رئيس التحرير

عندما بكى رئيس تحرير الفلاح اليوم.. دروس مُؤثرة في الكرامة الإنسانية

بقلم: د.أسامة بدير

لطالما كانت الكرامة الإنسانية أحد أعمدة القيم الأخلاقية التي تُميز الإنسان، وهي التي تمنحه احترامه لنفسه وللآخرين، بعيدًا عن الحاجة أو الاستغلال. وفي زمن أصبحت المادة تحكم الكثير من العلاقات، لا يزال هناك من يُقدمون نماذج مُضيئة في الإيثار وعفة النفس، مشاهد تبعث الأمل في الإنسانية وتُعيد إلينا الثقة في وجود الخير الخالص.

في إحدى الأمسيات، وأثناء متابعتي لبرنامج تلفزيوني يُوزع جوائز مالية كبيرة للمحتاجين، وجدت نفسي أمام مشهدين لم أستطع منع دموعي من الانهمار تأثرا بهما، لأنهما جسّدا أسمى معاني الكرامة الإنسانية.

المشهد الأول كان لرجل مصري بسيط، لكنه في إنسانيته كان عظيما. أقام مائدة رحمن لإفطار غير القادرين، كصدقة جارية على روح والده، وعندما عُرضت عليه جائزة مالية قدرها 200 ألف جنيه، رفضها بشدة قائلا إنه لا يحتاج إليها، واقترح أن توضع في مسجد، أو تُعطى لمن هم أكثر احتياجا. حتى عندما حاول المُذيع إقناعه بأن يستخدمها لتوسيع مائدته، ظل ثابتا على موقفه، مؤكدا أن ما يفعله لله، وليس بحاجة لأي مقابل. تلك اللحظة كانت كفيلة بجعلي أراجع نفسي وأفكر في مدى إخلاص هذا الرجل وتجرده، وكيف أن العطاء الحقيقي لا ينتظر مردودا، وإنما ينبع من قلب ممتلئ بالإيمان والرضا.

أما المشهد الثاني، فكان أكثر إيلاما، لكنه كان عظيما في معناه. رجل سوري مُسن، يجلس على كرسي مُتحرك، يبيع المناديل في الشارع ليكسب قوت يومه بعرق جبينه. حينما اقترب منه مُقدم البرنامج ليمنحه الجائزة المالية، فوجئت به يرفضها بعزة نفس لا مثيل لها، وكأنه يقول للعالم: “أنا أعيش بكرامتي ولن أمد يدي لأحد.” كانت كلماته البسيطة تحمل قوة تهز القلوب، وتجعلنا ندرك أن الكرامة لا تُشترى بالمال، وأن الإنسان الحقيقي هو من يصون نفسه حتى في أقسى الظروف.

هذان المشهدان لم يكونا مجرد لقطات عابرة، بل كانا دروسا عميقة عن معنى الكرامة والرضا والقناعة. في زمنٍ أصبح الكثيرون يلهثون وراء المال دون اعتبار للقيم، نجد من يثبتون أن الكرامة والعزة لا يقدران بثمن.

شخصيا، تأثرت بشدة بهذه المواقف، لأنها لامست شيئا بداخلي، جعلتني أراجع مفاهيمي عن الحاجة والعطاء، وأدرك أن الإنسان لا يُقاس بماله، بل بمبادئه. تلك المشاهد جعلتني أشعر بالخجل من كل لحظة تذمرت فيها على أمر بسيط، وأيقنت أن العطاء الحقيقي لا يكون بالمال فقط، بل بالإحساس الصادق ومساعدة الآخرين دون انتظار مقابل.

ما أجمل أن نعيش بكرامة، أن نُعطي دون رياء، وأن نحيا بقناعة تجعلنا أغنى من أصحاب الملايين. هؤلاء الأشخاص لم يكونوا من الأثرياء، لكنهم كانوا الأكثر غنًى بالنفس، والأكثر احتراما للحياة. فهل نحن مستعدون لأن نقتدي بهم؟

🔹 تابعونا على قناة الفلاح اليوم لمزيد من الأخبار والتقارير الزراعية.
🔹 لمتابعة آخر المستجدات، زوروا صفحة الفلاح اليوم على فيسبوك.

تابع الفلاح اليوم علي جوجل نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى