تقارير

كيفية تطهير التربة الزراعية من السموم؟

إعداد: أ.د.صبحي فهمي منصور

أستاذ بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة – مركز البحوث الزراعية

كيفية تطهير الارض من السموم Facebook X LinkedIn Tumblr Pinterest Reddit VKontakte Odnoklassniki Pocket

تابعونا على قناة الفلاح اليوم

تابعونا على صفحة الفلاح اليوم على فيس بوك

المعالجة النباتية Phytoremediation                        

نظرا للاضافات غير المحسوبة من الاسمدة الكميائية والمبيدات بهدف زيادة انتاجية وحدة الارض الا انها ادت الى زيادة بعض العناصر بالتربة بكميات لا يحتاجها النبات مما ادى الى سمية هذه العناصر للنباتات المزروعة فيها، بالإضافة الى تسرب هذه العناصر الى المياه مما ادى الى تلوثها. ايضا لذا تكتسب مهمة تطهير الأرض والمياه الجوفية أهمية بيئية استثنائية هذه الأيام بسبب انتشار الأمراض، وخصوصا الأمراض السرطانية والجلدية والحساسيات.

المعالجة النباتية هي تقنية خضراء واعدة لمكافحة التلوث التي تنطوي على امتصاص وتحويل وإزالة الملوثات من قبل النباتات والميكروبات المرتبطة بها.حيث تم تطوير أنواع مختلفة من تقنيات المعالجة النباتية لاستهداف الملوثات المحددة والظروف البيئية. تعتمد كفاءة المعالجة النباتية على عوامل مختلفة مثل الأنواع النباتية ونوع الملوثات والتركيز والظروف البيئية.

لذلك، يمكن تصميم المعالجة النباتية لمشاكل تلوث محددة ويمكن أن توفر حلا مستداما وفعالا من حيث التكلفة للعلاج البيئي. ويُعدّ الإصلاح البيولوجي bioremedation خيارا مهما في هذا المجال، وأحد الأوجه المهمة له هو المعالجة أو الإصلاح الحيوي للتربة باستعمال النباتات phytoremediation. والأساس في هذه الحالة هو استعمال النباتات في تنظيف الترب الملوثة، وهذا يرتبط إلى مدى بعيد بقدرة بعض أنواع النباتات على امتصاص بعض المواد ومن ثم تجميعها في أنسجتها.

هي تقنية حديثة نسبيا إذ بدأ استعمالها في الأبحاث عام 1991، وتشير هذه التقنية إلى أسلوب قليل التكلفة لإصلاح الترب الملوثة بالمعادن الثقيلة على وجه الخصوص من دون إزاحتها أو نقلها؛ أي إصلاح في الموقع insitu أضف إلى ذلك إمكانية التخلص من ملوثات مختلفة أخرى. وذلك من خلال عمليات تشمل:

1ـ تعديل الصفات الفيزيائية والكيميائية للترب الملوثة.

2ـ إطلاق مفرزات من جذور النبات تزيد من الكربون العضوي.

3ـ تحسين تهوية التربة بإطلاق الأكسجين مباشرةً في منطقة الجذور

4ـ إيقاف حركة بعض المواد الكيميائية أو إعاقتها.

5ـ التأثير في التحولات الإنزيمية للمركّبات المُعنّدة.

6ـ الحد من الهجرة الأفقية والرأسية للملوثات إلى الماء الأرضي.

مساهمة النباتات في مكافحة تلوث البيئة ليست أمرا جديدا، فالنباتات منذ القدم تحافظ على التوازن البيئي، وهي تساهم حالياً في مكافحة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتمتص ثاني أكسيد الكربون (أحد غازات الاحتباس الحراري)، وتبعث الأكسجين اللازم للحياة. ومع التطورات الهائلة في علوم الهندسة الوراثية في السنوات الأخيرة؛ توصل العلماء إلى اكتشاف قدرات مذهلة للنباتات والأشجار الخضراء، تتمثل في إمكاناتها الكبيرة في مكافحة الملوثات المستعصية، والملوثات المشعة، والمعادن الثقيلة.

وتظهر التقارير البيئية تسجيل نحو 600 ألف موقع ملوث في هولندا، وأكثر من 22 ألف موقع في كندا. وفي الولايات المتحدة الأمريكية يتجاوز 350 ألف موقع تحتاج إلى التنظيف خلال الثلاثين سنة المقبلة، بكلفة تبلغ نحو 250 مليار دولار. وتظهر تقارير وكالة حماية البيئة الأوروبية أن تكاليف التنظيف الإجمالية للمواقع الملوثة في الاتحاد الأوروبي تراوح بين 59 و109 مليارات يورو.

وإزاء هذا الوضع أصبح العالم يتطلع إلى استخدام تقنية المعالجة النباتية لتنظيف المواقع الملوثة والمياه الجوفية وتنظيف التربة الملوثة بالإشعاع باعتبارها تقنية صديقة للبيئة، وتتفوق على طرق التنظيف الهندسية الأخرى بأنها فعالة من الناحيتين الاقتصادية والفنية.

ما المعالجة النباتية؟

المعالجة النباتية Phytoremediation تتكون من كلمتين، الأولى Phyto ومعناها نبات والثانية Remediation، ومعناها استصلاح أو معالجة، وذلك لوصف تقنية تقوم بموجبها بعض النباتات جنبا إلى جنب مع الكائنات الحية في التربة، بتحويل الملوثات الضارة بالإنسان والبيئة إلى أشكال غير ضارة، وفي كثير من الأحيان مفيدة، وحاليا يتم استخدام هذه التقنية على نحو متزايد لإصلاح المواقع الملوثة بالمعادن الثقيلة والمركبات العضوية السامة والمواد المشعة.

وتعمل تقنية المعالجة النباتية على الاستفادة من نظام التغذية في النبات المبني على امتصاص الماء والمغذيات من خلال الجذور ورشح الماء من خلال الأوراق أو تحلل المركبات العضوية مثل النفط والمبيدات الحشرية، أو أنها قد تمتص وتراكم بيولوجيا العناصر النادرة السامة، بما في ذلك المعادن الثقيلة والرصاص والكادميوم، والسيلينيوم.

إن معالجة المواقع الملوثة باستخدام الطرق التقليدية؛ كثيرا ما تكون مكلفة وكفاءتها محدودة وقابلة للتطبيق على مساحات صغيرة، إضافة إلى ذلك فإن الطرق التقليدية غالبا ما تجعل التربة غير صالحة للاستخدام الزراعي، ولا تحل المشكلة بشكل عملي.

فمثلا في ألمانيا تساهم منشآت التنظيف التقليدية في تنظيف 30% من التربة في المواقع الملوثة، أمَّا التربة الباقية فيتم تخزينها في منشآت التخلص من النفايات، وهذا في الواقع لا يحل المشكلة من جذورها، بل يكتفي بترحيلها للأجيال اللاحقة، لذلك أصبحت الحاجة ماسة إلى تطوير طرق بديلة صديقة للبيئة، رخيصة وفعالة لتنظيف المناطق الصناعية الملوثة تأخذ بعين الاعتبار الاستخدام النهائي المحتمل للتربة بعد تنظيفها، وهذا ما توفره المعالجة النباتية كونها تقنية منخفضة التكلفة وفعالة، ويمكن بواسطتها معالجة مجموعة واسعة من الملوثات، كما يمكن تطبيقها على مساحات واسعة من الأراضي، والأهم من ذلك أنها لا تدمر التربة المعالجة إذ يمكن استخدامها للزراعة بعد التنظيف.

آليات المعالجة النباتية

تعمل تقنية المعالجة النباتية على سحب وتخزين وتحويل وهدم الملوثات بمختلف أنواعها باستخدام الجذر والساق والأوراق، وذلك بعدة أشكال أو آليات وهي:

ـ الاستخلاص phytoextraction: تسمى هذه الآلية الاستخلاص أو التراكم، وتعني سحب المعادن الثقيلة من التربة إلى المجموع الخضري للنبات، وبعض النباتات تسمى مجمعات phytoaccumulationلأنها تمتص كميات كبيرة من المعادن مقارنة بنباتات أخرى، وبعد أن ينمو النبات لفترة يتم حصاده والتخلص منه بالحرق أو إعادة استخلاص المعادن منه، وهذه الطريقة مفيدة في خفض تلوث التربة إلى مستوى مقبول، ويتم التخلص من الرماد في مواقع النفايات الخطرة. ومن المعادن المرشحة للإزالة بهذه الآلية: النيكل والنحاس والزنك. وتجرى حالياً دراسات وتجارب على أنواع من النبات لامتصاص الرصاص والكروم في التربة الملوثة، كما أجريت تجارب ناجحة أخيراً لاستخدام نبات السرخس الصيني pteris vittatia في امتصاص الزرنيخ من التربة الملوثة به، لأن هذا النبات ينمو سريعاً في التربة الملوثة بالزرنيخ. على سبيل المثال، تم استخدام الخردل الهندي لاستخراج الرصاص والزنك من التربة الملوث

ـ الترشيح Rhizofiltration: يتم في هذه الآلية امتزاز أو امتصاص أو ترسيب الملوثات بواسطة الجذور في المنطقة الجذرية للنبات، وتشبه هذه الآلية الاستخلاص، إلا أنها تستخدم لتنظيف المياه الجوفية، في حين تستخدم آلية الاستخلاص لتنظيف التربة، ويتم زراعة النباتات في المياه الملوثة، أو ضخ المياه الملوثة إلى النباتات المزروعة التي تعمل على سحب المياه الملوثة. وعندما يصبح النبات مشبعاً بالملوثات يتم حصاده. ومن التطبيقات المهمة لهذه الآلية استخدام دوّار الشمس لمعالجة برك المياه الملوثة بالإشعاعات التي نتجت عن انفجار مفاعل تشرنوبيل في أوكرانيا.

ـ التثبيت phtostabilization: يتم في هذه الآلية استعمال أنواع معينة من النباتات بهدف تجميد الملوثات في التربة بواسطة جذور النبات والميكروبات المرتبطة بها. لمنع حركة الملوثات في التربة أو المياه الجوفية بفعل عوامل التعرية أو الهواء، وخفض انتقالها لبيئات أخرى لاسيما السلسلة الغذائية للبشر، وهذه الآلية تتضمن امتصاص الملوثات وتراكمها في الجذور أو امتزازها على الجذور أو ترسيبها ضمن المنطقة الجذرية للنبات، وغالبا ما تستخدم هذه التقنية لتجديد الغطاء النباتي في المواقع التي تتدهور فيها التربة، بسبب ارتفاع تراكيز المعادن الثقيلة فيها. على سبيل المثال، تم استخدام Poplar الهجينة Populus spp. لتحقيق الاستقرار الزرنيخ في مخلفات المناجم.

ـ الهدم phytodegredation: يتم في هذه الآلية استخدام النباتات والكائنات الحية الدقيقة المرتبطة بها لهدم الملوثات العضوية مثل مخلفات الذخائر ومركبات ثنائي الفينول المتعدد الكلور  (PCBs) وبعض المذيبات المكلورة، وتنطوي هذه الآلية على هدم الملوثات العضوية مباشرة من خلال الأنزيمات التي تفرزها الجذور، أو من خلال نشاطات الاستقلاب داخل الأنسجة النباتية.

إن نجاح هذه العملية يحتاج إلى وجود ملوثات عضوية متوافرة بيولوجياً للامتصاص والتحلل من قبل النباتات والكائنات الحية الدقيقة المرتبطة بها، وتعتمد درجة التوافر البيولوجي على مدى تعقيد تركيب الملوث وعمره، ونوع التربة. وقد استخدمت أشجار الحور في تطبيقات متعددة بواسطة هذه الآلية لهدم المركبات العضوية السامة والمستعصية.

ـ التبخير phytovolatilization: تتضمن هذه الآلية امتصاص ونتح الملوثات العضوية من قبل النباتات، حيث يقوم النبات بامتصاص الملوثات من التربة أو المياه والطرح إلى الهواء (التبخير)، وعادةً يتم استخدام النباتات التي لها معدل تبخر ونتح مرتفع، وكلما كانت الملوثات متطايرة كانت أسهل للمعالجة بهذه الآلية.

يعدّ نبات الصفصاف متميزاً في هذا المجال؛ إذ يمكن أن تضخ الشجرة الواحدة نحو 200 لترٍ من الماء في اليوم مما يجعله صالحاً لمعالجة تلوث الماء الأرضي غير العميق. كما يمكن معالجة المركبات العضوية المتطايرة volatile organic compounds (VOC) بكفاءة بهذه الطريقة مثل البنزين والتولوين والزيلين. على سبيل المثال، تم استخدام Poplar الهجينة Populus spp. لازالة ترايكلور إيثيلين TCE من المياه الجوفية الملوثة. ومع التطورات الحاصلة في الهندسة الوراثية أمكن استخدام هذه الطريقة لإزالة الزئبق من البيئات الملوثة، حيث يتم تحويل الزئبق (الأيوني) إلى الزئبق المعدني الأقل سمية وتبخيره في الهواء. وفي بعض التطبيقات تم تحويل معادن مثل السيلينيوم والزرنيخ والزئبق إلى مركبات عضوية لتسهيل التعامل معها بيولوجيا من قبل النبات.

ـ التحويل Phytotransformation أو التحلل النباتي Phytodegradation: تشير هذه الآلية إلى إمكان تخليص التربة أو الرسوبيات أو المياه من الملوِّث بوساطة الإنزيمات النباتية وتحويلها إلى مواد أكثر ثباتا أو أقل سمية أو حركة، كما تشمل تحويل المعادن إلى مواد أكثر ثباتا أو أقل سمية أو ذوبانا، فيمكن مثلا أن ينخفض الكروم من الحالة السداسية التكافؤ hexavalent إلى الثلاثية trivalent الأقل ذوبانا؛ إضافةً إلى كونها غير مسرطنة. 

وعموما يشمل الإصلاح  او المعالجه في كثير من الحالات أكثر من آلية واحدة من الآليات السابقة، ومثال ذلك الدور الذي تؤديه آليتا الاستخلاص والتصعيد في إزالة التلوث بالسيلينيوم من التربة. وعلى الرغم من تنوع اختبارات الإصلاح النباتي وتعددها؛ فإن معظم أبحاثها أجريت في المخابر وتحت ظروف محكمة ولزمن قصير نسبيا؛ مما يؤكد الحاجة إلى مزيد من الأبحاث تحت الظروف الحقلية ولزمن أطول.

تطبيقات ناجحة

إن تطبيق المعالجة النباتية بصورة ناجحة يتطلب الاختيار الدقيق لأنواع النباتات لإزالة المعادن الثقيلة وهدم المركبات العضوية وتنظيف التربة الملوثة. وركزت معظم أبحاث المعالجة النباتية على تنظيف المواقع الملوثة بنوع واحد من الملوثات، والامثلة على ذلك:-

1ـ تم استخدام نبات الخردل الهندي Brassica Juncea لاستخلاص الرصاص من التربة الملوثة، وتم استخدام أشجار الحور لسحب وهضم الملوثات العضوية وبعض المعادن الثقيلة.

2ـ تم استخدام أشجار الحور المهجنة Trichocarpa Deltoides لإزالة المعادن الثقيلة والنترات من التربة والمياه الجوفية على الترتيب. وفي السويد تم استخدام أشجار الحور والصفصاف كمرشحات بيولوجية لإزالة الكادميوم من حمأة الصرف الصحي.

3ـ تم استخدام نبات زنبق السلام Sphathiphyllum كمنظف جوي، لإزالة الفورمالدهايد والبنزين (وهما ملوثان مسرطنان موجودان في الغاز والنفط)، وثلاثي كلورو الإيثيلين من الهواء الملوث.

4ـ استخدام أشجار الحور من خلال الأنزيمات الموجودة في جذورها لتغيير التركيب الكيميائي للمبيدات (PCBs)، وهى مجموعة من الملوثات الدائمة، تتفاوت في خصائصها وسميتها، وتلقى اهتماما عالميا متزايدا نظرا لخطورتها، حيث تسبب أمراض السرطان وأضرارا للنظام العصبي في الكائن الحي. وعلى الرغم من أن هذه المركبات لم تنتج منذ أكثر من 30 سنة فإنها ما زالت موجودة في البيئة نظراً لقدرتها على مقاومة التحلل والتفكك، وأدت إلى تلوث مواقع عدة من التربة والمياه في أرجاء واسعة من الولايات المتحدة الأمريكية، مثل نهر هدسون. وتظهر تقارير وكالة حماية البيئة الأمريكية وجود أكثر من 300 موقع ملوث بمركبات PCBs موضوعة على رأس قائمة صندوق دعم تنظيف الموقع الملوثة.

5ـ حاليا يدرس فريق مشترك من الأكاديمية الصينية للعلوم وجامعة (آيوا) قدرة أشجار الحور على تعديل التركيب الكيميائي لمركبات PCBs وتحويلها إلى مركبات أقل ضررا للإنسان والبيئة.

6ـ تم استخدام نباتات البرسيم وأشجار العرعر لإزالة المواد البترولية والهدروكربونية من التربة والمياه الجوفية، كما تم إجراء تجارب ناجحة على نباتات ريشة الببغاء والطحالب للتخلص من نفايات الذخائر والمتفجرات.

7ـ العشبة الجدارية الصغيرة: وهى نبتة برية رخيصة الثمن، تتكاثر بسرعة، ويمكن زراعتها على مساحات شاسعة. وميزة العشبة الجدارية الصغيرة انها مفترس كبير لمادة الزرنيخ من الأرض.

وسبق لباحثين أميركيين أن نجحوا في زيادة نهم هذه النبتة للزرنيخ عن طريق إضافة جينين استمدوهما من البكتيريا لخريطتها الجينية. وكتب العلماء المختصون بالهندسة الوراثية في مجلة “نيتشر” انهم نجحوا من خلال هذا التحوير على مضاعفة قدرة النبتة على التهام الزرنيخ 300 مرة.

8ـ نبتة ذيل الثعلب Amaranthus Retroflexus التي تعمل على امتصاص الكالسيوم المشع 40 مرة أكثر من غيرها من النباتات. ومن الممكن زراعة هذه النبتة البرية في ثلاثة مواسم في السنة، وطوال 15 سنة، من دون أن تفقد ميزتها.

9ـ نبتة Agropyron Desertorum التي تعمل على امتصاص مادة PCP المستخدمة في حماية الخشب ومواد البناء.

10ـ شجيرة Hybridpapel البرية قادرة على سحب مادة Trichlorethylen من الأرض بنسبة 90% وإطلاقها عبر مسامات وريقاتها الصغيرة بشكل مركبات غير ضارة.

ونبتة Thlaspi caerulescens التي تعمل على امتصاص النيكل والزنك من الأرض الزراعية

مساهمات للحد من آثار تشرنوبيل

قبل سنوات قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء تقييم للوضع الصحي والإشعاعي للمنطقة المحيطة بمفاعل تشرنوبيل في أوكرانيا، ودلت النتائج على أن انبعاثات المواد المشعة والمعادن الثقيلة بما في ذلك اليود والسيزيوم والسترونيوم والبلوتونيوم ما زالت تتركز في التربة والمياه والنباتات والحيوانات، على الرغم من انقضاء سنوات على حادث انفجار مفاعل تشرنوبيل (1986).

أظهرت بعض النباتات البرية مثل التوت البري والفطر مستويات عالية من السيزيوم، ولاحظت الرابطة الكندية النووية زيادة ملحوظة في حالات الإصابة بالغدة الدرقية في المناطق المحيطة بالحادث النووي. وتدخل هذه المواد المشعة السلسلة الغذائية عن طريق رعي الأغنام والأبقار التي تتغذى على النباتات المزروعة في التربة الملوثة، وبعد ذلك تتركز السموم في منتجات اللحوم والألبان التي يستهلكها البشر.

حديثا طورت إحدى الشركات سلالات معدلة وراثيا من نبات دوّار الشمس قادرة على إزالة %95 من الملوثات المشعة في أقل من 24 ساعة، وتم زراعة دوّار الشمس في بركة مائية ملوثة بالإشعاعات بالقرب من تشرنوبيل؛ وخلال 12 يوما كانت تركيز السيزيوم في جذورها أكبر بمقدار 8000 مرة من مياه البركة، في حين بلغت تراكيز السترونيوم أكبر بمقدار 2000 مرة من مياه البركة. وزرعت الشركة نفسها القنب الصناعي لإزالة الملوثات الإشعاعية من التربة القريبة من تشرنوبيل.

تم اكتشافقدرة نبات سنبل الماء Eich hornia Crassipes على إزالة المبيدات الفسفورية. ومن المتوقع أن يشكل هذا النبات بديلا فعالا واقتصاديا وبيئيا لإزالة وهدم نفايات المبيدات والتخلص من مخلفات الصناعات الزراعية بصورة عامة.

أنواع الملوثات التي يمكن إزالتها باستخدام المعالجة النباتية   

تعتمد فعالية المعالجة النباتية على عوامل مختلفة مثل الأنواع النباتية وظروف التربة وتركيز الملوثات والمناخ. وسنذكر هذه الأنواع المختلفة من الملوثات التي يمكن إزالتها باستخدام المعالجة النباتية والتى تشمل:-

1ـ المعادن الثقيلة: مثل الرصاص والكادميوم والزئبق والزرنيخ هي ملوثات سامة يمكن أن تتراكم في البيئة وتشكل تهديدا لصحة الإنسان.

2ـ المركبات العضوية: مثل الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات والمبيدات الحشرية هي ملوثات شائعة يمكنها تلويث التربة والماء.

3ـ المواد المشعة: يمكن للمواد المشعة مثل اليورانيوم والسيزيوم والسترونتيوم تلوث التربة والماء من خلال الحوادث النووية أو التخلص من النفايات النووية. يمكن للمعالجة النباتية إزالة المواد المشعة من خلال عملية تسمى phytosequestratio التي تتضمن امتصاص وتخزين هذه المواد في الأنسجة النباتية. وعلى سبيل المثال، تم استخدام عباد الشمس لإزالة السيزيوم المشعة من التربة الملوث في فوكوشيما باليابان بعد الكارثة النووية في عام 2011.

النباتات المستخدمة في المعالجة النباتية

في المعالجة النباتية، يمكن تصنيف النباتات بناءً على قدرتها على إزالة ملوثات معينة من البيئة، وفيما يلي بعض النباتات المستخدمة في المعالجة النباتية فى الجدول التالى:-

نوع الملوث الممتص النبات
النحاس والنيكل نبات الفصفص (Medicago sativa)
الزئبق والزنك والمعادن الأخرى في التربة الرطبة والمياه الجوفية – ملوثات عضويه (النفط و الهيدروكربونات) القصب (Phragmites australis)
الرصاص والكادميوم وبعض المعادن الثقيلة الأخرى من التربة – بعض العناصر المشعة مثل اليورانيوم من التربة الذره (Zea mays)
الزرنيخ من التربة نبات السرخس الصيني (Pteris vittata)
بعض المعادن الثقيلة مثل الكادميوم في المناطق الزراعية الملوثة نبات الأرز (Oryza sativa)
الزئبق، الرصاص، والزرنيخ من التربة نبات القطيفة (Tagetes spp)
الكادميوم، الزنك، النحاس – يمكن أن يمتص العناصر المشعة والمعادن الثقيلة مثل اليورانيوم من التربة والمياه – ملوثات عضوية (النفط والمركبات العضوية المتطايرة) الصفصاف (Salix spp)
من أفضل النباتات لامتصاص الرصاص والكادميوم والنيكل والزنك – والعناصر المشعة مثل اليورانيوم من التربة – ملوثات عضوية الخردل الهندي (Brassica juncea)
العناصر المشعة والمعادن الثقيلة الكرنب (Brassica oleracea)
بعض العناصر المشعة من البيئة المائية   نبات الطحالب الخضراء (Cla dophora spp)
امتصاص العناصر المشعة، وخاصة اليورانيوم والسيزيوم – ملوثات عضويه دوار الشمس (Helianthus annuus)
ملوثات عضوية القطن (Gossypium hirsutum)
الرصاص والكادميوم (Aloe Vera)
الزئبق والكادميوم (Willow tree) نبات العرعر
المعادن الثقيلة والنترات من التربة (Beet) الشمندر
الفورمالديهايد والزيلين من الهواء والتربة (Peace Lily)الراحه البيضاء

(Spider Plant) الزنبق الهادئ

(Jasmine)  الياسمين

من التربة الزئبق والرصاص والكادميوم (Wild grape) العنب البري
الفورمالديهايد والبنزين والتولوين (Basil) الريحان
الزئبق والرصاص والكادميوم من التربة (Cattail) والبامبو (Bamboo)         النباتات المائية مثل نبات الراش
ملوثات عضوية الشمندر السكري (Beta vulgaris)
المعادن الثقيلة والمركبات العضوية صفير الماء

العوامل التي تؤثر على كفاءة المعالجة النباتية

1ـ الانواع النباتية: يعد اختيار الأنواع النباتية المناسبة أمرا ضروريا لنجاح المعالجة  النباتية. بعض النباتات مناسبة بشكل أفضل لإزالة بعض الملوثات من غيرها، اعتمادا على قدرتها على تحمل السموم وتراكمها. على سبيل المثال، يعتبر الخردل الهندي فعال فى امتصاصه للمعادن الثقيلة، في حين أن عباد الشمس فعالة في إزالة الملوثات العضوية مثل الهيدروكربونات البترولية.

2ـ خصائص التربة: يمكن أن تؤثر خصائص التربة مثل الرقم الهيدروجيني، والملمس، ومحتوى المادة العضوية بشكل كبير على كفاءة المعالجة النباتية.حيث تزدهر النباتات في ظروف تربة محددة، ويمكن أن يغير وجود الملوثات هذه الظروف، مما يجعل من الصعب على النباتات أن تنمو وتمتص الملوثات. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي انخفاض الرقم الهيدروجيني إلى تقليل توافر العناصر الغذائية الأساسية، والحد من نمو النبات وتقليل قدرتها على إزالة السموم من الملوثات.

3ـ تركيزالملوثات: يمكن أن يؤثر تركيز ونوع الملوثات الموجودة في التربة أو الماء على كفاءة المعالجة النباتية. يمكن أن تكون تركيزات عالية من الملوثات سامة للنباتات، مما يقلل من نموها وقدرتها على امتصاص الملوثات. علاوة على ذلك، فإن بعض الملوثات أكثر سمية من غيرها، مما يجعل من الصعب على النباتات إزالة السموم منها.

 4ـ الظروف البيئية: يمكن أن تؤثر الظروف البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة والضوء أيضاً على كفاءة المعالجة النباتية. تتطلب النباتات الظروف المتنامية المثلى لتزدهر وإزالة الملوثات بشكل فعال. على سبيل المثال، قد تحتاج النباتات إلى مياه تكميلية في المناطق القاحلة للحفاظ على نموها واستيعاب الملوثات.

5ـ مدة المعالجة النباتية: يعتمد الوقت اللازم لعلم المعالجة النباتية على نوع وتركيز الملوثات وكذلك الأنواع النباتية المستخدمة. والمعالجة النباتية هي عملية بطيئة تتطلب الصبر والمراقبة طويلة الأجل لتحقيق النتائج المرجوة. ومع ذلك، فهي تقنية فعالة من حيث التكلفة.

مزايا المعالجة النباتية على طرق العلاج التقليدية

المعالجة النباتية هي حل أخضر ومستدام لتنظيف البيئات الملوثة. بالمقارنة مع طرق العلاج التقليدية وهى تتميز بالاتى:

1ـ فعال من حيث التكلفة: المعالجة النباتية هي حل فعال من حيث التكلفة لتنظيف البيئات الملوثة. على عكس الطرق التقليدية، التي تتطلب آلات ومعدات ثقيلة، يستخدم المعالجة النباتية النباتات لإزالة الملوثات من التربة والماء. مما يجعلها خياراً أكثر بأسعار معقولة للعديد من المشاريع البيئية.

2ـ الاستدامة: المعالجة النباتية هي حل مستدام لا يتطلب استخدام المواد الكيميائية القاسية أو الملوثات  الأخرى.

3ـ متعددة الاستخدامات: يمكن استخدام المعالجة النباتية لتنظيف مجموعة واسعة من الملوثات، بما في ذلك المعادن الثقيلة والمركبات العضوية والمبيدات الحشرية.

آفاق مستقبلية للمعالجة النباتية

يكمن مستقبل المعالجة النباتية في قدرته على حل المشكلات البيئية المعقدة وفيما يلي بعض الآفاق المستقبلية للمعالجة النباتية:-

1ـ يمكن أن تؤدي التطورات في الهندسة الوراثية إلى تطوير النباتات التي يمكنها إزالة مجموعة واسعة من الملوثات ويمكن أن تفعل ذلك بشكل أكثر كفاءة. على سبيل المثال، يستكشف العلماء استخدام النباتات المعدلة وراثيا التي يمكن أن تحطم المواد الكيميائية السامة وهو مكون مشترك في المتفجرات مثل TNT.

2ـ يمكن أن يؤدي استخدام المعالجة النباتية بالاقتران مع التقنيات الخضراء الأخرى إلى تعزيز فعاليتها. على سبيل المثال، يستكشف العلماء استخدام المعالجة النباتية بالتزامن مع تقنية النانو لإنشاء أنظمة هجينة يمكنها إزالة الملوثات بشكل أكثر كفاءة

3ـ يمكن أن يؤدي تطوير تقنيات المعالجة النباتية التي يمكن استخدامها في نطاق أوسع من الظروف البيئية إلى زيادة قابلية تطبيقها. على سبيل المثال، يستكشف الباحثون استخدام المعالجة النباتية في المناطق القاحلة حيث تكون المياه نادرة.

4ـ يمكن أن يساعد استخدام المعالجة النباتية في المناطق الحضرية في تحسين نوعية الحياة للمقيمين: على سبيل المثال، يمكن أن يساعد استخدام النباتات لإزالة الملوثات من الهواء في تقليل حدوث أمراض الجهاز التنفسي.

5ـ يمكن أن يكون لاستخدام المعالجة النباتية فوائد اقتصادية. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد استخدام النباتات لإزالة الملوثات في تقليل تكلفة طرق العلاج التقليدية، والتي يمكن أن تكون باهظة الثمن وتستغرق وقتاً طويلاً.

واخيرا، أظهرت دراسة جديدة لعلماء من جامعة “جوتنبرج” السويدية أن الصنوبريات بشكل عام أفضل من الأشجار عريضة الأوراق في تنقية الهواء من الملوثات، لكن ربما تكون الشجرة المتساقطة الأوراق أفضل في التقاط التلوث المرتبط بالجسيمات.

كما أن أنواع الأشجار المختلفة لديها قدرات مختلفة على امتصاص ملوثات الهواء. وتبين أن الصنوبريات، وهي أشجار تملك أوراق تُشبه الإبر، تمتص الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات الغازية أكثر من الأشجار عريضة الأوراق.

أيضا أن الصنوبريات تعمل أيضا كمنقي للهواء في الشتاء، عندما يكون تلوث الهواء في أعلى مستوياته عادة، إذ تنظف الأوراق الإبرية الهواء لسنوات عديدة.

ويقول الباحثون إن إبر تلك الأشجار يُمكن أن تستمر في امتصاص ملوثات الهواء لعدة سنوات، وهو ما لا تستطيع الأشجار ذات الأوراق العريضة فعله، لكن الأشجار عريضة الأوراق لها مزايا أخرى، إذ كانت أكثر كفاءة في تنظيف الهواء من الجسيمات العالقة، ويعتقد الباحثون أن تلك الكفاءة ترجع إلى أن الأوراق ذات مساحة السطح الأكبر تُمكن الجسيمات من الالتصاق بها بصورة أفضل.

وكانت أشجار “اللارك”، وهي من الصنوبريات التي تسقط أوراقها الإبرية كل خريف، الأفضل في الاختبار، إذ تمتص معظم الملوثات المرتبطة بالجسيمات، وتنجح أيضاً في التقاط الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات الغازية.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى