رأى

قصص من حياة القطط المنزلية: تجربة شخصية لوزير الزراعة الأسبق

بقلم: أ.د.صلاح يوسف

وزير الزراعة واستصلاح الأراضي الأسبق

بندق.. عمرها خمس سنوات وبضع شهور، عيناه واسعتان ومستديرتان، لونها رمادي فاتح مع درجات البيج والأبيض. ظنناها في البداية ذكراً، لكن تبين أنها أنثى، قطة جميلة. جاءت إلينا وعمرها أسابيع قليلة، ونمت فوق أقدامنا وبين أيدينا، ونامت معنا أثناء نومنا. قطة ما أجملها! كانت شقاوتها لطيفة ومستحبة مثل كثير من القطط المنزلية، وكبرت بندق التي فاق أدبها معظم القطط؛ فهي لا تمد يدها إلى طعام قط آخر إلا بعد أن تستأذن منا، خاصة أن لها طعامًا مخصوصًا. كما أنها تمد يدها لتلمس يدنا أو ساعدنا من بعيد طالبة أن نعطيها مما أعطانا الله.

تميزت بندق بالفضول الشديد، حيث تحب أن تتذوق أي طعام نأكله. وكلمة “تذوق” هنا محددة جدًا، فهي تأخذ قطعة صغيرة جدًا مما نأكل فقط لتعرف ما هو، ثم تعف نفسها عن طلب المزيد. مع الوقت، بدأت تحب بعض الأشياء التي أحبها أنا خاصة، ففي الصباح غالبًا ما تشرب معي شايًا بالحليب مع ملعقتي سكر في الكوب، تشرب كمية بسيطة تقدّر بأربع إلى ست ملاعق طعام كبيرة. كما أنها من المغرمين بالتمر نصف الجاف، فتتناول معي بعضًا من شاي الإفطار في الأيام العادية وبعض التمر في أيام الصيام، أو في أي وقت أتناوله.

تميزت بندق بتفاهم شديد بيننا؛ تعلمت عددًا من معاني الكلمات وأصبح بيننا حوار دائم. تطيعنا وتلبي طلباتنا سواء للمداعبة أو للتعليمات أو للجلوس بين أيدينا، وغيرها من الاستجابات الجميلة. اختصارًا، كان بيننا حوار دائم وتفاهم مستمر، وكذلك بين بندق وكل فرد في البيت، حيث لكل منا وبندق مفردات خاصة للتفاهم.

مرت الأيام وكبرت بندق، وتزوجت وأنجبت لوزة، الذي تبين لنا مع الوقت أنه ذكر. لوزة كان بلطجيًا مثل والده، الذي كان قطًا أبيض عنيفًا رغم كونه من سلالة عالية، لكنه تمرد عليها وجاب الشوارع، ومن لطف شكله وافقت خطأً على تزويج بندق له. لوزة كان قطًا صياحًا كما أسماه عمر رحمه الله، يصيح طوال الوقت سواء كان جائعًا أو عطشانًا أو يريد اللعب أو أي شيء، قط غاية في الإزعاج بصياحه الدائم. بالرغم من هذا، كان لونه مشمشيًا فاتحًا ويعد من ذكور القطط الجميلة، لكن رأسه كان بين الاستدارة والمثلث.

خروج بندق ولوزة داخل محيط البيت والحديقة أصابهما أكاروس في آذانهما، مما سبب لهما الضيق، فأضطررنا إلى الذهاب بهما إلى العيادة البيطرية. أثناء تواجدنا هناك، جاءت بعض الفتيات حاملات قطتين في منتهى الجمال؛ القطتان ذواتا شعر أبيض وعيون زرقاء، وما أجمل عيون القطط! إلا أن الفتاتين بمجرد رؤيتهما بندق، انبهرتا بجمالها وطفقا يلاعبانها، مهملتين القطتين الجميلتين اللتين بين يديهما. فعلاً أدركت مدى جمال ورقي الملكة بندق.

مرت الأيام، وتزوج الابن أمه في عالم خارج قيود الإنسانية رغمًا عنا، وأنجبا قطة أسميناها كاجو، وأنا أدعوها دائمًا “كوجا” بعكس أهل البيت الذين اعتادوا الاسمَين. كانت كوجا وبندق من عالم واحد تقريبًا، ما عدا وجه كوجا الذي كان بين وجه أمها ووالده. أما سلوكها فكان مثل أمها، غاية في الأدب وخفة الظل. استمر لوزة في بلطجته التي نشرها في البيت، فتعلمت أمه وابنته التي هي في نفس الوقت أخته في عالم الحيوانات الموازي، فأصبحت رغبتهم في مشاركتنا أي طعام نرزقانه مستمرة وبدون أي استئذان.

نشر لوزة البلطجة في البيت، فسمحنا له بالتجول خارج البيت حتى زاد ضجره منا وغادر. تباينت أحاسيسنا تجاهه بين الحزن لغيابه والسعادة لغياب بلطجته، لكن الحقيقة أننا استرحنا منه.

نشأت كوجا لطيفة خفيفة الظل، تميل إلى الخوف نوعًا ما سواء من الناس أو الحيوانات، بعكس بندق التي كانت تمثل الأسد الذي يدافع عن عرينه وعن قبيلته ضد أي كائن غريب. رغم هذا، كانت كوجا لا تترك طائرًا يطير أو حشرة إلا وهاجمته هجومًا عنيفًا.

بعد شهور، أتت بندق بثلاث قطط حديثة الولادة، وُلدوا بعد وفاة عمر رحمه الله، فأضطررنا أن نسميهم نحن للمرة الأولى في بيتنا، وليس بتسمية عمر رحمه الله. كان أحد بنات بندق الجدد لونه فضي وبنفس وجه أمه وعينيها، فسميناه قمر، ثم أختها سمسم ذات لون به درجة من البني مع الرمادي، وأخوها فستق الذي يميل لونه إلى الرمادي والشعر الرمادي إلى المخضر مثل فطر ألترناريا على مزارع البيئات المعملية. هؤلاء الثلاثة الذين لا يتجاوز عمرهم الثلاثة إلى الأربعة أسابيع يتميزون بحيوية غير عادية وخفة ظل فائقة لعمرهم.

ربما من يربي قططًا في البيت يعلم جيدًا أن سلوك القطط يشبه الأطفال، وتحتاج إلى رعاية كاملة كأنها أطفال مهما كبر سنها، وفي نفس الوقت يملؤون البيت بهجة وحيوية.

القطط، التي أسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم “الطوافات”، جميلة لطيفة تنشر الإيجابية في البيت وتطرد كل مظاهر السلبية فيه، لكنها تحتاج إلى رعاية شديدة ومجهدة. لا شيء هناك مجانًا، لكنهم دائمًا مدخل إلى الجنة عند تحملها ورعايتها، كما يحق لها ويحق علينا ذلك سواء كانت تربية منزلية أو وافدة من الخارج.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى