تقارير

كيف تُقاوم النباتات الملحية الملوحة؟ آليات فسيولوجية وكيميائية مُتكاملة

إعداد: أ.د/عصام المُوجي

رئيس بحوث متفرغ بقسم بحوث النباتات الطبية والعطرية بمعهد بحوث البساتين – مركز البحوث الزراعية

النباتات الملحية هي النباتات القادرة على إكمال دورة حياتها في ظل ظروف شديدة الملوحة، وإزالة الأملاح المتراكمة في الطبقة السطحية للتربة أيضًا، ويمكنها البقاء والنمو والتكاثر بنجاح في التربة التي يزيد تركيز الملوحة فيها عن (13000 جزء في المليون). وفيما يلي بعض الصفات التي تتصف بها النباتات الملحية لمقاومة الأملاح:

القدرة التشريحية

1- مورفولوجيا الجذور والأجزاء الهوائية:

إن جدران خلايا جذور النباتات الملحية سميكة، وذلك من شأنه أن يُحسِّن مقاومة النبات للإجهاد الملحي. كما يُلاحظ زيادة في نسبة الجذور إلى الأفرع، حيث يمكن أن تؤدي نسبة الجذور الأكبر تحت الإجهاد الملحي إلى احتباس الأيونات السامة في الجذر، مما يقلل من انتقالها إلى الأجزاء الهوائية، فيُشكل استجابة آلية نموذجية لمقاومة النبات أو بقائه في ظل الظروف المالحة. كما تنخفض المساحة الكلية للأوراق، مما يقلل من فقدان الماء عن طريق النتح، فيزيد من تحمل النبات للملوحة. وهناك فئة تسمى النباتات الملحية العصارية، حيث تحتوي على سيقان وأوراق عصارية، تستطيع أن تُراكِم كميات كبيرة من الأملاح في خلاياها وأنسجتها بدلاً من إفرازها أو تجزئتها.

2- تشريح الأوراق:

تستطيع النباتات الملحية أن تقاوم وتستجيب للملوحة المنخفضة والعالية بزيادة نسبة كتلة الورقة إلى مساحتها، بتقليل المساحات الهوائية بين الخلايا وزيادة سمك الورقة نتيجة لزيادة سمك البشرة والخلايا العمادية، مما يؤدي إلى تعظيم إمكانات التمثيل الضوئي في البيئة المالحة.

3- إزالة الأملاح:

تحتوي النباتات الملحية أيضًا على نظام متخصص لإخراج الملح من أنسجة النبات عبر غدد معينة تسمى بالغدد الملحية على الأوراق. وبعض النباتات لديها ما يعرف بالشعيرات الملحية تتواجد على الساق. ويقوم النبات بتجميع الأملاح في الغدد والشعيرات الملحية ثم التخلص منها. كما تتراكم الأملاح في الأوراق القديمة لبعض النباتات، مما يتسبب في موتها وسقوطها لتتخلص بذلك من الأملاح.

4- التوازن الأيوني:

تنظم النباتات الملحية التوازن الأيوني للحفاظ على التمثيل الغذائي الطبيعي، حيث يتم تقييد امتصاص وانتقال الأيونات السامة مثل الصوديوم والكلوريد، بينما يتم الحفاظ على امتصاص الأيونات المطلوبة مثل البوتاسيوم أو زيادته. ويتم ذلك من خلال تنظيم نشاط ناقلات البوتاسيوم والصوديوم، بالإضافة إلى مضخة الهيدروجين التي تولد القوة الدافعة للنقل. كما يتم الاحتفاظ بالأيونات السامة في الفجوات العصارية بالخلية وتمنع تداخلها مع أنشطة التمثيل الغذائي السيتوبلازمي.

إنتاج مواد مقاومة للأملاح

تقوم النباتات الملحية بإنتاج مجموعة من المركبات تساعدها في مقاومة الملوحة، مثل:

1- البرولين:
يرتفع تركيز البرولين داخل خلايا النباتات استجابة لإجهاد الملوحة. فبوجوده يزيد من مقاومة النبات للإجهاد الملحي. فهو بمثابة نيتروجين عضوي احتياطي أثناء الإجهاد، ويعمل كمضاد للأكسدة، ويقوم بضبط الإسموزية داخل النبات، وزيادة تراكم الأحماض الأمينية والأميدات والبروتينات والأمينات، حيث تعمل هذه المركبات في التعديل الإسموزي وإزالة السموم من الخلايا.

2- الجلايسين بيتان:
هو مركب أمونيومي يرفع الإسموزية للخلية أثناء فترة الإجهاد؛ وبالتالي فإنه يلعب وظيفة مهمة في تخفيف التوتر ويحمي أيضًا الخلية عن طريق الضبط الإسموزي ويثبت البروتينات ويحمي جهاز التمثيل الضوئي من أضرار الإجهاد، ويعمل كمركب مضاد للأكسدة بإزالة جذور الأكسجين الشاردة الحرة.

3- البوليولات:
منها نوعان رئيسيان، حلقية (مثل البينيتول) وغير حلقية (مثل المانيتول). ويتم تحفيز تخليق المانيتول وتراكمه داخل الخلية النباتية عندما يتعرض النبات لضغط الملوحة. وتعمل البوليولات ككاسحات لجذور الأكسجين التي يسببها الإجهاد. كما أنها تشارك في التكيف الإسموزي وحماية الإسموزية.

4- الكربوهيدرات:
تحدث تراكمات للكربوهيدرات مثل الجلوكوز والفركتوز والفركتانز والتريهالوز والنشا تحت ضغط الملوحة. الدور الرئيسي الذي تلعبه هذه الكربوهيدرات في تخفيف الملوحة، يشمل الحماية الإسموزية وتخزين الكربون وإزالة أنواع الأكسجين التفاعلية.

5- الإنزيمات المضادة للأكسدة:
لقد لوحظ زيادة أنشطة هذه الإنزيمات في النباتات تحت ضغط الملوحة، مثل إنزيم سوبر أكسيد ديسموتاز الذي يحول جذور الأكسجين (O2) إلى (H2O2)، مما يحمي الخلايا من التلف. ثم يُحفّز إنزيم الكاتالاز والأسكوربات بيروكسيداز عملية تحلل H2O2 إلى ماء وأكسجين.

6- حمض الأبسيسيك:
يمكن أن يخفف تراكم حمض الأبسيسيك من التأثير المثبط للملوحة على التمثيل الضوئي والنمو وانتقال المواد. حيث ترتبط زيادة امتصاص الكالسيوم بارتفاع حمض الأبسيسيك تحت ضغط الملوحة، وبالتالي تُساهم في الحفاظ على سلامة الأغشية الخلوية، مما يُمكن النبات من تنظيم الامتصاص والنقل تحت مستويات عالية من الملوحة الخارجية لفترة أطول.

7- حمض الساليسيليك:
وُجد أن حمض الساليسيليك يُحسن تحمل الملوحة في النباتات من خلال منع فقدان البوتاسيوم الناجم عن الملوحة في الخلايا الحارسة في الثغور. كما يعزز حمض الساليسيليك أيضًا تحمل الملوحة من خلال الزيادات في محتوى الكلوروفيل والكاروتين والحفاظ على سلامة الغشاء، والذي ارتبط بمزيد من البوتاسيوم وتراكم السكر القابل للذوبان في الجذر تحت الظروف الملحية. وكذلك يقوم بتخفيف النقص في التمثيل الضوئي تحت ضغط الملوحة عن طريق تعزيز امتصاص النيتروجين والكبريت والتمثيل الغذائي لمضادات الأكسدة بشكل مختلف.

8- الجاسمونات:
توجد الجاسمونات بكثرة في المملكة النباتية. ويُعتقد أن كلاً من الجاسمونات وجاسمونات الميثيل تلعب دورًا فعالًا في الشيخوخة. والأكثر من ذلك، فإن حمض الجاسمونيك يُنشط نمو النبات، والأنشطة الفسيولوجية والتي تشمل الخصوبة، وتحمل الإجهادات الطبيعية وغير الطبيعية. الوظائف الفسيولوجية الأخرى المرتبطة بحمض الجاسمونيك تشمل تنظيم الإنزيمات المضادة للأكسدة. ويمكن لمركب جاسمونات الميثيل أن يخفف من التأثيرات المثبطة لملوحة التربة على معدل التمثيل الضوئي، لتحسين نمو النبات وتطوره.

9- الكلوروفيل:
من المعروف أن الأنواع المقاومة للملوحة تُظهر زيادة أو ثباتًا في محتوى الكلوروفيل في ظل ظروف الملوحة، بينما تنخفض مستويات الكلوروفيل في الأنواع الحساسة للملوحة، مما يشير إلى أن هذه الصفة يمكن اعتبارها مؤشرًا كيميائيًا حيويًا لتحمل النباتات للملوحة.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى