رأى

متى تنتفض مجتمعاتنا العربية لنصرة مكانة المرأة؟

د.جيهان رفاعي

بقلم: د.جيهان رفاعي

إعلامية وكاتبة صحفية

المرأة شجرة لا تذبل، تمنح ظلالها بدون مقابل فهى رمز للعطاء المتفانى وبذل الذات، لا تتوقف عن توريق مشاعرها ومسؤولياتها وحرصها على بيتها واولادها، فهى كالنحلة فى خليتها تعمل ليلا ونهارا لتطرح الشهد وتمنحه لمن حولها شهيا ولذيذا، اثوابها مطرزة بالتعب والسهر، رائحتها يفوح منها الأصالة والطيبة، اطباقها مليئة بالحب والحنان، فهى كالشمعة تحترق لتضىء لمن حولها، هى المواساة واليد الحانية فى ليال قاسية، وهى الكلمة الدافئة التى ترمم الانكسار والضعف، الوردة التى تذرف نداها دمعا إن أصاب أحدهم خطب أو عطب، سحابة تمطر ولا تتوقف حتى تزدهر  قلوب من حولها ورودا وتروى تربة عقولهم أفكارا مستنيرة.

لقد حث ديننا الإسلامي الحنيف على حسن معاملة المرأة وتقدير مكانتها وضمان حقوقها المادية والمعنوية، وعلى نبذ العنف الموجه اليها على اختلاف أشكاله، لكن المرأة فى التطبيق العصرى الشرقى لم تحظى بكامل حقوقها ولم تعط مكانتها التى أرادها الله لها، بل على العكس ظلمت ظلما بينا استطال هذا الظلم كل مراحل حياتها، فلا يزال مسلسل الجهل والتخلف مستمرا وملازما للبنت منذ طفولتها بدءا من تمييزها سلبا عن إخوانها البنين والمعاملة التفضيلية للذكر ويتمادى الظلم فى بعض الأحيان حتى يصل إلى حرمانها من التعليم والميراث.

فقد نجد فى بعض المجتمعات من يحرم الفتاة ورثها لا لشيء إلا كونها بنت لا تحمل اسم والدها بالرغم من وجود رائدات فى المجال  الأكاديمي والبحثى تفوقن على آلاف الرجال وخلدن اسماء ابائهن.

فى بعض المجتمعات الريفية والصعيدية تقابل المرأة أيضا اشد انواع العذاب والقهر خاصة في ليلة دخلتها من خلال المشهد البهيمى والمسلك الحيوانى لفض غشاء البكارة فى وجود الداية، وذلك بعد أن بيعت فى سوق الجوارى والمزاد لمن يدفع أكثر وربما تباع لرجل ستينى وهى لم تبلغ عامها الخامس عشر بعد، ففى هذه المجتمعات البنت لا يؤخذ برأيها فى شريك حياتها ضاربين عرض الحائط بشرع الله من أجل افكار الجهل والتخلف، والأغرب من ذلك أيضا هو نعت صوتها بالعورة، ومناداتها باسم الزوج أو الأبن وهذه بدعة غير صحيحة وإذا كان لذلك نصيب من الصحة فكيف عرفنا اسماء زوجات الرسول الكريم امهات المؤمنين، وكيف عرفنا والدة المسيح السيدة مريم العذراء وغيرهن من اللاتى اثرين الحياة الإنسانية.

وتستمر وتيرة الظلم على هذا النحو عبر ظاهرة الطلاق والترمل ونظرة المجتمع الآثمة للمرأة وعينيه المتلصصة محملا إياها المسئولية الكاملة عن الطلاق لسوء تصرفها، وعن الموت على أنها فأل شؤم، وهذا الظلم الواقع على المرأة قديم ويتجدد بصور وأنماط تختلف فى شكلها وتتفق فى مضمونها، فـالمرأة تظلم من الجميع الأب والأخ والزوج وتظلم من قبل نفسها احيانا عندما تحمل نفسها ما لا طاقة لها به حين تتنازل عن حقها فهى المضحية تعطى ولا تاخذ تجوع حتى تشبع أطفالها، بائسة تصب قوتها فى أبناءها وتبتلع همومهم، واحيانا تظلمها الثقافات الوافدة كما ظلمتها العادات والتقاليد البالية.

وقد كان ظلم المرأة قديم فى الأديان والشعوب المختلفة فهى عند الإغريق سلعة تباع وتشترى فى الأسواق، وعند الرومان ليست لها روح يعذبونها بسكب الزيت على بدنها بل كانوا يربطون البريئات بذيول الخيل ويسرعون بها حتى تموت.

عند الهنود يرون أن الزوجة يجب أن تموت يوم موت زوجها وان تحرق معه وهى حية، وعند الفرس للرجل حق التصرف بأن يحكم عليها بالموت أو ينعم عليها بالحياة، وفى اليهودية المحرفة هى لعنة لأنها أغوت ادم، وإذا أصابها الحيض لا تجالس ولا تلمس وعاء حتى لا يتنجس، وفى النصرانية المحرفة أن المرأة باب الشيطان والعلاقة معها رجس فى ذاتها.

وجاء الإسلام لينصف المرأة ويصلها بخالقها ويرشدها إلى هدف الوجود وقيمة الحياة، وانزل القرآن ليعلن ضمان حقوق المرأة (فاستجاب لهم ربهم انى لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض) ال عمران من الايه ١٩٥)، أى نجد تكريما خاصا للمرأة فى كتب الله المقدسة وأنه لا فرق بين ذكر او أنثى الا بالتقوى والعمل الصالح.

إن المراة المسلمة معززة مكرمة لها كافة الحقوق ما بقى الاسلام عزيزا ويظل المسلمون أوفياء للمرأة ما داموا متمسكين بـالإسلام، وكلما تغرب الإسلام أو انحرف المسلمون عاد الظلم للمرأة بصورة أو أخرى، وعلى المرأة أن تخطو إلى الامام وعلى المجتمع أن يعمل على شرعنة خطواتها لا أن تنتظر المجتمع ليشرعن لها طريقها ويعيد رسمه بنفس الطريقة الديكتاتورية التى تسيطر على المجتمع والبعد النظرى والفلسفى الذى يحكمه.

كما يجب أن يكف المجتمع عن حالة المقارنة بين الرجل والمرأة وكأن حربا ضروسا بين جزأيه، وانما عليه أن يعيد بناء الحالة الصحية بين هذين الجزأين من خلال التعليم والتربية والإعلام، وإعادة رسم خطوط هذه العلاقة بشكلها السوى، فـالمرأة لا تاخذ حقوقها من أجل أن تصبح كالرجل، إنه أمر مهين للمرأة سعيها أن تكون كالرجال، عليها أن تأخذ حقوقها لتكون كما هى امرأة فاعلة في مجتمعها تمثل بعده الاشد أهمية والذى يتكىء عليه البعد الاخر الذى يمثله الرجال.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى