رأى

فلاحي مصر أيتام على موائد اللئام

د.محمد علي فهيم

بقلم: د.محمد علي فهيم

وكيل المعمل المركزي للمناخ الزراعي – مركز البحوث الزراعية

شهادة لله ثم للوطن وللتاريخ … اعتبروها جرس انذار “أخير” …
في ظل هذه الظروف الصعبة والمنهكة والمستنزفة لطاقات المزارعين والفلاحين .. أحب ان اقول … ان مزارعين وفلاحين مصر … كأنهم أيتام على موائد اللئام، بل هم أسوأ حالاً، لأن كل خيرات المآدب من زرع أيديهم، ومع ذلك يحاصرهم الفقر وقلَّة الحيلة.

إنهم الفلاحون والمزارعون، الشريحة الأكثر عملاً والأقل دخلاً.. الشريحة التى تُعيد صناعة أهم أسباب الحياة كل «طلعة شمس»، ومع ذلك يعيشون عند حد الكفاف تحت وطأة كوابيس الديون والمبيدات المغشوشة والأسمدة الغالية والتقاوى الفاسدة ونقص المياه وتلوّثها وانعدام الحماية… وأخيراً وليس بآخر هذا المناخ “العدائي”… اما آن الأوان ليستريحو … من مزيد من ضغوط الأذى والضرر والتجاهل؟!!

الآن وليس غداً … حتمية اعادة ترتيب وتأهيل المنظومة الزراعية في كل المناطق الزراعية من ناحية الرقابة الصارمة “جدا” على سوق مستلزمات الانتاج من تقاوي ومبيدات ومخصبات ومن ناحية اعادة ترتيب وتأهيل التركيب المحصولي ومواعيد الزراعة اصبح لا يحتمل التأخير والتباطيء … مش هينفع يترك المزارع لهذا الكم من المعاناة والتخبط.

مصر … أقدم حضارة زراعية عرفها العالم، وأول شعب اخترع وسائل رىّ أذهلت الأشجار والنباتات.. واستنبط أصنافاً نباتية وغذائية أطعمت العالم بعد جوع.. جاء الزمن الذى صحونا فيه على حقيقة موجعة، هى أن مصر – أقدم بلد زراعى فى العالم- تستورد أكثر من 75٪ من سلة غذائها، وتعتمد على الخارج فى تأمين أكثر من 60٪ من طبق الفول اليومى، و60٪ من رغيف خبزها، و95٪ من زيوت طعامها. ولكنها فى الوقت ذاته تبذل أقصى ما تستطيع، لكى تحجز لكبار أثريائها وتجّارها مكاناً فى سوق صادرات السلع الغذائية، التى يحصل عليها المصدّرون من المزارعين بأبخس الأسعار، ويحصدون منها المليارات سنوياً.

منتجون يحاصرهم الفقر .. وعلماء عاجزون عن تطبيق أبحاثهم.. وشركات تتربح “ذهباً” من الاستيراد والتصدير…
فى السنوات الأولى من القرن الحادى والعشرين، أى قبل 18 عاماً فقط، كان لدينا أعظم بيت خبرة فى العلوم والأبحاث الزراعية فى العالم.. وكان لدينا قطاع هائل للإرشاد الزراعى فى وزارة الزراعة، ولكن قرارات غامضة صدرت وتم تطبيقها فوراً على هذه الصروح فانهارت تماماً.

وخلال أعوام قليلة تقلصت ميزانية البحوث فى مركز البحوث الزراعية من 250 مليون جنيه فى السنة إلى 5 ملايين، لا تكفى لشراء أوراق وأقلام أو تمويل بَدل انتقال 13 ألف باحث .. وتقلصت ميزانية قطاع الإرشاد من 40 مليون جنيه إلى 220 ألف جنيه فقط، وبعد أن كان لدينا 25 ألف مرشد زراعى فى نهاية التسعينات ونشكو آنذاك من قلّة عددهم، إذ بنا نكتشف أن عدد المرشدين تراجع فى 2017 إلى 1500 مرشد، كلهم بلا استثناء سيغادرون العمل إلى المعاش بعد أقل من 4 أعوام.

من أهم قضايا الأمن القومى المصرى، هى مستلزمات الانتاج الزراعي وخاصة “التقاوي الزراعية” سنطالع مفارقات مذهلة، من بينها أن مصر التى باعت شركة نوباسيد لإنتاج التقاوى والبذور، تحولت إلى واحدة من أكبر الدول استيراداً للبذور والتقاوى، وأن عدداً ضخماً من أكفأ الباحثين المصريين فى هذا القطاع يعانون أشد المعاناة من عقبات رهيبة تحاصرهم وتمنعهم من تسجيل أصنافهم المحلية من التقاوى والبذور، والأمر ذاته ينطبق على الباحثين والعلماء فى مجال المخصبات والمبيدات الحيوية.

ولهذا أطالب وبشدة بتشكيل “هيئة وطنية محايدة” تتولى مسئولية تسجيل وتقييم التقاوى والمخصبات والمبيدات المصرية لا تتبع وزارة بعينها … مع تغيير شامل لمنهجية تسجيل وتقييم الاصناف النباتية والمبيدات والمخصبات والتى يتم العمل بها من عشرات السنين بدون اى مراعاة لكل الظروف “المتغيرة” من مناخ “حاد وعنيد” ومنظومة زراعية وتسويقية عشوائية ومرتبكة وغيرها … عشان كده ديما بنقول … موضوع تغير المناخ لم يعد يحتمل “التجاهل” أو “العناد” أكثر من كده..!!

(الامن المناخي اساس الامن الغذائي) يا حضرات!!
فتغير المناخ اصبح المستنزف الاكبر لكل جهود التنمية الزراعية في مصر على المستوى الفردي او المؤسسي أو القومي … ولا يزالون “يتجاهلون” و”يعاندون” … لكن ان لغداً لناظره قريب!!

التغييرات المناخية اصبحت واقع يفرض نفسه على نمط الزراعه بمصر خلال الفتره القادمه ولقد شهدت الاعوام الحالية والسابقة عده ظواهر اثرت بالسلب على دورات نمو و انتاج الكثير من المحاصيل … ولعل ظاهره تداخل الفصول والتغيرات الفجائية والحادة فى الطقس، مثل شده الرياح ومعدلات سقوط الامطار وكمياتها واختلاف درجات الحرارة بين شدة البرودة شتاء وشدة الحرارة صيفا وعنف الظواهر المناخية واحوالها ربيعا يفرض علينا التفكير بعمق وجديه اخذين اعلى النظريات العلميه للوصول لحلول متكامله لوضع الخطط المستقبليه التى تؤمن لنا اعلى معدلات انتاج واعلى كفاءه مزروعات باقل التكاليف الممكنة، ولابد ان تتسم هذه الحلول بمدى اجل قصير ومتوسط وخطة واضحة طويلة الامد.

المعاملات الزراعيه وسط هذا المناخ المتغير والعدائى للمملكه النباتيه (والحيوانية حتى) يجب ان تتغير وان يتم وضع برامج وآساليب جديده وتوقيتات للعمليات الزراعيه تناسب الوضع الجديد و المتغير.

هل من ضوء يلوح فى نهاية هذا النفق المعتم؟. الأفكار كثيرة، والحلول جاهزة متاحة لمن يبحث عنها صادقاً، ولكنها ستظل مثل «إبرة» ضائعة فى بحر الرمال، طالما أن هناك مَن لا يريد لنا الخروج من مذلة الاعتماد على الخارج فى تأمين غذائنا.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى