رأى

مقال المستشار الإعلامي لوزارة الزراعة بعنوان «مجلس الأمن الغذائي»

بقلم: أحمد إبراهيم

إذاعي وكاتب صحفي – المستشار الإعلامي لوزارة الزراعة 

العالم يعيش حالياً فى رعب بسبب الاعتداء الروسى على أوكرانيا والحرب الدائرة بينهما، التى تسبّبت فى رفع أسعار الوقود والغذاء وارتباك حركة الملاحة والتجارة الدولية، ومن قبل هذه الحرب عاش العالم شهوراً صعبة بسبب جائحة كورونا، التى ما زالت مستمرة ولا يعلم مداها إلا الله، كما أنه من المتوقع أن يشهد العالم كله سنوات أكثر صعوبة قادمة بسبب التغيرات المناخية وارتفاع أسعار الطاقة، كل هذا سوف يؤدى إلى نقص فى الغذاء وارتفاع أسعاره، ومؤخراً قامت الصين بإبرام اتفاقيات احتكار للثروة الحيوانية والإنتاج الزراعى لبعض الدول، كما أنها كانت طلبت من مواطنيها تخزين السلع الغذائية، استعداداً لإعلان حالة طوارئ لم تُفصح عنها، ربما كان عندها علم مسبق بالاعتداء الروسى.

الخلاصة أن العالم لم يعد مستقراً، سواء بسبب الظروف الطبيعية أو الأطماع الاستعمارية والصراعات السياسية، كل هذا يجعلنا نفكر من اليوم قبل غد فى تأمين غذائنا، لأنه فى حالة حدوث الأزمات، فإن الدول التى لديها فائض فى الغذاء تتوقف عن تصديره حتى توفره أولاً لشعوبها، ثم تغلق أبوابها على نفسها، هنا تتعرّض الدول المستوردة لضرر كبير. ونحن فى مصر يجب علينا الاستعداد لمواجهة مثل هذه الأزمات قبل وقوعها، حتى على الأقل نخفّف من آثارها.

كل الدول بدأت تولى الزراعة اهتماماً كبيراً، لأنها مصدر الغذاء، حتى تلك الدول الكبرى التى تمتلك أعظم الجيوش والأسلحة، لأنها تعلم أن الجندى الذى لا يجد غذاءه لن ينفعه السلاح الذى يحمله، ولن يستطيع حماية نفسه وبلده.

كتبت قبل ذلك كثيراً وطالبت بإنشاء المجلس الأعلى للإنتاج، ولكن التطورات التى تشهدها حالياً الكرة الأرضية تتطلب إنشاء مجلس أو جهاز للأمن الغذائى برئاسة السيد رئيس الجمهورية، وعضوية الخبراء من رجال الإنتاج الحقيقيين فى الصناعة والزراعة، والذين أيديهم فى النار، حيث يعلمون بالمشكلات التى تواجههم وحلولها.

هذا المجلس سوف يكون أهم من مجالس وأجهزة وهيئات كثيرة فى البلد ليس لها دور، بل تشكل عبئاً على الموازنة العامة، لأن تأمين الغذاء بحماية المنتجين ورعايتهم قضية أمن قومى، والحماية ليست فقط بالكلام، ولكن بإجراءات حقيقية على أرض الواقع، وبتحويل كل الإنفاق إلى دعم المنتجين والمشروعات الإنتاجية والأهم بتغيير فكر بعض المسئولين من الجباية إلى الإنتاج والاستثمار والمُنتج، سواء كان زراعياً أو صناعياً كبيراً أو صغيراً يحتاج من دولته أمرين لا ثالث لهما:

الأول دعم مستلزمات الإنتاج وتوفيرها بأسعار مخفّضة، ولو أمكن مجاناً، لأن دعم الإنتاج هو دعم للشعب كله يتمثل فى إنتاج الغذاء وتوفيره بأسعار مناسبة. الأمر الثانى تسويق منتجاته بأسعار عادلة تحقّق له هامش ربح يضمن استمراره وعدم الخسارة، وبالتالى التعثر والخروج من سوق الإنتاج.

ولأننا نعشق تراب هذا الوطن، فإننا نطرح آراءنا بكل صراحة، وليست لنا مصلحة سوى الصالح العام والارتقاء ببلدنا الذى لا نمتلك غيره.

المنتجون فى بلدى ما زالوا يعانون من قرارات اقتصادية أحياناً غير مدروسة ومن أعباء كثيرة تجعل بعضهم يتعثر أو يتّجه للمشروعات الاستهلاكية مثل العقارات والتوكيلات والاستيراد والكافيهات والمطاعم، باعتبار أن أرباحها سريعة وسهلة وأعباءها خفيفة، بل يمكن إقامتها دون ترخيص، فالذى يفكر فى إقامة مشروع إنتاجى يتعرّض لمشكلات كثيرة.

الفوائد التى تعود على البلد من الإنتاج أضعاف أضعاف ما تتحصّل عليه من الضرائب على مستلزمات الإنتاج، ولا أظن أن هناك أى دولة حالياً فى العالم تفرض مثلاً ضرائب عقارية على المزارع والمصانع سوى مصر.

وبحسبة بسيطة فإن عدم دعم المنتجين وحمايتهم يؤدى إلى خروج بعضهم من السوق، وبالتالى نفقد فرص عمل كثيرة، وأيضاً يؤدى عجز الإنتاج إلى ارتفاع الأسعار الذى يتسبّب فى معاناة المواطنين وتضطر الدولة إلى فتح باب الاستيراد، مما يكلفها أموالاً طائلة، وبالتالى يتم استنزاف الاحتياطى الأجنبى.

أيضاً يجب إنهاء مشكلة آلاف المصانع المتعثرة والمغلقة، لأنها طاقة اقتصادية هائلة مصر فى أشد الاحتياج إليها، والإسراع فى تشغيل المناطق الاستثمارية الحرة (بنها والصف وميت غمر)، التى تكلفت أموالاً طائلة وتقدّر قيمتها بعشرات المليارات كاملة المرافق، ولكنها ما زالت معطلة منذ ثلاث سنوات وأكثر.

وكذلك المناطق الصناعية فى المحافظات التى تعانى من بعض المشكلات الإدارية والفنية.

المنتج فى مصر يخسر والتاجر يكسب والمواطن يدفع الثمن هذه معادلة غريبة لابد من إيجاد حلول لها، كما يجب على الإعلام تشجيع المنتجين وتسليط الضوء على مشروعاتهم الناجحة، أيضاً نشر الثقافة الغذائية وتغيير أنماط الاستهلاك لمساعدة جهود الدولة فى تحقيق الأمن الغذائى.

ختاماً، شهدت مصر طفرة غير مسبوقة فى مجال البنية الأساسية التى كانت ضرورية لتشجيع الاستثمار وإقامة المشروعات الإنتاجية، والاستثمار فيها واعد ومجزٍ، فقط نحتاج تذليل العقبات أمام المنتجين وتوجيه الإنفاق كله لدعمهم، وإذا كان لدينا جهاز لحماية المستهلك غير فعّال، فمن باب أولى أن يكون عندنا جهاز للأمن الغذائى وحماية المُنتجين، بشرط أن يكون فعالاً.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى