رأى

مصر ليست ساحة عبث بل قلعة التاريخ التي لا تُخترق

بقلم: د.شكرية المراكشي

الخبير الدولي في الزراعات البديلة ورئيس مجلس إدارة شركة مصر تونس للتنمية الزراعية

في قلب الشرق، تقف مصر شامخةً كالأهرامات، عزيزةً كالنيل، عصيّةً على الانكسار، عصيّةً على التلاعب، حاميةً لسيادتها، متجذّرةً في حضارتها، مؤمنةً بقدرها، وواعيةً لكل محاولة تستهدف أمنها القومي أو تمسّ هيبتها. مصر، التي سطّرت التاريخ بأحرف من ذهب، لن تسمح لأي طارئ أو دخيل أن يعبث بأرضها أو يزرع الفتنة فيها، ومهما اختلفت الأقنعة أو تنكّر المكر، ستظل هذه الأرض درعًا فولاذيًا يصدّ كل محاولات التخريب ويقف في وجه كل من تسوّل له نفسه التلاعب بمستقبلها.

ويا للأسف، ففي زمن التشتت وضياع البوصلة، برزت فئة من الشباب، لم ينضج وعيها بعد، فتوهمت – بسذاجة أو بتحريض – أن بإمكانها أن تنفّذ ما لم تقدر عليه قوى كبرى، ظنًّا منهم أن مصر ساحة مفتوحة أو حدود سائبة، متجاهلين أن لهذه الدولة جذورًا ضاربةً في عمق التاريخ، وقوةً لا تقاس بالعتاد وحده، بل بالحكمة، بالوحدة، وبالوعي الجمعي الذي لا يُخترق. ما يحدث اليوم ليس مجرد تصرفات طائشة أو مغامرات فردية، بل معركة تتداخل فيها الأجندات، وتختلط فيها الشعارات الزائفة بالأطماع الخبيثة، معركة تعكس حجم التحديات التي تواجهها مصر، وتختبر صلابة شعبها ويقظة مؤسساتها.

وها أنا تونسية، أرى وأسمع وأراقب ما يفعله بعض من أبناء بلدي، وابناء الاشقاء الجزاير وليبيا والمغرب  وأعترف أنني في حالة صدمة واستنكار عميق. كيف لهؤلاء أن ينزلقوا بهذه السهولة؟ كيف أصبحوا أدوات في يد من لا يريد الخير لمصر ولا الخير لتونس؟  ولبلدانهم العربية العريقة؟ أنا على يقين أن ما يحدث لا يمت بصلة للدعم الإنساني أو للعمل الخيري، فهؤلاء لم يأتوا بدعم من جمعيات، ولم يعبّروا عن نية صافية، بل جاءوا بأجندات مريبة، ممتطين سيارات فارهة، ومجهزين بأوتوبيسات مدفوعة التكاليف، لا يقدرون على تكاليفها،  لا هدف لهم سوى تنفيذ ما طلب منهم، دون وعي أو إدراك. تونس ليست بهذه البحبوحة حتى تمدّ البعض بمثل هذا الترف، وأنا، كواحدة من ابنائها ، أعرف جيدًا أن ما يحدث أبعد وأخطر من مجرد تحرك شعبي.

لو أن هؤلاء الشباب سخروا ما بأيديهم لتنمية بلدهم، لو وجهوا طاقاتهم نحو تحسين أوضاعهم في وطنهم، لكانوا أولى بالاحترام، وأحقّ بأن يكونوا قدوة. لكنهم – ويا للأسف – اختاروا الطريق الأسهل، اختاروا أن يكونوا أدوات، لا مبادرين، واتخذوا من هذه الرحلة – التي صوروها على أنها “نصرة” – مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب آنية، رحلة سافاري مغرية، لا يعلمون أن نهايتها قد تكون مأساوية. رفعوا أعلامًا لا يفهمون رموزها، ورددوا شعارات لا يعرفون معناها، وتصرفوا كما لو أنهم في نزهة، لا في خضم معركة سياسية معقّدة.

هل يظنون أن الأمر مجرّد لعبة؟ أم يرونه مغامرة ممتعة؟ الحقيقة أنهم يفتقرون إلى الحسّ السياسي، ويغيب عنهم أن مصر ليست ليبيا، وأن الدخول إلى أراضيها لا يتم بعشوائية ولا يُسمح به دون ضوابط. مصر ليست دولة تُؤخذ على حين غفلة، بل دولة تكتب التاريخ وتفرض احترامها على الجميع. من يظن أنه قادر على استفزازها أو زعزعة أمنها سيصطدم بجدار من الوعي والقوة والصلابة، وستبقى مصر، كما كانت دومًا، قوية بإرادتها، صارمة في ردها، حاسمة في قراراتها، ولن تتردد في ردّ الصاع صاعين، لكل من يتجرأ على الاقتراب من ثوابتها أو سيادتها.

وليُدرك الجميع، وخصوصًا هؤلاء المتحمّسين بغير بصيرة من شباب ونساء ، أن فك الحصار عن غزة ليس مهمة فردية، ولا مغامرة هاوية ولا رحلة سافاري ترفيهية ولا التقاط صور سيلفي طول المسيرة  ولا غناء ورقص كما نراه في صورهم  ، بل هو ملف سياسي معقّد، تتداخل فيه اعتبارات دولية وإقليمية، يتطلّب تضافر جهود سياسية مدروسة، وحشدًا دبلوماسيًا واسع النطاق، لا تحركات فوضوية قد تضر أكثر مما تنفع. غزة لا تحتاج إلى مغامرين، بل إلى قيادات حكيمة وشعوب واعية تدرك أن التضامن لا يكون بالصراخ، بل بالعمل المؤسسي والتكامل العربي الحقيقي، وفوق ذلك كله، بالإخلاص للقضية لا بالترويج لبطولات وهمية لا تخدم إلا أجندات خفية.

إن ما يحدث اليوم هو جرس إنذار، دعوة للتأمل والتبصر، فرصة لنقول بصوت مرتفع: نحن مع فلسطين، نعم، ولكننا لا نرضى أن يكون دعمنا لها بوابةً لتخريب دولنا، أو مطيةً لأعدائنا. مصر قوية، وستبقى قوية، لا تهتز ولا تساوم، حامية لنفسها ولأشقائها، وهي كما كانت دائمًا، لا تُقهَر. “مصر لن تنكسر… وللواهمين نقول: لستم نِدًّا لعظمة التاريخ”.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى