الممنوعة عالمياً حيث طبقت دول الخليج العربى منظومة الزراعة العضوية الآمنة وفقاً لمعايير الدول الأوروبية ووفقاً لـقانون سلامة الغذاء الأوروبى.

وهذا يتطلب من السلطات المصرية تعديل القوانين والتشريعات اللازمة لتحقيق المواصفات القياسية فى التسميد والمكافحة للآفات والأمراض النباتية. حيث لا يوجد حالياً ومنذ عقود طويلة مضت أى آلية أو تشريعات لتسجيل المخصبات الحيوية أو المبيدات الحيوية أسوة بما هو موجود حالياً فى الدول الأوروبية أو حتى فى الدول العربية الشقيقة، وهذا يعيق تطور وتنمية البحث العلمى والابتكارات الزراعية.

وهنا وجب الذكر بأننا لدينا مجهود بحثى شاق ومضنٍ على مدى 15 عاماً مضت لتطوير منظومة فعالة من الأسمدة الحيوية الصديقة للبيئة والتى تضاعف إنتاجية المحاصيل الزراعية فى مصر 4 مرات من حيث الإنتاجية وبتكاليف بسيطة للفلاح المصرى وتوفر 30% من مياه الرى فى مصر وتعالج موضوع التغير المناخى الذى يهدد العالم كله وتزيد من خصوبة التربة المصرية وتعمل على صيانتها والحفاظ عليها من التدهور نتيجة للاستخدام المفرط من الأسمدة الكيماوية الضارة مثل اليوريا التى تتسبب فى حدوث السرطان للجهاز الهضمى فى مصر من خلال تكوين مركب «الاستيتل نيتروزامين» المسرطن فى النبات والإنسان والحيوان ومن هنا جاءت التشريعات فى قانون الزراعة العضوية بمنع استخدام اليوريا مطلقاً فى الزراعات العضوية أو الحيوية.

حققنا منذ عدة سنوات طفرة حقيقية فى مضاعفة إنتاجية البرسيم المصرى لتصل إلى 320 طناً سنوياً بدلاً من 40 طناً سنوياً من خلال استخدام منظومة الأسمدة الحيوية المتخصصة وبديلاً عن استخدام الأسمدة الكيماوية الضارة وهذا المشروع العملاق يوفر لمصر الحبيبة ميزة تنافسية تستطيع من خلالها توفير الأعلاف الخضراء الطبيعية لنحو 40 مليون رأس ماشية وسد فجوة استيراد اللحوم الحمراء وألبان الأطفال من الخارج بما قيمته 96 مليار جنيه سنوياً فقط لهذين البندين. ولكن للأسف التشريعات والروتين الحكومى والوظيفى تحول دون تسجيل هذه التكنولوجيا المتقدمة فى مصر.

هذه التكنولوجيا توفر للفلاح ما يقرب من 90 ألف جنيه سنوياً أعلافاً خضراء عالية القيمة الغذائية ويستطيع الفلاح المصرى الكريم أن يربى ما يقرب من 22 رأس ماشية على الفدان الواحد بدلاً من 4 رؤوس ماشية كما هو الوضع حالياً. ويترتب على ذلك تحقيق الاكتفاء الذاتى من اللحوم الحمراء وألبان الأطفال فى أقل من 3 سنوات متتالية.

ومن هنا أنادى بتعديل وإعادة تشكيل اللجان العلمية فى مجالات المخصبات الزراعية ولجنة المبيدات ومكافحة الآفات الزراعية بحيث تكون لجاناً علمية متخصصة ولها حس وطنى وليست تعمل لحساب بعض شركات الأسمدة والمبيدات وأن يكون لها مراجعة علمية ومتابعة من قبل لجنة عليا متخصصة يتم من خلالها حساب أعضاء اللجنتين لما يحدث من تجاوز فى صحة مصر والمصريين.

يوجد حالياً فى مصر ما يقرب من 64 مبيداً تجارياً غير مسموح باستخدامها على مستوى العالم وتم منعها بتشريعات وقوانين تحمى صحة الإنسان والحيوان والبيئة فى كل دول العالم مثل الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية واليابان ودول الخليج العربى الشقيقة ونحن فى مصر نُصر إصراراً شديداً على «استخدام مقنن» بقوانين وتشريعات خاطئة من خلال لجنة المبيدات بـوزارة الزراعة على استخدام هذه المبيدات التى تضر بصحة مصر والمصريين.

وتفادياً لهذه المنظومة الخاطئة لابد من الاطلاع على التشريعات والقوانين المنظمة لعمل هذه اللجان العلمية فى دول العالم المتقدم مثل دول الاتحاد الأوروبى كلها واليابان وأيضاً دول الخليج العربى ومقارنة وضع اللجان فى هذه الدول والتشريعات الملزمة لها ووضع اللجان عندنا فى مصر حتى نستبعد وجود الأهواء الشخصية وسيطرة بعض شركات المبيدات العالمية على آراء بعض أعضاء هذه اللجان وحتى نحمى مصر والمصريين بتحقيق وتوفير غذاء آمن يصلح للمواطن المصرى أولاً وللمواطن الأجنبى من خلال التصدير ثانياً بحيث يكون خالياً من كل متبقيات المبيدات مثلما تصر الدول الأوروبية عليها.

(المقال نقلا عن الوطن)

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى