كرفتات مركز البحوث الزراعية!!
بقلم: د.أسامة بدير
مشهد غريب لاحظته منذ فترة ليست بالطويلة في مركز البحوث الزراعية وبالتحديد سلوك يحدث من جانب العلماء والباحثين الذين يملكون الخبرات والمعارف الزراعية، ويبتكرون كل جديد الذي من شأنه نهضة القطاع الزراعي واستمرار عمليات التنمية الزراعية أملا في تحقيق الأمن الغذائي لملايين المصريين ودعما للاقتصاد الوطني.
إن السلوك الغريب الذي يمارسه كثير من علماء وباحثي مركز البحوث الزراعية إنما يستدعي التوقف عنده للتأمل والبحث فيه لرصد وتحليل هذا السلوك، ولذا كان لزاما أن نتناول الأمر بهدوء وبلا أدنى سطحية أو تذمر لأن الأمر جد خطير، ويسبب ضياع جهود ونتائج علمية كبيرة تؤدي في النهاية إلى خسائر تقدر بالمليارات على كافة أطراف وعناصر العملية الإنتاجية الزراعية.
المشهد الغريب من وجهة نظري والذي بات مألوفا، والخروج عليه أضحى يُعد انتهاك صارخ لقواعد البروتوكول الإعلامي أو الاتصال بالمزارعين، يتمثل في ظهور العلماء والباحثين بالبدلة والكرافتة ظنا منهم أن هذا هو الشكل أو الظهور المناسب لكي يُطل على المشاهدين أو المتابعين أو المتدربين في أبهى صورة له.
يقيني، أن هذا السلوك له عدة اعتبارات خاصة بعناصر الاتصال “المرسل، المستقبل، الرسالة” التي ينبغي أن يضعها كل عالم أو باحث بمركز البحوث الزراعية نصب عينيه قبل توجيه أي خطاب أو رسالة لمستقبليه حتى يضمن نجاح عملية الاتصال بكاملها.
وأنا هنا أتحدث في المجال الزراعي بما يعني أن الباحثين حال تواجدهم في أحد أنواع أو أشكال الاتصال فإن الجمهور المستهدف سيكون حتما من المزارعين، وبالأحرى عموم الفلاحين البسطاء، ولأن التنظيم الحيازي لدينا أحد أهم أبرز سماته هو التفتت، ولذا فإن مشاهديه أو متابعيه أو المتدربين سيكون السواد الأعظم منهم من المزارعين ممن يزرعون في أقل من 2 فدان، والذين يعاني أغلبهم من الفقر وتدني مستوى المعيشة.
الشاهد، أني كفلاح بالكاد أتكسب قوت يومي بعد يوم عمل طويل وشاق في 10 قراريط، وبيتي متواضع للغاية يفتقد لأبسط قواعد حقوق الإنسان من بنية أساسية وخلافة، عندما أشاهد باحث بـمركز البحوث الزراعية على شاشة التلفاز يتحدث في رسالة إرشادية موجهه بالأساس لي، وهو يرتدي بدلة وكرافتة ويستخدم مصطلحات أحيانا باللغة الإنجليزية، وقد يكون حديثه هام للغاية ويساعد على زيادة الإنتاجية الزراعية، لكنه مع الأسف الشديد بهيئته هذه دمر العلاقة الاجتماعية التي كان من الممكن بنائها خلال تلك الدقائق مع آلاف المشاهدين من جمهور المزارعين، بل أنه ضرب عرض الحائط بكل عادات وتقاليد وسمات المجتمع الريفي وآليات التواصل معهم وإقناعهم بالشكل الذي يعظم من كم المعلومات والتوصيات والمعارف الإرشادية الزراعية التي يتناولها لصالح المزارع في المقام الأول.
مع الأسف الشديد لا يعلم كثير من الباحثين خطورة تشوه الرسائل الإرشادية الموجه منهم إلى آلاف الفلاحين في طول مصر وعرضها سواء كان ذلك عن طريق الاتصال الجماهيري أو الجماعي، فأنا شاهد عيان لعشرات الندوات وورش العمل والمدارس الحقلية التي تتم في ظروف مشابهة لما أقوله حيث يظهر المحاضر وهو يرتدي البدلة والكرافتة ويتحدث بلغة غير واضحة أو مفهومة للمتدربين من المزارعين البسطاء.
أموال طائلة تهدر على وزارة الزراعة ممثلة في مركز البحوث الزراعية بسبب هذا السلوك الغريب الذي ينسف كافة الجهود العلمية المبذولة من أكبر وأعظم صرح بحثي في منطقة الشرق الأوسط أملا في تحقيق نهضة الزراعة المصرية، ولن يحدث ذلك مطلقا من غير الاهتمام بأحد أهم عناصر العملية الإنتاجية الزراعية وهو “الفرد المزارع”، وشعوره الدائم بأن مُحدثه مثله يفهم كافة خصائصه الاجتماعية ويتعايش مع همومه ومشاكله، ويشبهه في سلوكه ومظهره.
ليس المقصود من سطور مقالي أن يرتدي علماء وباحثي مركز البحوث الزراعية “الجلباب” أثناء توجيه رسائلهم الإرشادية عبر طرق الاتصال المختلفة تشبها بالفلاحين لكي يحدث الاقتراب الاجتماعي معهم، إنما فقط ما أريده تحديدا بساطة الملابس والتواصل بتواضع شديد من خلال استخدام مفردات سهلة وبسيطة ومن البيئة الريفية، وعندها فقط ستصل رسالته الإرشادية بالشكل الأمثل وعلى الفور سوف يطبقها المزارع بكل دقة واحترافية لتؤتي ثمارها المرجوه عليه أولا ثم على الاقتصاد الوطني للدولة المصرية.
وأخيرا، قالوا قديما “لكل مقام مقال”، ونصيحتي لعلماء وباحثي مركز البحوث الزراعية حتى لا تهدر الأموال والجهود التي يبذلها المركز، يجب أن يحدد الشخص “مرسل” الرسالة الإرشادية من هو “مستقبل” هذه الرسالة أي ما نوعية الجمهور المستهدف؟ ثم يبدأ في تحديد أبرز السمات والخصائص الشخصية والاجتماعية التي يتصف بها هذا الجمهور حتى يبني مفردات محتوى رسالته بالشكل الواضح والسليم، فضلا عن مراعاة هيئته أثناء اللقاء.
للتواصل مع الكاتب
[email protected]