تقارير

ماذا يعني ارتفاع خرسانة الممر الأوسط بسد النهضة لمنسوب 560؟

كتب: د.محمد حافظ منذ قرابة ساعتين نشر وزير الري والكهرباء الإثيوبي أحدث صورة لكامل سد النهضة حيث يظهر فيها عمليات صب الخرسانة في الممر الأوسط وارتفاعة قرابة 20 متر عن ما كان عليه منذ مارس 2015.

قبل فيضان أغسطس 2015 كانت شركة ساليني قد أغلقت المقطع الأوسط لـسد النهضة والذي يغلق (مجري النيل ذات الـ 250 متر) بحيث أنها قسمت مجري النيل لجزئين أحدهما تم صبه بارتفاع يقارب 100 متر أي حتى منسوب 600 فوق سطح البحر (وهي الكتلة القريبة من البرابخ الأربعة وتتميز بوجود شرخ طولي قديم) بينما الممر الأخر وكان بعرض 125 متر فقط تم صبه بارتفاع 42 متر أي إلي منسوب 542 فوق سطح البحر وهو الممر الذي نشاهد مرور مياه الفيضان فوقه خلال فصل الصيف.

د.محمد حافظ

كان وفقا للجدول الزمني لبناء سد النهضة أن يرتفع (الممر الأوسط) بعد فيضان أغسطس 2015 ليبدأ التخزين الأولي ولكن لأسباب فنية عدة تأخر (صب خرسانة هذا الممر) حتى شهر فبراير 2020. أي تأخر قرابة 4 سنوات وهي (سنوات الضياع) التي تسببت في تأخير (تشغيل سد النهضة) وحدث بها العديد من (مآسي سد النهضة) ومنها اغتيال الرئيس التنفيذي لـسد النهضة شهر يوليو 2018 ومن قبل بشهرين اغتيال مدير مصنع خرسانة سد النهضة ومن بعده بشهرين (انتحر) المهندس الإيطالي المسؤول عن عمليات التنفيذ بالسد.

مقتل هؤلاء (الثلاثة) هو جواب كافي لمعرفة سبب تأخر بناء سد النهضة لمدة 4 سنوات وكافي أيضا لمعرفة أسباب تخوف الرئيس السوداني السابق (عمر البشير) من سلامة سد النهضة وذلك بعد زيارة (استكشافية) لمهندس سد مروي لـسد النهضة في عام 2016 والذين طلبوا من الحكومة الإثيوبية إدخال (إصلاحات على جسم السد) بشكل يزيد من معاملات آمان سد النهضة.

في اجتماع واشنطن نهاية عام 2019 صرح وزير الري السوداني (وزير الثورة) بأنه غير راض عن معاملات آمان (سد النهضة) على الرغم من صرف إثيوبيا لقرابة 400 مليون دولار لرفع معدلات آمان السد، إلا أن دولة السودان لازالت غير راضية بتلك المعدلات.

الصورة التي نشرها وزير الكهرباء الإثيوبي اليوم تظهر استمرار عمليات صب الخرسانة في الممر الأوسط والذي يحتاج لقرابة (نصف مليون متر مكعب) من الخرسانة للوصول إلى ما يقارب 560 أي منسوب (أنفاق) التروبينات المنخفضة والتي ينوي تشغيلها في شهر مارس 2021 وإنتاج 750 ميجاووات يمكن تصديرهم لدولة السودان.

نجاح إثيوبيا في رفع منسوب الممر الأوسط حتى 560 سوف يمكنها من تخزين قرابة 4.9 مليار متر مكعب بداية من منتصف شهر سبتمبر القادم لإجراء نموذج محاكاة لدراسة كافة المشاكل الفنية (المتوقعة) بـسد النهضة. وبناء على نتائج هذا النموذج سيكون رد فعل الحكومة الإثيوبية تجاه (مفاوضات سد النهضة).

وفي حالة نجاح النموذج وظهور نتائج إيجابية بشأن (إجهادات أساسات سد النهضة) عندئذ ستكمل إثيوبيا بناء السد الخرساني بأسرع (معدلات) ممكنة والاستحواز على كامل تدفقات شهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر وإلي حتى (تدفقات يونيو 2021). أي مع حلول شهر يونيو 2021 سيكون أمام سد النهضة قرابة 19 مليار متر مكعب عند منسوب 595 كافي جدا لتوليد كهرباء من خلال التروبينات المنخفضة. وهذا يعني انخفاض تدفقات النيل الأزرق لبحيرة ناصر من 48.5 مليار متر مكعب لـ 28 مليار متر مكعب فقط (بعد خصم الـ19 مليار لزوم توليد الكهرباء + 2 مليار فواقد).

نجاح نموذج المحاكاة خلال فيضانات 2020 سيقوي موقف الحكومة الإثيوبية أكثر مما هي فيه اليوم وسيمكنها من إستكمال التخزين على مدار سنوات (2021+ 2022+ 2023). بمعني أدق أن فيضان أغسطس 2020 قد يكون هو أخر فيضان يمر على دولتي (السودان ومصر) حتى يوم القيامة. وعليه فمن المنتظر أن يعبر الممر الأوسط لسد النهضة والبرابخ الأربعة قرابة 28 مليار متر مكعب فقط خلال فيضان هذا العام لتكون هي أخر (مياه) تتسلمها دولتي مصر والسودان لعام 2020 وذلك في حالة (نجاح) نموذج المحاكاة.

عدم نجاح نموذج المحاكاة خلال عملية التحميل الجزئي أثناء فيضان 2020 يعني عدم القدرة على توليد كهرباء شهر مارس 2021 وبداية دخول الحكومة الإثيوبية في مشاكل كبيرة داخليا.

بالنسبة للشرخ الطولي الذي يظهر بالقرب من البرابخ الأربعة. هذا هو السبب الرئيسي في مشاكل سدالنهضة. فهو قريب جدا من (البرابخ الأربعة) ويبدوا أن سببه هو حدوث (هبوط غير منتظم) بين الكتلة الخرسانية المصمتة والجزء الإنشائي القريب من (الشرخ) حيث يغلب عليه (الفراغات) فهو يحتوي على (حيز البرابخ + فتحات الطوارئ) وهذا قد يكون سببا في حدوث (هبوط غير منتظم) ما لم يكن هناك (فواصل إنشائية) تمنع حدوث أمر مثل هذا.

في اعتقادي الخاص ومن خلال متابعتي لتطورات سد النهضة منذ عام 2011 فإنني مقتنع تماما بوجود مشكلة (طحن خرسانة) للأساسات بسبب أخطاء وقع فيها المهندس التنفيذي للسد في نهاية عام 2014 حينما خضع للأوامر السياسية بالإنتهاء من (طبقة الأساسات) وتغيير مجري النيل الأزرق قبل أيام من انعقاد أول مؤتمر رسمي بين الدول الثلاثة في العاصمة الخرطوم لمناقشة قضية سد النهضة.

وهنا إضر مدير المشروع في صب كميات ضخمة من خرسانة الـ RCC والتي تحتاج قدرا من المعالجة قبل أن يصب فوقها طبقة أخرى، فعملية التسرع لخلق واقع على الأرض لا يمكن للمفاوض المصري تغييره هي التي تسببت اليوم في كل المشاكل الفنية التي يعاني منها السد اليوم وغدا.

يلاحظ في صورة السد اليوم هو تخفيض عدد تروبينات السد من (16) تروبين لــ (11) فقط وهذا يسقط تماما إدعاء الحكومة الإثيوبية بأن سد النهضة سيولد 6450 ميجاووات، فتلك الــ(11) تروبين لن تكون قادرة على توليد أكثر من 4050 ميجاوات أي أقل من 65% من (وعود الحكومة الإثيوبية) لشعبها وهذا التوليد لن يحدث غير لفترة قصيرة جدا بعد إمتلاء البحيرة لمنسوب 640 فوق سطح البحر. بينما لن يزيد توليد الطاقة في الظروف العادية عن قرابة (2000) ميجاوات أي أقل من إنتاجية السد العالي.

*مُعد التقرير: أستاذ هندسة السدود وهندسة الجيوتكنيك بجامعة Uniten- Malaysia.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى