رئيس التحرير

عولمة الشباب الريفى

د/أسامة بدير
د/أسامة بدير

بقلم: د. أسامة بدير

لا شك أن انتقال البشر من بلد أصلي للعمل في بلد آخر لا يمكن اعتباره ظاهرة جديدة، بل أنها ظاهرة إنسانية طبيعية قديمة قدم التاريخ عرفتها وستعرفها كل شعوب الدنيا، وأخص بالذكر منطقة الاتحاد الأوروبي، التى ستستمر لفترات طويلة من الزمن تستقبل هذا الانتقال البشرى الجارف، مادام هناك تباين واضح في نوعية الحياة سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، إضافة إلى استمرار حاجتها لاستقبال مهاجرين جدد لأسباب عديدة مختلفة.

تعد الهجرة السرية ظاهرة عالمية موجودة في كثير من دول العالم خاصة المتقدم، لكن الهجرة إلى أوروبا أصبحت تحظى باهتمام كبير في السنوات الأخيرة. فبالرغم من تعدد الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة، إلا أن حزمة الدوافع الاقتصادية والسياسية والحقوقية تأتي في مقدمة هذه الأسباب.

يتضح ذلك من التباين فى المستوى الاقتصادي والاجتماعى بين البلدان المصدرة للمهاجرين والمستقبلة لهم، على اعتبار أن دول المنشأ أى المصدرة تشهد غالبا افتقارا شديدا إلى عمليات التنمية الجادة، وقلة فرص العمل، وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة، وزيادة معدلات الفقر وما يقابله من ارتفاع مستوى المعيشة، والحاجة إلى الأيدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين.

تشير تقديرات منظمة العمل الدولية وفق أحدث تقرير صادر عنها هذا العام بأن حجم الهجرة السرية ما بين 15- 20% من عدد المهاجرين في العالم البالغ حسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة حوالي 190 مليون شخص.

ذكرت منظمة الهجرة الدولية فى أحدث تقرير لها رصد حجم الهجرة السرية في دول الاتحاد الأوروبي حوالى 2,2 مليون شخص. وتقدر الأمم المتحدة عدد المهاجرين غير النظاميين إلى دول العالم المتقدم خلال السنوات العشر الأخيرة بـ165 مليون شخص.

فى مصر أضحت الخسائر المادية التي يتكبدها المهاجر – السرى- وأسرته فادحة فقد يتعرض للاعتقال والحبس والترحيل بل والموت، كما أنها تمثل إساءة لسمعة الحكومة وصانعي السياسات.

الشاهد أن حوادث الهجرة السرية خلال عام 2014 فى مصر بلغ وفق إحصائية لمركز الأرض 93 حادثة أسفرت عن غرق 804 مواطن، وفقد 772 آخرين، وتعرض 3949 شخص لعمليات النصب من قبل عصابات تسفير الشباب.

الملاحظ أن الشباب الريفى من أبرز الشباب المصرى الذى قصد الهجرة السرية إلى دول الاتحاد الأوروبى – خلال العشر سنوات الأخيرة – بعد تدنى مستوى معيشة أسرهم الريفية إبان حزمة السياسيات والقوانين والقرارات والإجراءات المرتبطة بخصخصة القطاع الزراعى، عقب تطبيق الحكومة لبرامج الاصلاح الاقتصادى مع منتصف ثمانينيات القرن العشرين حيث لم تراعى هذه البرامج البعد الاجتماعى لشريحة تعد الأكبر فى المجتمع المصرى وهى الريفيين – 57,5% من إجمالى السكان – فكانت حزمة من الآثار السلبية على هذه الشريحة لعل أهمها زيادة معدلات البطالة والفقر بين الشباب الريفى، ما دفعهم إلى البحث عن فرص بديلة للعمل وحياة أفضل لهم ولأسرهم خارج الحدود الوطنية حتى لو كانت هذه البدائل غير قانونية وتحمل بين طياتها مخاطر عديدة. وبالتالى عولمة تلك الظاهرة – الهجرة السرية – بالنسبة لهم فى سياق من التبنى والإصرار المفرط والخلل الذى أصاب المنظومة الثقافية للبنيان الاجتماعى للمجتمع الريفى.

يقنى أنه خلال السنوات الأخيرة تنامت هذه الظاهرة – الهجرة السرية – بشكل مرعب بات يهدد أمن واستقرار ليس المجتمع الريفى فحسب بل تعداه إلى المجتمع كله.

فرغم مشقة الهجرة السرية والنتائج السلبية المترتبة عليها متمثلة فى الخسائر المعنوية والمادية، من حيث خسارة الأموال، والتعرض لمهانة الاعتقال والحبس والترحيل، بل وربما الموت غرقا، إلا أن هناك إقبالا كبيرا من الشباب المصري الريفى على الفرار من أرض الوطن إلى حيث المصير المجهول.

فى ضوء ارتفاع أعداد الشباب الريفى المهاجر بطرق سرية إلى دول الاتحاد الأوروبى حيث تشير احصاءات بعض المنظمات الحقوقية إلى أن عدد الشباب المصري الذين قصدوا الهجرة إلى أوروبا بطرق غير منظمة وفشلوا فى ذلك إما بالموتى غرقا أو القبض عليهم حوالي أكثر من 600 ألف شاب تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 45 عاما خلال العشر سنوات الأخيرة.

لذا فإن ظاهرة الهجرة السرية بين الشباب الريفى الذى أدمن عولمتها باتت تمثل قضية خطيرة، وتحديا من التحديات الكبرى التى تواجه المجتمع المصري على الصعدين الدولى والوطنى، يجب مواجهتها والتصدى لها بحلول واقعية وجادة وبشراكة فعلية مع كل أطراف الظاهرة سواء داخل الحدود الوطنية أو خارجها.

للتواصل مع الكاتب
[email protected]

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى