رئيس التحرير

في عيد ميلادي الـ59.. رحلتي من باحث شغوف إلى مؤسس “الفلاح اليوم”.. حكاية عمر وإصرار لا ينتهي

بقلم: د.أسامة بدير

اليوم أُطفئ شمعة جديدة من عمري، شمعة تحمل الرقم 59، وهي ليست مجرد رقم عابر في رحلة الحياة، بل وقفة تأمل أمام مشوار طويل حافل بالتجارب والتحديات والنجاحات. في هذا اليوم لا أحتفل بمرور السنوات، بل أسترجع فصول حياتي التي خطّها العمل الجاد والإصرار، وأستحضر أجمل ما أنجزته — تأسيس وإدارة موقع الفلاح اليوم وقناة الفلاح اليوم، اللذين أعتز بأنهما يشكلان أول سابقة في تاريخ مركز البحوث الزراعية بل ووزارة الزراعة بأكملها، أن يقوم باحث بمفرده، وبتمويل ذاتي من راتبه، بإطلاق هذا المشروع الإعلامي الكبير الذي نجح في أن يكون منبراً صادقاً يخدم المزارع والباحث والمجتمع الزراعي المصري بكل حب وإخلاص.

لقد كانت فكرة “الفلاح اليوم” حلماً شخصياً وواجباً وطنياً في الوقت نفسه. حلمٌ بأن يكون للباحثين صوت، وللفلاح منبر يوصل معاناته وجهوده وإنجازاته إلى الرأي العام. بدأت التجربة بخطوات متواضعة منذ يناير 2016، دون تمويل أو دعم مؤسسي، بل بإيمان لا يتزعزع برسالة الكلمة الصادقة. ومع مرور الوقت، تحول هذا الحلم إلى صرح إعلامي زراعي مستقل، يُتابعه الآلاف من العاملين في القطاع الزراعي داخل مصر وخارجها، وأصبح مصدراً موثوقاً للأخبار والمعلومة الزراعية الدقيقة، بفضل الجهد والإصرار والعزيمة.

خلال هذه المسيرة، لم يكن النجاح سهلاً ولا الطريق ممهداً. لكن الإيمان برسالة البحث العلمي وخدمة الوطن كان الوقود الذي دفعني للاستمرار رغم كل الصعوبات. ما تحقق عبر “الفلاح اليوم” ليس نجاحاً شخصياً فحسب، بل هو إثبات بأن الإرادة الفردية الصادقة قادرة على إحداث فرق حقيقي داخل المؤسسات الكبرى، وأن العمل بروح الباحث المؤمن بدوره يمكن أن يخلد أثره أكثر من أي منصب أو لقب.

واليوم، وأنا أسترجع محطات مشواري، أرفع رأسي بفخر ورضا، لأن ما حققته لم يكن وليد الصدفة، بل حصاد سنين من السعي والتعب، ولأن ما زرعته بجهدي وعرقي أثمر حب الناس وثقتهم، وهما أغلى ما يناله الإنسان في حياته.

وفي هذا اليوم، أجدها فرصة لأرفع خالص الشكر والعرفان لكل من علمني حرفا أو وجهني طريقاً. الشكر أولاً لأساتذتي في المراحل التعليمية الأولى، في الابتدائي والإعدادي والثانوي، الذين غرسوا في نفسي حب العلم والانضباط والاحترام. ثم الشكر العميق لأساتذتي في الجامعة الذين فتحوا أمامي آفاق المعرفة، ولمن أشرفوا على أبحاثي ودراساتي العليا حتى نلت درجة الدكتوراه، وكل من ساعدني أو ألهمني في مسيرتي البحثية والعلمية. هؤلاء جميعاً هم من صنعوا هذا الإنسان الذي يقف اليوم ليقول لهم: جزاكم الله عني خير الجزاء، فما كنت لأبلغ ما بلغت إلا بفضل الله ثم بفضل علمكم وتربيتكم وتوجيهكم.

كما أتوجه بالشكر أيضاً لكل زملائي في العمل، ولكل من شاركني فكرة، أو دعم جهدي، أو كان سبباً في نجاح مشروع من مشاريعي. لقد تعلمت من كل شخص تعاملت معه شيئاً جديداً، سواء كان ذلك علماً أو خلقاً أو تجربة حياة. فكل لقاء في مسيرة العمر كان لبنة في بناء شخصيتي ومهنتي ومساري الإنساني.

وفي لحظة صدق مع النفس، وأنا على أعتاب الستين، أمد يدي بالمسامحة لكل من اختلفت معه أو تسببت يوماً في حزنه أو ضيقه. أقول من قلبي: سامحوني، فالعمر يمضي سريعاً، والرحلة اقتربت من نهايتها، كما قال رسول الله ﷺ: “أعمار أمتي بين الستين والسبعين.” واليوم أنا أقف على أعتاب الستين، أراجع نفسي، وأتمنى أن ألقى الله وليس في عنقي حق لأحد من العباد. ومن كان له حق عندي فليأتِ الآن ليأخذه، فالحقوق في الدنيا تُرد بسهولة، أما في الآخرة فالأمر عسير.

كما أجدها فرصة لأقول: إنني أسامح من أساء إلي أو ظلمني أو جفاني، فلا أحمل في قلبي حقداً على أحد. فالقلوب التي تمتلئ بالرضا والصفح قادرة على أن تنال رضا الله وحب الناس، وهما الغايتان اللتان أرجوهما في ختام رحلتي.

وأختم مقالي هذا بصدق وطمأنينة وعيني قد امتلأت بالدموع: لقد بلغت من العمر ما يكفي لأدرك أن النجاح الحقيقي ليس في المناصب ولا الألقاب، بل في أن تترك أثراً طيباً وحباً صادقاً في قلوب الناس. أحمد الله على ما أنعم به علي من توفيق ونجاح في حياتي وعلمي، وأدعو أن تكون خاتمتي حسنة، وأن ألقى الله بقلب سليم، راضٍ مرضي، لم أظلم أحداً، ولم أؤذِ أحداً.

اللهم اجعل ختام عمري سعادةً ورضا، وامنحني حب الناس لك وفيك، فإن أعظم ما يُرزق به الإنسان في هذه الحياة هو أن يُحَب لله وفي الله.

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. كلمات صادقة تفيض حكمة ورضا، تحمل خلاصة عمرٍ من العطاء والمواقف النبيلة. هذا النص ليس مجرد تأمل شخصي، بل شهادة على مسيرة إنسان عرف معنى الاجتهاد والضمير، وأدرك أن القيمة الحقيقية للحياة تُقاس بما يتركه المرء من أثر طيب في القلوب والعقول.
    في زمنٍ يلهث فيه كثيرون وراء الألقاب والمكاسب، يجيء هذا البوح الصادق ليعيدنا إلى جوهر الإنسان؛ إلى الصدق مع النفس، وردّ الجميل، والصفح الجميل.
    إنها رسالة محبة وتسامح تستحق أن تُقرأ بتمعن، وأن تُدرّس للأجيال لتتعلم أن أعظم الكرامة هي نقاء السريرة، وأسمى النجاح هو أن تُحَبّ دون مصلحة، وأن تُذكَر بخير بعد الرحيل. “اللهم اجعل ختام عمري سعادة ورضا…”
    تختصر فلسفة حياة كاملة، وتنهي النص بخشوع مؤثر. نص إنساني راقٍ، يُكتب ليُقرأ لا لمرة واحدة، بل ليبقى شاهدًا على إنسان عاش بضمير، وشكر من علّموه، وسامح من أساؤوا إليه، وأدرك أن النجاح الحق هو أن تخرج من الدنيا بقلب سليم.. كل سنة وحضرتك بالف خير دكتور. . واسال الله ان يزيدك ثباتا. وايمانا. وتوفيقا في مسيرتك

  2. عيد ميلاد سعيد يا دكتورنا الغالي وعقبال سنين وسنين كلها صحة وعافية وستر يارب العالمين
    مفيش داعى تشكرني زيادة عن اللازم حبيبي

  3. كل عام وانتم بخير وصحه وسعادة يارب وعيد ميلاد سعيد وعمر مديد في طاعة الله ورسوله
    رحلة كفاح واجتهاد اثمرت عن نجاح كبير في مجال الإعلام الزراعي وتثبت أيضا ان تحديد الهدف هو بصلة النجاح الحقيقي
    هنيئا لك رحلة الكفاح والنجاح واكرمك الله بالصحة والعافية ودوام العطاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى