رأى

هل من الممكن أن يُحْدِثُ فيروس كورونا انخفاضاً إيجابياً في انبعاثات الكربون؟

د.عاصم عبدالمنعم

بقلم: د.عاصم عبدالمنعم أحمد محمد

أستاذ مساعد بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي ـ مركز البحوث الزراعية

انخفضت انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بأكبر قدر منذ الحرب العالمية الثانية هذا العام، حيثُ أدى تفشى الفيروس التاجى (COVID- 19) إلى تَوقف الاقتصاد العالمى والوصول إلى ركود غير مسبوق.

فهناك خمسة انخفاضات سابقة فى معدل الانبعاثات الكربون أولها ماحَدث بعد وباء الإنفلونزا الإسبانية فى أعقاب الحرب العالمية الأولى وخلال الحرب العالمية الثانية وأزمة الطاقة (أزمة النفط الثانية) فى أوائل الثمانينيات والركود العالمى فى عام 1991 وأخيراً الأزمة المالية عام 2008.

وارتبط الإنخفاض الحالى فى إنبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون بحالة طوارئ صحية هزت العالم أجمع وأصابت قرابة المليونى شخص حتى الآن. وأدت إلى إغلاق المصانع وتعليق شركات الطيران وإجبار مئات الملايين من الناس على البقاء فى منازلهم لإبطاء إنتشار العدوى.

ومن المُتوقع أن تؤدى القيود غير المسبوقة على السفر والعمل والصناعة بسبب الفيروس التاجى إلى خفض مليارات البراميل من النفط وتريليونات الأمتار المكعبة من الغاز وملايين أطنان الفحم من نظام الطاقة العالمى فى عام 2020.

هل ينجح الفيروس فى توحيد الجهود العالمية لتحقيق الخطوة الأولى من إتفاقية باريس؟

يَنُص اتفاق باريس للمناخ على:

(الإبقاء على متوسط درجة الحرارة العالمية فى حدود أقل بكثير من درجتين مئويتين مقارنة بمستويات درجات الحرارة فى ما قبل الحقبة الصناعية، ومواصلة الجهود الرامية إلى حصر ارتفاع درجات الحرارة إلى حد لا يتجاوز 1,5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية.

تَعزيز القدرة على التكيف مع الآثار الضارة لتغير المناخ مع تعزيز القدرة على تحمل تغير المناخ مع خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى بما لا يُهدد إنتاج الغذاء).

تُشير الدراسات إلى أن ثانى أكسيد الكربون في أوروبا انخفض بنسبة 58% منذ بِدء عمليات الإغلاق قبل عدة أسابيع، فى حين تَتَوقع وكالة الطاقة الدولية (IEA) انخفاضاً سنوياً يُقدر بنحو 7.5% فى انبعاثات الكربون المرتبطة بالطاقة فى الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام 2020.

كما أشار التَقرير الصادر عن شركة الاستشارات الفرنسية سيا بارتنرز (Sia Partners) بعنوان “فيروس كورونا وانبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون فى الإتحاد الأوروبى” إلى أن انبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى الاتحاد الأوروبى قد انخفضت بنسبة 58% مُنذ بدء تفشى الفيروس. كما وانخفضت الانبعاثات من السيارات والدراجات النارية بنحو 88% والسكك الحديدية بنحو 44%، فى حين انخفضت إنبعاثات ثانى أكسيد الكربون فى قطاع الصناعة بنحو 57%، فى حين وصل الإنخفاض فى الإنبعاثات من قطاع الطاقة إلى نحو 40%، وعلى النقيض فقد ارتفعت الانبعاثات المنزلية بنحو 29%، فى حين لم يَرصد قطاعى الزراعة والمخلفات أى انخفاض أو زيادة فى كمية إنبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون نتيجة للفيروس التاجى.

ويُشير التقرير الصَادر عن (RYSTAD ENERGY) فى أبريل عام 2020 إلى أن الطَلب على النفط الخام سَينخفض بمتوسط 11 مليون برميل من النفط يومياً هذا العام، أو بإجمالى نحو 4 مليارات برميل هذا العام. وهو ما يَعمل على خَفض نحو 1.8 مليار طن من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون والتى من شأنها أن تَفَاقُمُ فى أزمة المناخ العالمية المُتَمثلة فى زيادة الإنبعاثات بصورةٍ متزايدة.

كما أشَار التقرير إلى أن انخفاض إستخدام الكهرباء والصناعة الثقيلة إلى انخفاض الطلب على الغاز والفحم بنحو 2.3% لكل منهما مما يُخفض انبعاثات الكربون فى كل من الوقود الأحفوري بمقدار 200 مليون طن و 500 مليون طن على التوالى.

كما ويُشير تَقرير المنتدى الاقتصادى العالمى (World Economic Forum) إلى أن الإنخفاض غير المسبوق في الطلب على النفط سيظهر في جزء كبير منه بسبب صناعة الطيران العالمية، فهناك نحو 99.700 رحلة طيران تجارية في اليوم، ونظراً لتعليق مُعظم الرحلات الجوية للحد من انتشار الفيروس فهناك انخفاضاً بمعدل الربع تقريباً في حركة النقل الجوي على مدار العام.

كما وأن الحظر المَفروض من قبل كثير من الدول على مواطنيها سَيُقلل من عدد السيارات على الطريق ومن ثم الطلب على البنزين والديزل بمتوسط 9.4% على مدار العام وهو بدوره يُقلص الطلب على النفط فى عام 2020 بمتوسط نحو 2.6 مليون برميل من النفط يومياً.

ونستنتج مما سبق أنه يُمكن أن تنخفض انبعاثات الكربون العالمية من صناعة الوقود الأحفوري بنسبة قياسية تبلغ 2.5 مليار طن هذا العام، وهو إنخفاض يقدر بنحو 5%، حيث يَتسبب هذا الفيروس التاجي في أكبر انخفاض في الطلب على الوقود الأحفورى.

فضلاً عن ذلك فهناك مخاوف عده من أنه عند إنحسار الوباء ورفع حالة الحظر المفروضة ورجوع الممارسات الاقتصادية إلى سابق عهدها فإن الانبعاثات ستَرتفع من جديد، حيثُ تُحذر كافة التقارير من أنه بدون إحداث تَغيير هيكلى فى الطاقة المُستخدمة فى الاقتصاد العالمى بعد إنحسار الوباء فإن انخفاضات الانبعاثات الناجمة عن الفيروس التاجى هى إنخفاضات مُؤقتة قصيرة الأجل ولن يَكون لها تَأثير يُذكر على تركيزات ثانى أكسيد الكربون التى تَراكمت فى الغلاف الجوى على مدى عقودٍ كثيرة حيث أن هذا الإنخفاض لن يَقترب حتى من تحقيق هدف الاحترار العالمى البالغ 1.5 درجة مئوية والمُحدد في اتفاقية باريس 2015.

وفي الواقع ، أكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) على ان الانبعاثات العالمية يَجب أن تَنخفض بأكثر من 6% كل عام بداية من عام 2020، وهو ما يَعنى خَفض أكثر من 2200 مليون طن مترى من ثانى أكسيد الكربون سنوياً حتى يَتسنى لنا فرصة الحفاظ على متوسط ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية بحلول نهاية القرن.

وبناءً عليه لا بد أن تَتَخذ الحكومات الإجراءات الصحيحة لتَضمين الطاقة المُتجددة فى حزم التحفيز الاقتصادي الجديدة ومن ثم يُمكن القضاء على هذا الكساد بسهولة شديدة مع انتعاش الاقتصاد مرةً أخرى بمجرد السيطرة على الفيروس التاجى مع الحفاظ على المكتسبات المُتَحققة فى إنبعاثات ثانى أكسيد الكربون.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى