صحة

مخلفات الأغذية والتنمية المستدامة

إعداد: د.ناهد عبدالمقتدر الوحش

باحث أول بقسم بحوث الألبان بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية – مركز البحوث الزراعية

في السنوات القادمة سيواجه العالم تحديات مجتمعية ناشئة بشكل خاص عن تأثير تغير المناخ والاستخدام غير الفعال للموارد الطبيعية بالإضافة إلى النمو الهائل لسكان العالم. ويتطلب ذلك إدارة أمثل للموارد الطبيعية واستخدام مخلفات ذات قيمة مضافة وتقليل كبير في فقد الأغذية وهدرها.

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

يُقدر إجمالي الفاقد والمهدر من الغذاء العالمي بأكثر من مليار طن سنويا أي ما يعادل ثلث الغذاء المنتج للاستهلاك البشري.

وعلى الصعيد العالمي إذا تم تمثيل نفايات الطعام كدولة خاصة بها فستكون ثالث أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بعد الصين والولايات المتحدة.

يتم التخلص من مخلفات الطعام باستخدام مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية في العالم. ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة فإن الغذاء الذي يُفقد أو يُهدر يصل إلى خسارة مالية تبلغ حوالي تريليون دولار أمريكي سنويا. يتم توليد أكثر من النصف في مرحلة الاستهلاك النهائية في الخدمات الغذائية والأسر. وتعترف أهداف التنمية المستدامة SDGs بأهمية هذه القضية بحلول عام 2030 ومن أهداف التنمية المستدامة ضرورة تقليل خسائر الأغذية في سلاسل الإنتاج والإمداد بما في ذلك خسائر ما بعد الحصاد.

ويؤثر فقد الأغذية وهدرها سلبيا على البيئة والاقتصاد والمجتمع مما قد يعيق في النهاية التنمية المستدامة والتقدم المحرز من خلال الإنتاج الغذائي الفعال. ولهدر الطعام آثار اجتماعية مرتبطة بفقدان المغذيات والجوع في العالم.

الآثار الاجتماعية لهدر الطعام

يمكن للأطعمة المُهدورة أن تسد نظريا الفجوات الغذائية لملايين الأشخاص في العالم. ووفقا لسجلات منظمة الأغذية والزراعة تشير التقديرات إلى أن ملايين الأشخاص يعانون من الجوع في العالم. وقد زاد العدد بشكل كبير خلال جائحة COVID-19  ومن المتوقع أن يزداد أكثر.

من الجدير بالذكر أن الكمية السنوية من الطعام المهدر يمكن أن توفر نظاما غذائيا يبلغ 2100 سعرحراري يوميا لحوالي ملياري شخص وفقا لسجلات منظمة الأغذية والزراعة. بالإضافة إلى ذلك تحتوي مخلفات الطعام على نسبة عالية من الماء والمواد العضوية الوفيرة التي يمكن استخدامها لترقية مخلفات الطعام إلى منتجات ذات قيمة مضافة.

أهمية مخلفات الطعام من الناحية التغذوية والبيئية والاقتصادية

تعتبر مخلفات الطعام مصدرا مهما للكربوهيدرات المعقدة، والبروتينات، والدهون، والمواد الكيميائية النباتية، وذلك لاحتوائها على نسبة عالية من السكريات، والألياف الغذائية، والزيوت، والفيتامينات، والفينولات، والكاروتينات، والأصباغ وغيرها. لذلك  تعتمد الفوائد الصحية المحتملة للأطعمة المهدرة على محتوياتها العالية من المركبات النشطة بيولوجيا.

إذا لم يتم اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحد من هدر الطعام ولم يتم التخطيط لاستهلاك الغذاء وإنتاجه فإن العالم في عام 2050، الذي سيزيد عدد سكانه على 9 مليارات نسمة قريبا سيحتاج إلى 60٪ من الغذاء أكثر. وتشير التوقعات إلى أنه يمكن تقليص الفجوة الغذائية في عام 2050 بنسبة 20٪ من خلال تقليل هدر الغذاء العالمي بمقدار النصف.

معالجة مخلفات الطعام

عادة يتم معالجة مخلفات الطعام عن طريق دفن النفايات أو الطمر والحرق، والسماد، والهضم اللاهوائي بالرغم من أن محتواها من المادة العضوية يصل إلى 80٪ من الكتلة الجافة علاوة على ماتحدثه من تلوث بيئي.

تتطلب مدافن المخلفات مساحة كافية ووقت تحلل طويل لتتمكن من معالجة هذه المخلفات. علاوة على ذلك  يرتبط الحرق بارتفاع التكلفة واستهلاك الطاقة (الوقود والأكسجين).

لذلك ظهرت تقنيات جديدة لتحسين استخدام نفايات الغذاء بالتزامن مع المتطلبات الحالية للاستدامة من أجل إنتاج منتجات ذات قيمة مضافة. مثل المجال الكهربائي النبضي المدعوم بالميكروويف والموجات فوق الصوتية والمساعدة بالإنزيم واستخراج السوائل فوق الحرج  أمثلة على الطرق غير التقليدية التي تقدم نفسها كبدائل جديدة لاستخراج المكونات النشطة بيولوجيا من النفايات بطرق أسرع وأكثر خضرة وأكثر كفاءة مع استهلاك أقل للمذيبات (تقنيات الاستخراج الخضراء).

تعظيم الفاقد من الأغذية

نفايات الأغذية قابلة للتحلل بشكل كبير وتشكل مصدرا مهما للمركبات النشطة بيولوجيا والمضادات الحيوية والأصباغ والتي يمكن إدارتها من خلال تثمينها للمنتجات ذات القيمة المضافة أو المضافات الغذائية والمعالجات أو التطبيقات البيئية الأخرى.

هذه المخلفات هي أيضا عمليات طرح مهمة للمواد الكيميائية النباتية بما في ذلك الفينولات والكاروتينات والتوكوفيرول، والتي توفر خصائص مضادة للأكسدة وعلاجية وتغذوية وذات أهمية كبيرة لإنتاج أغذية وظيفية وأدوية ضد الأمراض الحادة والمزمنة.

لذلك برز تعظيم الفاقد من الأغذية الزراعية ومخلفات صناعة الأغذية كاستراتيجية مفيدة لإنتاج مركبات ذات قيمة مضافة مع العديد من التطبيقات في مجالات الغذاء والصحة والأدوية ومستحضرات التجميل والبيئة.

صناعة تجهيز الأغذية بما في ذلك معالجة الفواكه والخضروات هي ثاني أكبر مولد للمخلفات في البيئة بعد الصرف الصحي المنزلي. كمية ضخمة من المخلفات في شكل سائل وصلب ينتج من صناعات معالجة الفاكهة والخضروات والتي تحتوي على العديد من المواد القابلة لإعادة الاستخدام ذات القيمة العالية مع إمكانات اقتصادية كبيرة.

ينتج عن معالجة الفواكه والخضروات كميات كبيرة من المخلفات مثل القشور والبذور والنواة واللحم غير المستخدم المتولد في الخطوات المختلفة لسلاسل المعالجة. تسبب مشكلة التلوث إذا لم يتم استخدامها أو التخلص منها بشكل صحيح.

عادة ما يتم التخلص من هذه المواد في البيئة مع أنها مصادر جديدة وطبيعية واقتصادية للنكهات والملونات والبروتين والألياف الغذائية ومضادات الميكروبات ومضادات الأكسدة والمضادات الحيوية والأصباغ والتي يمكن إدارتها من خلال تثمينها للمنتجات ذات القيمة المضافة أو المضافات الغذائية والتطبيقات البيئية الخضراء.

يثقل هدر الغذاء أنظمة إدارات المخلفات في العالم ويزيد من انعدام الأمن الغذائي ويؤثر بشكل كبير على المشكلات العالمية مثل تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث البيئي. ويعتبر الحد من هدر الطعام هو الحل الأول لأزمة المناخ وفقا لمشروع DrawDown، ويأتي قبل السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية والأنظمة الغذائية القائمة على النباتات.

ختاما: إداراة الفاقد من الأغذية ومخلفات صناعتها استراتيجية مفيدة لإنتاج مركبات ذات قيمة مضافة مع العديد من التطبيقات في مجالات الغذاء والصحة والأدوية ومستحضرات التجميل والبيئة نظرا لزيادة طلب المستهلك على منتجات “العلامة النظيفة” والقيود البيئية التي تعزز الحاجة إلى تغيير المواد الخام الصناعية التقليدية بمصادر طبيعية متجددة ظهرت استراتيجية تعظيم المنتجات الثانوية ومخلفات الأغذية كأحد الحلول الفعالة واختيار واعد اقتصاديا وبيئيا يعزز العصر الجديد للاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى