لماذا تموت أوراق النخيل القديمة أولاً في البرد؟
كتب: د.محمد المليجي في إحدى موجات الصقيع الشديدة التي ضربت مزارع النخيل بمنطقة القصيم بالمملكة العربية السعودية عام 2008، لاحظنا ظاهرة تكررت بشكل لافت في أغلب المزارع أن الأوراق الأكبر سنًا في نخيل التمر كانت تموت أولًا عند التعرض للبرد القارس، بينما ظلت الأوراق الحديثة حول القمة النامية أقل تأثرًا.
رغم أن الأوراق المسنة أكثر نضجًا وحجمًا، فإنها بدت الأكثر هشاشة أمام تأثير الصقيع، وهو ما أثار فضولي العلمي ودفعني لبدء رحلة بحثية استمرت أكثر من ثلاثة أشهر، جمعت خلالها عينات من أصناف مختلفة مثل البرحي والخلاص والسكري (وكان البرحي والخلاص الأكثر تأثرًا)، وشرعت في إجراء فحوصات مجهرية مكثفة على الأوراق المسنة وقارنتها بالأوراق الحديثة.
استخدمت شفرات يدوية لصنع قطاعات نباتية دقيقة بنفسي، ودرست تحت المجهر خصائص الخلايا في كلتا الحالتين. وجدت أن الخلايا الحديثة، كما هو متوقع، كثيفة السيتوبلازم وقليلة الفجوات، بينما كانت الخلايا المسنة – إن بقيت حية – مليئة بالعصير الخلوي وممتلئة بالماء. ومع ذلك، لم ألاحظ اختلافات بنيوية واضحة تكفي لتفسير الظاهرة.
في محاولة لفهم أعمق، تواصلت مع صديق متخصص في فسيولوجيا النخيل، فأشار إلى أن درجة حرارة القمة النامية (الجمارة) تكون عادة أعلى من باقي أجزاء النخلة بثلاث إلى أربع درجات مئوية، وهي معلومة مهمة لكنها لم تكن كافية بمفردها.
بالعودة إلى الأدبيات العلمية، وجدت تفسيرات ميكانيكية وفسيولوجية متوافقة مع ما رصدته ميدانيًا ومخبريًا، منها:
1ـ موقع القمة النامية المحمي: تقع في مركز محاط بقواعد أوراق متشابكة وكثيفة الليف، وتحتجز الهواء بداخلها، مما يوفر عزلاً طبيعيًا ضد البرودة الشديدة، أشبه بتغليف الفقاعات البلاستيكية المستخدم في حماية الأدوات الزجاجية.
2ـ خصائص الخلايا الحديثة: هذه الخلايا تحتوي على كمية أقل من الماء وأكثر من السيتوبلازم، ما يجعلها أقل عرضة لتكوّن بلورات جليدية قاتلة.
3ـ التدفق المعدني المرتفع: النشاط الحيوي المستمر في القمة النامية يجذب المعادن بكثافة، ما يقلل من خطر التجمد بطريقة مشابهة لاستخدام المواد المانعة للتجمد في محركات السيارات.
4ـ الحرارة الناتجة عن انقسام الخلايا: عملية الانقسام الخلوي النشط تولد حرارة موضعية تقلل من أثر الصقيع.
5ـ مرونة جدر الخلايا الحديثة: تسمح هذه المرونة بالتكيف مع تغيرات الحجم والضغط داخل الخلية، بينما تتمزق الجدر الجامدة في الخلايا المسنة بسهولة عند تعرضها لتجمد بسيط.
وبناءً على هذه النتائج، أصبح لدي تفسير علمي متكامل لسبب موت الأوراق المسنة أولًا عند التعرض للصقيع: يعود الأمر إلى امتلائها بالماء، وقلة مرونتها، وانخفاض حيويتها مقارنة بالأوراق الحديثة والقمة النامية، التي تمتلك آليات فسيولوجية وبنيوية فعالة لمقاومة التجمد.
*المادة العلمية: أستاذ علم أمراض النبات.