رئيس التحرير

مهلاً وزير الزراعة

بقلم: د.أسامة بدير

فى إطار سياسة التجديد والتحديث والتطوير التى تبناها الدكتور عز الدين أبوستيت، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، نهجا للوزارة فى قطاعاتها ومراكزها البحثية، منذ أن تسلم المسؤولية فى 23 يونيو الماضى، وصل نحو 16 معهدا من معاهد مركز البحوث الزراعية مطلع الأسبوع الماضى مقترحات بتعديلات خاصة بقواعد اللجان العلمية للترقية.

حقيقة القول للوهلة الأولى، ينبغى أن أؤكد على ثقتى بكل من ساهم فى صياغة هذه المقترحات، ولا أشكك فى قدرته وكفاءته العلمية ورغبته الأكيدة فى إعداد وصناعة جيل واعد من الباحثين، يستطيع أن يتعامل مع آليات ومناهج مبتكرة تساعد على إحداث طفرات متسارعة فى القطاع الزراعى، وانتشال أبنائه من براثن الفقر والجهل والمرض.

لقد طالعت تلك المقترحات، التى صاغها نخبة من الاساتذة الذين أقدر جهدهم وحرصهم على مصلحة مركز البحوث الزراعية إنتاجا للأفكار العلمية المستحدثة التى تخدم الواقع أملا فى تحسنة، وسمعة ومكانة المركز وسط المراكز البحثية المثيلة بمحيطنا الإقليمى والدولى.

لكن، دائما ما يكون لكل عمل جاد بعض الهنات أو السقطات نتفق على تسميتها باللاواقع، أى المقترحات البعيدة عن الواقع الذى يعيش فيه الإنسان أو البيئة المستهدف النهوض بها.

فمن بين المقترحات لفت نظرى، يشترط على الباحث الذى يتقدم للترقية لدرجة باحث أول عليه أن ينشر بحثين من أصل 6 بحوث فى مجلة دولية ذات وزن جيد، و3 بحوث لدرجة رئيس بحوث من أصل 7 بحوث.

الشاهد، أننى وقفت كثيرا أمام هذا المقترح لأسباب عدة منها، من سيتحمل تكلفة النشر الدولى، خاصة إذا علمنا أن تكلفة نشر بحث واحد بأحد المجلات المشهود لها دوليا حوالى 1000 دولار أى ما يوازى 18000 جنيه، وهو ما يعادل مرتب الباحث فى 4 شهور.

وهنا أقول لمن وضع هذا المقترح، لقد عانت ميزانية مركز البحوث الزراعية خلال الـ4 سنوات الماضية من تخفيض كبير وصلت معه إلى أرقام هزيلة كان من أهم أحد نتائجها تخفيض ميزانية الإنفاق على البحوث، لدرجة أن كثير من الباحثين يتحملون الأن تكاليف بحوثهم رغم معانتهم الاقتصادية مع تدنى المرتبات فى ضوء معدلات التضخم المتصاعدة.

يقينى، أنه من حق قرابة الـ11 ألف باحث بـمركز البحوث الزراعية السؤال عن جدوى هذا المقترح، من غير تضمينه نصا صريحا “… على أن يتحمل مركز البحوث الزراعية تكلفة النشر الدولى كاملة ومن غير تأخير…”، فضلا عن توقيته الذى لا يتم فيه توفير الحد الأدنى من الاعتمادات المالية اللازمة لإنجاز المهام البحثية.

خلاصة القول، أعلم جيدا أنا وزير الزراعة يستمع إلى جميع الأراء ويدرسها بعناية شديدة ثم يأخذ القرار المناسب للصالح العام بعيدا عن الارتجالية واللاواقعية، وفى هذا السياق استطيع القول أنه كان أحرى بمن وضع مثل هذا المقترح من غير دراسة لظروف المركز والباحث المالية، أن يفكر جيدا فى وضع مقترحات تتسم بالابتكارية والاستفادة من تجارب العالم المتقدم ما دام يرى أنه لابد من نشر بحوثنا وتحكيمها دوليا.

الشاهد، أن هناك كثير من الدول المتقدمة خاصة على الصعيد الزراعى، يتبنى نظامها الخاص بمنح الدرجات العلمية والترقيات على أساس التعامل مع الواقع وحل مشاكله أكثر من تشتت الجهود فى مشاكل عديدة، دون طائل منها والمقصود هنا الاهتمام بالكيف وليس الكم.

ما أريد قوله والتأكيد عليه، أنه توجد فى العالم تجارب ناجحة يمكن الاستفادة منها وتطبيقها فى مركز البحوث الزراعية، فمثلا فى دولة مثل اسبانيا تعمل مراكزها البحثية على حل المشاكل التى تواجه القطاع الزراعى والمزارعين، حيث يتم إسناد المشكلة محل معاناة المزارعين للباحث وعليه دراستها ووضع الحلول المناسبة ثم يتولى بنفسه الإشراف على تطبيق تلك الحلول بمساعدة السلطات المحلية، على أن تتم عملية التقييم لمدى نجاحه فى حل تلك المشكلة ومنحه الدرجة العلمية أو الترقية من عدمه وفق عدد من الأساتذة فى ذات التخصص.

أعتقد أن هذا المقترح أجدر بالبحث والدراسة والنظر إليه بعين الاهتمام لانه سيوفر الكثير من الوقت والجهد والأموال التى تضيع على الدولة المصرية، وهى الان باتت لا تملك ثقافة رفاهية البحث للبحث.

وفى الختام، أقول لمعالى وزير الزراعة، من فضلك تمهل قبل الموافقة على مثل هذه المقترحات الخاصة باللجان العلمية التى ما دامت تسير على القديم ولا تتعامل مع الواقع بكل إشكالياته، فقط مجرد استعداء لفقرات تغفل قسوة ظروف الباحثين.

للتواصل مع الكاتب

[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى