رأى

كلام مهم عن إشكالية السد الإثيوبي

أ.د/صلاح يوسف

بقلم: أ.د/صلاح يوسف

وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الأسبق

لم نكن يوما داعين إلى حرب بل دائما داعين إلى سلام.. اخلاقنا وديننا وثقافتنا هكذا.. تنبذ العدوان..

ولكى يكون هناك سلام لآبد من وجود قواعد تحققه وتحميه وتثبته طوال الوقت.. دائما هناك فارق كبير بين السلام والاستسلام.. وهذا ما كنا نقوله ونحن شبابا بين الامريكان..

وهناك من يتحدث ومن يناقش ومن يجادل ومن يتهكم.. والحوار دائم بين الجميع.. الحوار لا يعبر عن ثرثرة ولكن يعبر عن رغبة حقيقية فى حماية ممتلكاتنا وقدراتنا وقراراتنا.. وكل يفكر بطريقته.. والكل يعتقد أن طريقة تفكيره لصالح البلد.. وفى سبيل هذا يسخر من فكر الاخر وهذا أصبح سمة المجتمع المصرى منذ بضع سنين..

وأصبح بعض المصريين يتهم البعض الآخر بالجعجه أو بالكلام بدون تقدير حقيقى للموقف معتمدا هذا البعض على الثقة المطلقة والمجردة فى السياسات العامة، بينما البعض الاخر يخشى المستقبل ويعمل له الف حساب ولا يؤمن بشئ اسمه ثقة مطلقة ولكن دائما ثقة مرهونة بآداء ونتائج وارقام فى مقابل متغير الزمان.. فلا شئ مطلق غير الله..

ولأن المعلومات الحقيقية محدودة وتكاد تكون غائبة فى كثير من الحالات والاحوال فيكون تقييم الموقف من جميع المتجادلين فى المجتمع ليس له ارض صلبة تؤيد حديثه اللهم إلا بناء على الكلام الرسمى الصادر عن الحكومة..

ولذلك لا يجدر تحليل الموقف إلا من خلال البيانات الرسمية فيم يخص سد النهضة فى مقابل الاهداف والتحديات..

والموقف الرسمى بدأ بمجهودات شعبية أطلق عليها الدبلوماسية الشعبية وقت قيادة المجلس العسكرى وفى وجود د عصام شرف رئيس الوزراء فى ذلك الوقت.. لا يمكن أن يتصور عاقل ان الفئة من المصريين الذين توجهوا إلى إثيوبيا ذهبوا من تلقاء أنفسهم وبدون توجيهات ولو حتى بطريقة غير مباشرة، وتسميتها الدبلوماسية يبين الرغبة فى مشاركة المجتمع المدنى فى تحقيق توازن بين الدولتين فى العلاقات فى إطار حكم قائم بالفعل فى البلاد رغم الاحداث والتوترات والقلاقل وهو حكم المجلس العسكرى، ولا ينكر أحد دور تلك الفئة الشعبية سواء نعرفها أو لا نعرفها، وسواء نعرف مقتضى حديثهم أو لا نعرفه فى محاولة بيان حق مصر التاريخ فى مياه نهر النيل، ولكن بحكم ظروف مصر فى تلك الفترة كان حديث هذه الفئة القائمة بـالدبلوماسية المصرية عن حق مصر فى 90 مليار متر مكعب مياه سنويا لتحقيق احتياجات مصر الحالية والمستقبلية .. وإذا أنكر أحد على هذه الدبلوماسية مجهوداتها فمن حقه ولكن يراعى إنهم كانوا تحت حكم المجلس العسكرى وقتها، وبالتالى المسؤولية كانت بينهما مشتركة بخيرها ومرها..

ثم كان لقاء وزارة عصام شرف مع وزارة زيناوى بالقاهرة وكان المعظم يبدى حسن نية فى التعامل إلا القليلين الذين لم يطمئنوا إلى الجانب الاثيوبى، ولكن هذا القليل حقيقة كان هو المهم والمؤثر والمتولى للأمور وقتها وفيم بعد، وكان هذا القليل مسؤول قوميا عن تناول الامور و متابعتها عن كثب بناء على معلومات وخبرات دقيقة سابقة وحالية وقتها أو مزامنة لها.

ثم جاء عصر الاخوان الذى امتد لمدة سنة وكانت فيه الجلسة المريبة التى اذيعت على الهواء مباشرة دون علم الحاضرين كما أشيع وقتها، وتحمل د.مرسي وحكومته وحزبه وإخوانه مسؤولية ذلك، ويقينا يتحمل المسؤولية ايضا الجهات الرسمية المسؤولة عن الامن القومى والتى سمحت بهذه الإذاعة المباشرة أو لم توقفها.. وربما كانت تود توصيل رسالة إلى الجانب الاثيوبى والى الشعب المصري فى ذلك الوقت، وربما كانت تمهيدا لما سيحدث بعد ذلك من لقاءات وتفاهمات على أسس مختلفة تبينت بعد ذلك أكثر للعامة كسياسة مغايرة تماما من سياسة الاخوان العدائية تجاه اثيوبيا إلى سياسة حسن النوايا لتحقيق مكاسب للبلد بمداخل سياسية تفاهمية بدلا من التصادمية.

ثم جاء السيسى ليبدى روح جديدة من التعامل ووقع اتفاقية مبادئ تعتمد على حسن النوايا أساسا وتحاول إن تضع لمصر قدما فى الأمر، ولكن كعهد نتائج كل المؤتمرات والجلسات التى دارت بين ممثلى فلسطين وممثلى الكيان كان كل لقاء ينتهى بتنازل فلسطيني ومكسب أو مكاسب على الجانب الاخر.. حيث فى هذا الاتفاق كانت الموافقة على البناء دون الحصول على ضمانات كافية أو حتى ضمانات سوى حسن النوايا التى أكدت عليها كل بنود الاتفاق تقريبا فى كل نقطة، ولكن اعتمدنا على حسن النية بحسن نية اى بدون ضمانات أو ردع.

وكانت المحادثات والمفاوضات المبنية على إتفاقية المبادئ والتى نتيجتها لم نصل إلى أى شئ إطلاقا وبشكل رسمى من خلال ما تعلنه حكومتنا المصرية.. حيث لم نحصل على رسومات ولم نحصل على ضمانات سلامة ولم نحصل على شركة تقوم بالدراسة وتنتهى بها كما يجب حيث لم تقبل اثيوبيا فى كل مرحلة اى شئ يثبت حسن النية أو التحرك قدر أنملة عن موقفها، وطوال ذلك الوقت لم يتوقف الجانب الاثيوبى عن البناء، وتناولت المعارضة للسياسة المصرية معلومات واخبار غير دقيقة مما ساهم فى عدم ثقة الناس المحايدين فى كلامهم و معلوماتهم واخبارهم وركن المعظم مؤيد للسياسة ومتابع محايد لها إلى الاخبار الواردة عن الحكومة المصرية فقط..

وبدأت الحكومة منذ حوالى عام تعلن عدم الوصول إلى اى اتفاق ورفض الجانب الاثيوبى لكل ما يطرحه المفاوض المصرى وتم اللجوء إلى مجلس الامن فى 2020 ثم سحبنا هذا الطلب بناء على عرض الاتحاد الافريقي بالتدخل، وامضينا سنة من حوار الطرشان، فاضطرت الحكومة المصرية إلى اللجوء لمجلس الامن مرة أخرى الذى أحال الموضوع بنفسه إلى الاتحاد الافريقي…

من البيانات الحكومية التى تطرح نجد الاتى:

1ـ لم تسفر المفاوضات عن شئ لصالح مياهنا ونيلنا وبلادنا.

2ـ مضت اثيوبيا فى بناء السد على طول الطريق.

3ـ إنتهت اثيوبيا من الملئ الاول والملئ الثانى.

4ـ لم يقدم مجلس الامن حلا سوى عدم قبول الحل العسكرى، واظهرت الجلسة عدم نجاح الدبلوماسية المصرية فى توصيل رسالة صحيحة كافية بخطورة الأمر، وايضا عدم نجاح النشاط الدبلوماسي فى اكتساب ارضية مستقبلية داعمة لنا.

5ـ لم يقدم الاتحاد الافريقي حلا على مدار عام مضى تم خلاله المضى فى بناء سد النهر والملئ.

لو قيمنا ما تم بحساب الارباح والخسائر فسنجد اننا لم نربح أى شئ على الاطلاق بل أصبحنا بأدنى تقدير مهددين..

أعتقد أن هذا هو الموقف آلرسمى الحالى.. من يريد ان يفهم طبيعة وحجم المشكلة فليفهم ومن لا يريد فحقه.. ولكن ندرك جميعا أننا من الأجيال السيئة التى فرطت فى مياه النيل وأنا جميعا مشتركين فى هذا التفريط وستحاكمنا الاجيال القادمة على عدم قدرتنا على تناول امور حياتنا بالجدية الكافية اللازمة.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى